يوسف حسني - الخليج أونلاين-
بعد نحو أسبوعين من انتهاء أزمة احتجاز السلطات السعودية لرئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، بتدخل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يبدو أن باريس ستؤدي دوراً مماثلاً مع سلطات أبوظبي، بعدما أعلن رئيس الوزراء المصري الأسبق أحمد شفيق، المحتجز حالياً في الإمارات، أنه سيغادر خلال أيام إلى باريس قبل أن يعود منها إلى القاهرة.
وفي تطوّر دراماتيكي مفاجئ أعلن رئيس وزراء مصر الأسبق، الأربعاء 29 نوفمبر 2017، أنه ممنوع من مغادرة الإمارات "لأسباب لا يفهمها ولا يتفهمها"، وذلك بعد ساعات من إعلانه الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية التي ستجرى في الربع الأول من العام المقبل.
شفيق، الموجود في الإمارات منذ خسارته انتخابات 2012 أمام الرئيس المعزول محمد مرسي، أثار صخباً بإعلانه المفاجئ نيته العودة للبلاد والترشح للرئاسة، لكن الصخب الأكثر كان ظهوره التراجيدي عبر فضائية "الجزيرة" القطرية، والذي أكد فيه أنه "ممنوع من مغادرة الإمارات"، وطالب المسؤولين المصريين بالتدخل الفوري لرفع أي قيود على حركته.
ولدى شفيق علاقات متميزة مع أبوظبي التي اتخذها وجهة له عقب خروجه من مصر خاسراً، ثم اتخذها ملاذاً بعدما حركت حكومة بلاده ضده دعوات تتعلق بتورطه في قضايا فساد خلال وجوده على رأس وزارة الطيران خلال فترة الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وبعد حصوله على البراءة في عدد من القضايا وإسقاط نظام عبد الفتاح السيسي بعضها الآخر عنه، ظل شفيق مقيماً حيث هو، مكتفياً بالتلويح بالعودة أو بالإعراب عن رغبته في العودة من حين لآخر، قبل أن يدخل على خط المواجهة فعلياً، وإن في إطار مسرحية سياسية، كما يقول البعض.
وبعد ساعات من تأكيده أنه ممنوع من مغادرة الإمارات، أعلنت محامية شفيق أن موكلها سيغادر إلى باريس خلال أيام قبل أن يعود منها إلى مصر، لتثور الأحاديث مجدداً عن ذلك "السرّ"، الذي تمتلكه باريس مع أبوظبي والرياض، لكي تجبرهما على إطلاق محتجزيْن بهده الأهمية لديها؟
- على خطى الحريري
قبل أكثر من أسبوعين، وبعد زيارة رسمية لأبوظبي، حطّت طائرة الرئيس الفرنسي بشكل لم يعلن عنه سابقاً في الرياض، ليلتقي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ورئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، الذي كان قد أعلن من الرياض استقالة مفاجئة من منصبه، ليظل بعدها ممنوعاً من مغادرة الرياض.
ما كان شكّاً بات يقيناً عندما أكد الرئيس اللبناني، العماد ميشال عون، أن السلطات السعودية تحتجز الحريري وأسرته، واصفاً الأمر بـ"العدوان". غير أن الرئيس الفرنسي كان قد أكد بعد لقائه بن سلمان أن الحريري سيصل إلى باريس خلال أيام، وهو ما حدث بالفعل يوم السبت (18 نوفمبر 2017).
الجنسية الفرنسية التي يتمتع بها الحريري كانت أكثر قوة وأثراً من تلك السعودية التي يحملها الحريري أيضاً، إذ عجزت السلطات السعودية عن الاستمرار في احتجاز الرجل الذي كانت قد أرغمته على مغادرة منصبه كرئيس للحكومة في بلده الأصلي، بل وأرغمته أيضاً على إلقاء خطاب استقالة حمل هجوماً على حزب الله اللبناني ومن خلفه خصمها الإقليمي إيران.
وفور وصول الحريري إلى قصر الإليزيه الرئاسي استقبله ماكرون بـ"الأحضان"، وكأنه عائد من الأسر، في مشهد لفت أنظار كثيرين، وعزز الحديث عن ضغوط مارستها باريس على الرياض لإنهاء احتجاز الحريري. وما زاد الطينة بلّة أن الأخير تراجع عن استقالته فور وصوله إلى بيروت.
صحيفة "لوموند" الفرنسية أكدت ذلك الدور الفرنسي الذي سعى بعض مؤيدي الرياض لنفيه، بقولها إن الرئيس إيمانويل ماكرون "حفظ ماء وجه" السعودية، وأنقذها من حرج دبلوماسي فيما يتعلق بمسألة الحريري.
وأضافت الصحيفة، في عددها الصادر الاثنين (20 نوفمبر 2017)، أنه على الرغم من غياب الدبلوماسية الفرنسية في الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية، فإن ما قامت به في أزمة الحريري يعتبر نجاحاً لها. وتابعت: "فرنسا ساعدت في إخراج الحريري (من الرياض إلى باريس)، بعد أن كان أغلب اللبنانيين يعتقدون بأنه أسير".
- قلب للطاولة
وقبل أن يجف حبر الأخبار التي ظلّت لثلاثة أسابيع مقرونة باسم الحريري، خرج رئيس وزراء مصر الأسبق، ليثير عاصفة جديدة بإعلانه التوجه إلى باريس خلال أيام قبل عودته لبلده الأصلي (مصر)، وذلك بعد ساعات من إعلانه أنه ممنوع من مغادرة الإمارات، وهو ما رد عليه أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، بقوله: "لا يوجد عائق لمغادرة الفريق أحمد شفيق الإمارات".
وصبيحة إعلانه منعه من السفر، قالت دينا حسين، محامية شفيق، الخميس 30 نوفمبر 2017، إن موكلها سيغادر الإمارات متوجهاً إلى باريس للقاء الجالية المصرية هناك، مؤكدة لوكالة "الأناضول" أنه "سيعود بعد أيام إلى مصر".
اللافت أن شفيق، الذي يعمل مستشاراً سياسياً لرئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان، أعلن مسألة منعه من السفر عبر شاشة "الجزيرة" القطرية، وهو ما أثار زوبعة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع السياسي المصري؛ حيث فسّر البعض هذا السلوك بأنه محاولة للضغط على أبوظبي.
لكن يبدو أن الضغط الأكبر، وإن لم يكن معلناً، جاء من السلطات الفرنسية؛ حيث أكدت صحيفة "نيويورك تايمز"، الأمريكية، الخميس 30 نوفمبر 2017، أن شفيق يخضع لإقامة جبرية بالفعل.
وقالت الصحيفة إن الشريط الذي ظهر فيه شفيق متهماً الإمارات بمنعه من السفر إلى مصر للمشاركة في الانتخابات، أظهر أن "أبوظبي، مثل الرياض، تحاول التأثير على سياسات دول أخرى من خلال تلك الإجراءات".
وهذه هي المرة الأولى التي تقْدم فيها دولة خليجية على محاولة التأثير في سياسة دولة أخرى بعد ما فعلته الرياض مع الحريري. وهو ما أكدته محامية شفيق، بقولها: "شفيق وُضع تحت الإقامة الجبرية منذ الساعة الثالثة من صباح يوم الجمعة (24 نوفمبر 2017)"، مضيفة: "الآن سيضطرون إلى السماح له بالذهاب بعد الفيديو الذي أحدث ضجة كبيرة".
واعتبرت الصحيفة أن ما جرى مع شفيق "يمكن اعتباره عنصر التشويق الأول في الانتخابات المصرية المقبلة، التي تعتبر فعلياً محسومة للسيسي"، مشيرة إلى أن ظهور شفيق بهذا الشكل وما حصل له في الإمارات "يمكن أن يُحدثا انقساماً كبيراً داخل المجتمع المصري، وحتى داخل كبار القادة في الجيش".
وفي تعليق مقتضب على ما حدث، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال مشاركته في منتدى حوار المتوسط بالعاصمة الإيطالية، الجمعة 1 ديسمبر 2017، إنه لا يرى أي سبب قانوني يمنع أحمد شفيق من الترشح للانتخابات".
ووفقاً لما نقلته صحيفة "المصري اليوم"، فقد أضاف شكري: "هو (شفيق) حر بأن يخوض المعركة الانتخابية، وهذا الأمر ينسحب على أي شخص آخر والناخبون يقررون".
لكن الوزير المصري لم يتطرق لمسألة احتجاز شفيق بالإمارات، ولم يعلق على مطالبة رئيس وزراء مصر الأسبق بالتدخل لرفع القيود التي تضعها أبوظبي على حركته.
- هيبة الجيش
ورغم حالة الانشقاق التي تسود بين المصريين إزاء شفيق المحسوب على نظام مبارك أولاً وآخراً، فإن المصريين وبسرعة ملفتة رفعوا أصواتهم المنددة باحتجازه في أبوظبي، بل إن هناك من طالب الجيش المصري بالتدخل لحسم هذا الأمر، نظراً إلى أن شفيق واحد من قادة الجيش السابقين بل ومن قادة حرب أكتوبر 1973.
وتبدو الإمارات معتمدة في "بلطجتها السياسية"، كما وصفها السياسي المصري أيمن نور، على تحالفها مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يخشى مواجهة شفيق في الانتخابات فعلياً، وهو أمر لن يغني عنها ولا عن السيسي نفسه، شيئاً إن قرر الجيش المصري التدخل.
وربما يرد الجيش على ما يحدث بإعادة شفيق للبلاد والسماح له بدخول انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة، لفعل هذا رغماً عن أبوظبي وعن السيسي، ومن دون مساعدة من فرنسا أو من غيرها، كما يقول عسكري مصري سابق.
ويضيف العسكري المصري لـ"الخليج أونلاين": "هناك أمور أكبر من أن يقبل بها الجيش تحت أي ضغط أو إرضاءً لأي شخص، حتى لو كان هذا الشخص رئيساً لمصر"، مضيفاً: "على رأس هذه الأمور هيبة قادة الجيش التي تعني الرصيد الأهم وغير القابل للمساومة".
ويؤكد المصدر، الذي رفض الإفصاح عن هويته نظراً لحساسية موقعه، أن الجيش المصري "قد يقبل ببعض الأمور اليوم لأنه يعلم كيف يتم تصحيحها غداً، أما هيبة القادة فتعني هيبة الجيش بالمنطقة، وهو خط أحمر لن يُسمح للإمارات ولا لغيرها بتجاوزه".
وعن إمكانية تدخل الجيش في الأزمة، يقول المصدر: "لو قرر الجيش أن شفيق سيعود فسيعود، ولو قرر أن يجري انتخابات نزيهة فسيفعل. ولو قرر منع السيسي نفسه من الترشح للانتخابات فسيمنعه. هذا هو الواقع".
أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله، غرّد على موقع "تويتر"، متحدثاً عن شفيق: "أعطي مهلة 48 ساعة لمغادرة الإمارات. فهو غير مرحب به".
أعطي مهلة 48 ساعة ليرتب أمره ويغادر فهو غير مرحب به بعد اليوم على أرض الإمارت. pic.twitter.com/vKWWX0PqHn
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) November 30, 2017
محامية شفيق دينا حسين، قالت لـ"الخليج أونلاين"، إن الحكومة الفرنسية لم تتدخل لرفع القيود عن حركة موكلها، كما أن المسؤولين في مصر أيضاً لم يتحركوا لإنهاء هذه الأزمة، مؤكدة أنه لا يحمل الجنسية الفرنسية، وأن الفيديو الذي أعلن فيه منعه من السفر كان له الدور الأكبر في إنهاء الأزمة؛ نظراً للضجة التي أثارها.
وأكدت حسين، بلهجة متحفظة: "الفريق شفيق هو من اختار السفر إلى باريس للقاء الجالية المصرية هناك، وفق ما كان معداً له قبل اندلاع أزمة احتجازه"، وأنه سيعود من باريس إلى القاهرة خلال أيام.
الفرق بين الحريري وشفيق يكمن في أن الأول يحمل الجنسية السعودية التي منحت الرياض حق احتجازه، كما أنه يحمل الجنسية الفرنسية التي منحت باريس حق التدخل بقوة لإطلاق سراحه، في حين أن الثاني لا يحمل جنسية إماراتية تبرر احتجازه، ولا أخرى فرنسية تدفع ماكرون إلى المطالبة به. ويبقى مشهد استقباله بالأحضان في الإليزيه، إن حدث، هو وجه الشبه الوحيد بين الرجلين.