السلطة » خلافات سياسية

عجز المملكة مزمن

في 2017/12/08

فؤاد السحيباني- راصد الخليج-

تنهار الدول حين تتمدد الحماقة وتسيطر على المراكز الرئيسة لصنع القرار، حين يصبح الجنون هو الركن المركزي وراء كل فعل، وتتحول الساحة السياسية لسوق من المزايدات الفارغة، يدور بها الجميع حول مكاسب وقتية، ويضيع الوطن كقيمة في عيون ناسه، قبل أن يتهدد خارجيًا.

المملكة توشك أن تتحول تدريجيًا إلى صاحبة "عجز مزمن" في موازنتها، حيث أدت السياسات الاقتصادية والسياسية المتبعة منذ عام 2015 إلى انهيار الإيرادات النفطية، مع زيادة هائلة في الإنفاق العسكري، تلبية لمطالب حرب اليمن، وتمويل الجماعات المسلحة في سوريا بالعتاد والتدريب.

في البداية سارت المملكة وراء سياسات أمريكية لتخفيض أسعار النفط، فاستمرت في ضخ النفط بالأسواق العالمية على الرغم من تراجع سعره، والحجة التي أعلنت وقتها هي محاربة النفط الصخري الأمريكي، مما أدى بالاقتصاد إلى دخول نفق عجز عن تلبية مصروفات البلاد نتيجة تراجع الإيرادات.

سجلت موازنة 2015 عجزًا ضخمًا قيمته 367 مليار ريال، ولم تفلح الأرقام الفاضحة في حث المخططين الاقتصاديين على التفكير والتروي في قراراتهم، لنشهد تنامي المصروفات، وبالتالي استمر العجز في أكل الموارد المتراجعة أساسًا، ودخلنا إلى العام 2016 محملين بعجز من العام السابق.

أرجئت المملكة تطبيق العديد من خططها التنموية لمختلف مناطق المملكة، مما أدى بالخدمات العامة إلى التراجع، ووقف خطط تطوير مجاري السيول والأمطار، لنشهد شتاء صعبًا، وزادت خطورة الطرق أضعافًا مضاعفة، ولم ننس بعد حادثة انهيار مقر أرامكو بـ "الشرقية" قبل افتتاحه من قِبل الملك سلمان بساعات، في نهاية 2016.

بعد كارثة 2015، قرر الملك سلمان اتخاذ إجراءات اقتصادية صعبة، على رأسها خفض الدعم على مدى خمس سنوات مقبلة، وفرض الضرائب لزيادة الإيرادات، إلا أن القرارات سرعان ما تبخرت فوائدها بعد استمرار النزيف في اليمن، وعدم كفاءة الهيئات الاقتصادية المنوط بها تنفيذ خطط زيادة الكفاءة!

ولجأت الحكومة خلال 2016 لتمويل العجز المتوقع عن طريق السحب من الاحتياطي، وإصدار أدوات دين تشمل الصكوك والسندات، إضافة إلى لجوئها للاقتراض، وأدى سحب نحو 180 مليار ريال خلال 2016 من الاحتياطي العام، إلى تراجع الاحتياطي بنسبة 28%، ليبلغ 474 مليار ريال بنهاية أكتوبر/تشرين الأول 2016، فيما كان نحو 654 مليار ريال نهاية 2015.

وفي العام الحالي استمرت وتيرة العجز ليسجل عجز الموازنة بالنصف الأول من العام المالى الحالى نحو 72 مليار ريال، في إشارة لفشل جهود ولي العهد لضبط الموازنة، رغم فرض ضرائب ورفع أسعار المحروقات، والرسوم الجديدة المفروضة، وخطط التقشف.

الضربة القاضية جاءت من الجنوب، من حرب اليمن، فقد فتحت الحرب الإنفاق العسكري على مصراعيه، بلا ضابط أو رابط، ورغم أن احتياجات الحرب تمثل رقمًا مهمًا في الموازنة، إلا أن هدف شراء صمت الدول الكبرى على الحرب يبقى هدفًا من أهداف العقود الضخمة.

المملكة تعتبر ثالث أكبر منفق على الجيش في العالم، وفقاً لتقرير معهد ستوكهولم الدولي للسلام "سيبري"، ويتجاوز الإنفاق السعودي نظيره الروسي، حيث يبلغ إنفاقنا على التسلح 87 مليار دولار، متجاوزين روسيا التي بلغ إنفاقها العسكري 66.4 مليار دولار فقط.

ويبقى الإنفاق العسكري السعودي هو الثاني عالميًا كحصة من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 13.7%، وهي نسبة هائلة، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن النسبة العالمية للإنفاق العسكري لا تتجاوز 2.1%، ولا تكسر النسبة السعودية سوى سلطنة عمان، التي تنفق 14% على التسلح، علمًا بأن موازنتها تبلع بالكاد 1/10 من الموازنة السعودية.

المملكة الآن أمام تحدي ضخم، وهو إعادة البلد إلى المسار الصحيح، فالعجلة المربعة أو المكعبة لا تدور..