السلطة » خلافات سياسية

القدس لم تعد من أولويات السعودية والإمارات

في 2017/12/19

نبيل الناصري - ميدل إيست آي-

طرحت القمة الاستثنائية لـ«منظمة التعاون الإسلامي» -التي عقدت يوم الأربعاء الماضي في إسطنبول- سؤالا مهما: كيف يمكن لعالم مسلم منقسم أن يخرج برد فعل على قرار الولايات المتحدة بشأن القدس؟

ويعد مصير القدس مصدر قلق كبير للعالم الإسلامي، وفي عام 1969، أدت محاولة الحرق الإجرامي للمسجد الأقصى -من قبل متطرف يهودي أسترالي- إلى إنشاء ما سمي آنذاك بـ«منظمة التعاون الإسلامي».

دور شرفي

وتجمع هذه المنظمة الدولية -ومقرها جدة في المملكة العربية السعودية، وتحظى بممثل دائم في الأمم المتحدة- 57 بلدا مسلما حول العالم، وإلى جانب الدفاع عن القدس، تهدف إلى تعزيز التضامن بين الدول الأعضاء.

ولفترة طويلة، كان دور المنظمة شرفيا فقط، فقد خضعت لمنافسات سياسية تقسم العالم الإسلامي، وغالبا ما وجدت نفسها تحت السيطرة السعودية، ومع ذلك، منذ حرب الخليج عام 1990، تغيرت الأمور، ويبدو أن حالة توازن القوى قد تغيرت على مدى الأعوام العشرين الماضية.

ومن المثير للدهشة أن تدعو تركيا إلى عقد القمة الاستثنائية، وأن تجرى في إسطنبول وليس في مكة المكرمة.

ولقد كان العالم الإسلامي في حالة من الاضطراب منذ قرار الإدارة الأمريكية في 6 ديسمبر/كانون الأول بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، وعلى مدار الأسبوع الماضي، تم تنظيم مظاهرات في العالم أجمع، وكانت هناك احتجاجات عديدة أمام السفارات الأمريكية.

لكن انتقادات الحكومات الإسلامية جاءت على مستوى منخفض -على أقل تقدير- من قبل الكثيرين، لذلك، كانت قمة «منظمة التعاون الإسلامي» نوعا من رد الفعل لإظهار أن (الحكومات) تهتم أيضا بالحاجة إلى حماية ثالث أقدس موقع في الإسلام.

موقفان متعارضان

وقد أصرت الدول غير المسلمة -مثل فنزويلا- على المشاركة فى القمة كمراقبين، وهو دليل إضافى على الطبيعة الخطيرة للقضية الفلسطينية، وكانت بوليفيا قد طلبت -الأسبوع الماضي- عقد اجتماع طارئ فى «مجلس الأمن الدولي» عقب قرار واشنطن.

لكن هناك في داخل العالم الإسلامي خطان متعارضان، وتتولى تركيا وإيران قيادة الخط الأول الذي يستخدم كلمات قوية ضد إدارة «ترامب»، ويحذر من قرار غير مسؤول لا يضيف سوى الوقود إلى الحريق، وتبع هذا الخط عدد قليل من الدول الإسلامية الأخرى -مثل ماليزيا والجزائر وتونس والمغرب وقطر- وقد اتخذ هذا الثنائي زمام المبادرة في الاحتجاج.

وأدلى «أردوغان» بخطابات مثيرة، بل هدد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع (إسرائيل)، كما تم اعتبار زيارة الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» الأخيرة إلى أنقرة -التي تم خلالها توقيع اتفاق عسكري مهم- جزءا من هذا السياق أيضا.

وفي الشرق الأوسط، أصبح هناك محور استراتيجي جديد يجمع بين تركيا وإيران أكثر فأكثر، وبدعم من قطر -برعاية روسيا- يبدو هذا المعسكر أكثر قوة، وبالعودة إلى الأزمة السورية التي انقسمت بشكل عميق في المنطقة، يبدو أن هذا المعسكر قد يضع القضية الفلسطينية في مقدمة أولوياته هذه الأيام.

ويمثل المعسكر الآخر المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، وهذا الثلاثي هو الذي فرض الحصار على قطر في يونيو/حزيران، كما أقامت الدول الثلاث أقوى العلاقات مع (إسرائيل) خلال الأشهر القليلة الماضية.

وبدون أي تعقيدات، فرض مؤيدو هذا الخط جدار صمت على أولئك الذين حاولوا انتقاد سياساتهم، من خلال الاعتقالات المتكررة لكل من يعارضون خطهم (أميرا أو وزيرا أو عالما)، كما يطالبون علنا ​​بإنشاء تحالف جديد مع تل أبيب.

التوسع الإيراني

ووفقا لهذه الدول، فإن «التوسع الإيراني» هو أكبر تهديد للاستقرار في الشرق الأوسط، وفي هذا السياق، لا يمكن اعتبار القضية الفلسطينية من الأولويات، والأمر متروك للدول العربية للتحالف مع إدارة ترامب وحكومة «نتنياهو» لمواجهة عدو مشترك.

وقد صرح الروائي السعودي «تركي الحمد»، وهو شخصية مهيمنة في المشهد الأدبي السعودي، ورجل يستمع إليه كبار قادة المملكة، بأن «فلسطين لم تعد القضية العربية الأولى بعد أن باعها شعبها!».

ويمكن أن تضاف البحرين، التي هي بحكم الواقع دولة تابعة للسعودية، إلى هذا المحور، ويبدو أنهم قلقون بشكل خاص من قمة إسطنبول، ويتجلى ذلك من خلال التمثيل منخفض المستوى الذي أرسلوه إلى اسطنبول.

وفي الوقت الذي أرسلت فيه القاهرة وأبوظبي وزيري خارجيتهما، أرسلت الرياض فقط وزير الشؤون الدينية.

ولما كانت مسألة القدس تسيطر على المناقشات الدولية، فإنها لا تزال القضية الوحيدة التي جمعت -تاريخيا- بين العالم العربي والإسلامي المنقسم، وليس هناك شك في أن الموقف الذي تقوده السعودية بشأن التوسع الإيراني قد يؤدي إلى تفاقم عجز الشرعية في هذه الأنظمة الثلاثة في العالم الإسلامي.

ومع انتقاد العديد من المراقبين لهذا المعسكر بوصفه «الصهاينة العرب»، فليس هناك احتمال كبير بأن يعمل هذا المعسكر لصالح الفلسطينيين.

والأسوأ من ذلك، أن بعض التسريبات في الصحافة الإسرائيلية والأمريكية كشفت أن قرار «ترامب» بشأن القدس لم يكن ليخرج إلى النور بدون دعم بعض الدول العربية مثل مصر والسعودية.