الخليج أونلاين-
بدأت دولة الإمارات تتصدر مشهد الخلافات مع بلدان أخرى في المنطقة التي تموج بمشاكل عديدة، أهمها وأكثرها خطراً سعي الولايات المتحدة لمساعدة الكيان الإسرائيلي في احتلال القدس بالكامل وجعل المدينة المقدسة عاصمة له.
وفي حين كان موضوع القدس الاهتمام الأول للكثير من بلدان المنطقة، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 6 ديسمبر 2017، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتعهُّده بنقل سفارة بلاده إلى القدس، والذي كان سبباً في اتفاق دولي واسع لرفض الخطوة الأمريكية، بدت الإمارات كأنها تشتت النظر عن هذه القضية بافتعال أزمات هنا وهناك.
وكانت الإمارات ظهرت في تصريحات ومواقف بدور عدائي تجاه بلدان وشعوب أخرى، وهو ما أثار حفيظة شعوب عديدة، فضلاً عن حكومات بلدان وجدت نفسها مضطرة إلى الرد بتصريحات قوية، رافضةً تلك التصريحات.
وزارة الخارجية التركية استدعت في 21 ديسمبر 2017، القائمة بالأعمال الإماراتية في أنقرة؛ خولة علي الشامسي، وأبلغتها احتجاجها على موقف وزير الخارجية الإماراتي، الذي تبنَّى فيه تغريدةً تتهم قائداً عثمانياً بعمليات سرقة وخطف في المدينة المنورة قبل نحو 100 عام.
وكان وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، أعاد في 16 ديسمبر 2017، نشر تغريدة مسيئة إلى أردوغان، وادّعت التغريدة ارتكاب فخر الدين باشا (القائد العسكري التركي الذي دافع عن المدينة المنورة في أثناء الحرب العالمية الأولى) جرائم ضد السكان المحليين.
التغريدة التي نشرها الوزير عبد الله بن زايد، أثارت غضب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي ردَّ بالقول: "حين كان جدُّنا فخر الدين باشا يدافع عن المدينة المنورة، أين كان جدك أنت أيها البائس الذي يقذفنا بالبهتان؟!".
وتعرضت الإمارات لانتقاد شديد، ليس فقط من قِبل الأتراك؛ بل من قِبل العديد من الشعوب العربية، التي ترى أن القائد العثماني كان يقاتل لمنع دخول الاحتلال الإنجليزي إلى المدينة المنورة، في حين ما زالت الآثار الإسلامية والنبوية التي أحضرها موجودة في واحد من أكبر المعارض الإسلامية بالعالم، وسط مدينة إسطنبول، مشيدين بحفاظ تركيا على التراث الإسلامي.
- خلاف مع تونس
في تونس، الغضب الحكومي والشعبي تجاه الإمارات لا يقل اليوم عن نظيره في تركيا.
وسبب ذلك، منْع شركة "طيران الإمارات" في 22 ديسمبر 2017، التونسيات مهما كانت أعمارهن باستثناء المقيمات، أو حاملات جوازات السفر الدبلوماسية، من السفر على رحلاتها، حتى في حالة عبور "ترانزيت".
وأثار القرار جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في تونس، ونددت أحزاب سياسية ومنظمات غير حكومية بهذا الإجراء "التمييزي"، مطالبين السلطات التونسية بـ"الحزم" في مواجهته، في حين ردَّت السلطات التونسية على هذا القرار بتعليق رحلات شركة "طيران الإمارات" إلى البلاد.
وجاء الرد الأبرز عن طريق رئاسة الجمهورية التونسية، التي قالت إن الرئيس الباجي قائد السبسي وجَّه باستمرار تعليق رحلات شركة "طيران الإمارات" إلى البلاد، لحين تراجُع أبوظبي عن إجراءات منع سفر التونسيات، طبقاً للقوانين والمعاهدات الدولية.
وذكرت رئاسة الجمهورية التونسية في بيان لها، أن الرئيس السبسي شدد خلال لقائه بوزير الشؤون الخارجية، خميس الجهيناوي، "على ضرورة صون كرامة كل المواطنين"، مؤكداً "حرصه على عدم المس بحقوق المرأة التونسية مهما كانت الدواعي والمبررات".
وأضاف البيان أن "قرار تعليق رحلات شركة الخطوط الإماراتية إلى تونس سيظل قائماً إلى حين مراجعة إجراءات سفر التونسيات، طبقاً للقوانين والمعاهدات الدولية الجاري بها العمل".
- محاربة السوريين
الأسوأ بين المواقف التي تتبناها الإمارات، يظهر مع أعداد كبيرة من السوريين الذين يعملون داخل هذا البلد الخليجي بشكل رسمي، ومطالبتهم بمغادرة البلاد فوراً، ما يجعلهم في حيرة من أمرهم، خاصة أن غالبيتهم معارضون للنظام في بلادهم.
إذ ومنذ أكتوبر 2017، بدأت السلطات الإماراتية بترحيل فوري لعائلات سورية، هربت من سلطة نظام بشار الأسد.
وبحسب شهادات لبعض أفراد هذه الأسر، نقلتها صحيفة "القدس العربي"، فقد جرى استدعاء هذه العائلات إلى جهة أمنية، يُعتقد أنها أمن الدولة الإماراتي، لتخضعهم لتحقيق مرهق يستمر ساعات، يجري بعده تسليمهم أوامر بالطرد مهما كانت نتيجة التحقيق.
ويركز التحقيق على صلة رب الأسرة بالثورة السورية وتأييده إياها، وفيما إذا حوّل مبالغ مالية لأقرباء له في سوريا، وكذلك وُجهت للبعض تهمة تصدير بضائع إلى قطر.
وتشير مصادر صحفية إلى أن الإبعاد شمل -وما زال- مستثمرين وأصحاب رؤوس أموال سوريين، يُطلب منهم مغادرة البلاد خلال مدة قصيرة جداً، من دون السماح لهم حتى بإخراج أموالهم أو تصفية شركاتهم.
ويترافق قرار الإبعاد في الغالب بإيقاف كل الحسابات المصرفية للمبعَدين ومصادرة كل ممتلكاتهم واستثماراتهم.
- التدخل في ليبيا
منذ إطاحة ثورة 17 فبراير بنظام العقيد الراحل معمر القذافي والإمارات تسعى جاهدةً لإجهاض الثورة وإقصاء الإسلاميين، من خلال دعمها قوى الثورة المضادة بالسلاح.
وتسبَّب التدخُّل الإماراتي -وفق مراقبين ومحللين- في فوضى عارمة داخل البلاد وانقسام سياسي داخل مؤسسات الدولة وتمزيق النسيج الاجتماعي وتدهور الاقتصاد.
وكشف التقرير السنوي للجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا الذي صدر في يونيو 2017، عن خرق دولة الإمارات، وبصورة متكررة، نظام العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، من خلال تجاوُز حظر التسليح المفروض عليها.
وأشارت في تقريرها، إلى أن الإمارات قدمت الدعم العسكري لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على أنها شحنات مواد غير قاتلة.
وأدى الدعم الإماراتي، وفق تقرير اللجنة، إلى زيادة قدرات قوات حفتر الجوية.
واعتبرت اللجنة أن المساعدات الإماراتية قد أدت إلى تزايد أعداد الضحايا في النزاع الدائر بليبيا.
وبسبب هذا النزاع -الذي تدعمه الإمارات- ما زال الأمن غير مستقر في ليبيا، والخلاف السياسي متَّقداً بين الليبيين، ما جعل نزيف الدماء الليبية مستمراً.
- موطئ قدم في اليمن
عقب سنتين من إطلاق "عاصفة الحزم"، التي تقودها السعودية في اليمن وتشترك فيها الإمارات، بات من الواضح أن أبوظبي تستغل الأوضاع التي يعيشها اليمن لتحقيق المزيد من التوسع ميدانياً، وهو ما كشفته تقارير دولية.
جزيرة ميون وميناء المخا وقرية "ذو باب"، نماذج لتوسُّع الإمارات، التي أصبحت تفرض سيطرتها من خلال إقامة قاعدة عسكرية في جزيرة ميون من دون علم الحكومة؛ لتسيطر على الجزيرة بالكامل.
ونشر الصحفي البريطاني المتخصص بقضايا الشرق الأوسط جيريمي بيني، في وقت سابق، صوراً وخرائط توضح الإنشاءات التي تجريها القوات الإماراتية في جزيرة ميون، وما يُعتقد أنه مدرج طائرات جديد يتم إنشاؤه، متوقعاً أن تنتهي الإمارات من إكمال بناء المدرج وإنشاءات أخرى مع نهاية هذا العام.
وحوّل الإماراتيون بلدة "ذو باب"، القريبة من باب المندب، إلى قاعدة عسكرية يتحكَّمون فيها بالكامل، وهجَّروا جميع سكان البلدة، البالغين نحو عشرة آلاف مواطن، ونقلوهم إلى خيام بمنطقة صحراوية وفي ظروف قاسية، وحوّلوا مساكنهم إلى ثكنات عسكرية.
وحوّلوا أيضاً ميناء المخا إلى قاعدة عسكرية لهم، ووضعوا فيها نحو أربعمئة من قواتهم ومنعوا اليمنيين من الاقتراب منها، وأصبح الميناء حكراً لهم، تصل إليه سفنهم الحربية وإمداداتهم العسكرية.
ونتيجة لهذا الوضع، تمنع القوات الإماراتية صيد الأسماك -الذي يعتبر مصدر رزق معظم السكان- على طول الشريط الساحلي من باب المندب وحتى ميناء المخا.
وفي جزيرة سقطرى التي تعتبر من أهم وأجمل وأغنى الجزر بالعالم، يؤكد يمنيون من سكان الجزيرة، سيطرة الإمارات على الجزيرة، ونهبها ثرواتها الطبيعية.
ونشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تُظهر كميات كبيرة من أحجار الشعاب المرجانية الخاصة المصنفة ضمن التراث الإنساني العالمي، جُهزت لتُنقل إلى الإمارات.
ووفقاً لمصادر محلية، فإن أبوظبي التي أصبحت تشرف على الميناء والمطار في الجزيرة، شيَّدت أبراجاً للاتصالات بشكل سري بالمنطقة.
وسقطرى التي أصبحت محافظة أرخبيل سقطرى في 2013، تعد تراثاً إنسانياً عالمياً، وتحتل موقعاً استراتيجياً مهماً.
- غضب الشعوب
تشير الحوادث التاريخية إلى أن العلاقات بين حكومات البلدان تمر بفترات عصيبة تصل إلى القطيعة، ثم تعود بحسب متطلبات المنفعة في حسابات السياسة، لكن ما لا يمكن تغييره هو غضب الشعوب وحقدها على الحكومات، وإن كانت حكومات بلدان أخرى.
ولعل الأزمة الخليجية التي أدت إلى حصار قطر من قِبل الإمارات والسعودية والبحرين، خير شاهد على عمق ما تخلّفه الأزمات على الشعوب، حيث تؤكد منظمات حقوق الإنسان الدولية أن مئات العائلات الخليجية قد تعرضت لانتهاكات وتفرقت بحكم قرارات دول الحصار التي تعاقب مواطنيها الزائرين للدوحة، تاركين خلفهم أواصر قرابة أسرية.