السلطة » خلافات سياسية

"احتجاز الحلفاء".. طريقة أبوظبي والرياض للتدخل بشؤون الدول

في 2018/01/16

الخليج أونلاين-

أصبحت سياسة احتجاز شخصيات سياسية من دول أخرى أداة سهلة تلجأ لها السلطات السعودية والإماراتية لتحقيق أهدافهما السياسية بعد حصار قطر، بغضّ النظر عما يمثّله هذا الاحتجاز من انتهاك للقانون الدولي وإساءة لسمعة البلدين.

ويبدو أن فشل البلدين في تحقيق أهدافهما في دولة قطر من خلال الحصار دفعهما للبحث عن طرق أخرى لا دبلوماسية بالأساس لابتزاز الدوحة وغيرها من الدول التي يسعون للتدخّل في شؤونها، أو لتحقيق أغراض يعلمون جيداً أنها لن تتحقّق إلا بالطرق الملتوية.

وخلال الشهور الأربعة الماضية، تكرّرت هذه المسألة؛ التي بدأت باحتجاز الرياض لرئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، في نوفمبر الماضي، بعد إجباره على إعلان استقالته من منصبه من الرياض، وهي الاستقالة التي تراجع عنها فور عودته لبيروت بوساطة من الرئيس الفرنسي.

وأواخر الشهر نفسه، احتجزت سلطات أبوظبي رئيس وزراء مصر الأسبق، الفريق أحمد شفيق، بعد إعلانه الترشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي، حليف الإمارات، قبل أن ترحّله إلى القاهرة.

والأحد 14 يناير 2018، كرّرت الإمارات الأمر نفسه مع الشيخ القطري عبد الله بن علي آل ثاني، والذي نشر مقطع فيديو قال فيه إن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، يحتجزه، وحمّله مسؤولية سلامته.

هذه الحوادث المتلاحقة تشير إلى أن الرياض وأبوظبي قرّرتا تنحية السياسة جانباً والتعامل مع دول المنطقة بمنطق ما يصفه بعض المحللين بـ "البلطجة" و"ليّ الذراع"، في تجاهل للدبلوماسية وحقوق الدول.

- سلوك عصابات

ويمكن فهم هذه الطريقة اللا دبلوماسية في سلوك العاصمتين الخليجيتين اللتين باتتا ملاذاً للهاربين ومقرّاً لترتيب الانقلابات في المنطقة، فضلاً عن أنهما باتتا تنشران الفوضى وتزعزعان الاستقرار في عدد من الدول، من خلال دعم الخلافات السياسية وتغذية الحلول العسكرية، بحسب المواقف العملية والتصريحات الصادرة عن المسؤولين في البلدين.

وتتجلّى قناعة البلدين بالأسلوب اللا دبلوماسي، في مصر واليمن وليبيا وتونس ولبنان، وكلها بلدان ما تزال تعاني تدخّلات أبوظبي والرياض في شؤونها السياسية، ودعم الانقلابات فيها، ما نجح منها وما لم ينجح.

كما أن ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، ونظيره السعودي محمد بن سلمان، ينتهجان الطريقة ذاتها في تعاملهما مع الشأن الداخلي في بلديهما، حتى باتت حقوق الإنسان في أبوظبي والرياض محطّ انتقادات عالمية لا تتوقف.

- احتجاز "الحلفاء"

ثمة ملاحظة أخرى في الاحتجازات الثلاثة التي قامت بها أبوظبي والرياض؛ وهي أن المحتجزين الثلاثة كانوا في الأصل حلفاء لهاتين العاصمتين، فرئيس وزراء لبنان، سعد الحريري، معروف بعلاقاته السياسية والاقتصادية القوية مع السعودية، فضلاً عن أنه يحمل جنسيتها.

أما المرشّح السابق لرئاسة مصر، أحمد شفيق، فهو حليف قوي للإمارات، وقد اختارها ملاذاً له بعد خسارته في انتخابات 2012، بعدما بدأ القضاء المصري ينظر في اتهامات بالفساد وُجّهت له. وقد تحدّثت تقارير صحفية غربية عن أن شفيق شارك في هندسة الانقلاب على الرئيس المعزول، محمد مرسي، خلال فترة إقامته في أبوظبي.

وأخيراً الشيخ القطري عبد الله بن علي، فقد حاولت دول الحصار استمالته واستقبلته ورفعت من شأنه في تصريحات المسؤولين فيها، وقد حاول إعلام السعودية والإمارات الترويج له كبديل لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قبل أن يحسم القطريون المسألة بالالتفاف حول قيادتهم.

وحتى اللحظة لا تُعرف أسباب هذا الاحتجاز الغريب للشيخ القطري، كما أنه من غير المعروف أيضاً إلى أي حدٍّ سيصل أمره، وهل سيطلق محمد بن زايد سراحه بعد حملة الانتقادات الكبيرة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي فور إعلان الرجل أنه محتجز بمعرفة ولي عهد أبوظبي، أم إن الأمر بحاجة لتدخّل خارجي؟ رغم ورود مزاعم من أبوظبي أنه غادر، دون تحديد الوجهة.

عندما احتجزت الرياض سعد الحريري، قام الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالسفر إلى هناك بعد زيارة لأبوظبي، ولم يستغرق الأمر سوى ساعات، خرج بعدها وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، معلناً أن الحريري سيغادر إلى باريس خلال أيام، وهو ما حدث بالفعل.

في أزمة أحمد شفيق، أيضاً، بدا الأمر وكأن تدخّلاً مصرياً كبيراً أدّى لترحيل الرجل إلى القاهرة، حتى وإن اعتمد هذا التدخّل على "الودّ" وليس على "الضغط"، كما حدث في حالة الحريري، الذي يحمل جنسية فرنسا.

والآن يبرز التساؤل عن هذا التدخّل المطلوب لإطلاق سراح الشيخ القطري، الذي عادى الدوحة من أجل الرياض وأبوظبي، وإن كانت الأمور تصبّ في خانة أن الإمارات تسعى من وراء احتجاز الرجل إلى مقايضة ما، وهو ما يضعها تحت طائلة القانون.

الناشط الحقوقي سامي أحمد، قال إن اعتقال أي شخص بدون سند قانوني أو اتهامات موثّقة يمثّل خرقاً للقانون، ويوجب مساءلة المتورّطين فيه، لافتاً إلى أن دولة قطر، كأي دولة، من حقها الدفاع عن سلامة حرية مواطنيها بطرق كثيرة؛ منها السياسية ومنها الأمنية.

وفي حديث لـ "الخليج أونلاين"، أكد أحمد، وهو أيضاً عضو حزب العمال اليساري في بلجيكا، أن قطر، وفي حال عدم إطلاق سراحها مواطنها المحتجز، فستطلب انعقاد جلسة بالأمم المتحدة لعرض الخروقات التي اقترفتها دولة الإمارات بحقها، وبناء على قرار المقرر الخاص للشكوى فإنه من الممكن أن تصدر المنظمة قراراً ضد حكومة أبوظبي.

ولفت أحمد إلى أن من حقّ قطر أيضاً أن تطلب انعقاد جلسة طارئة بمجلس الأمن لمناقشة هذا التعدّي، لكنه استبعد عقد هذه الجلسة بسرعة؛ بالنظر لرئاسة مصر للدورة الحالية لمجلس الأمن.

وتابع: "إذا لم تتخذ الدوحة خطوات حاسمة ضد التجاوزات الإماراتية فإن الأيام المقبلة ستشهد المزيد من التجاوزات بحقها؛ لأن الهدف الأساسي لأبوظبي هو جرّ قطر، والمنطقة برمّتها، إلى مزيد من عدم الاستقرار، حتى يمكن تهيئة الأجواء لمشروعات سياسية كبرى، على رأسها ما يعرف بـ "صفقة القرن"، الخاصة بالقضية الفلسطينية.

 

 

- صراع بين مشروعين

ومع ذلك، يرى الناشط الحقوقي أن تبعات هذا السلوك الذي تتخذه الإمارات والسعودية تجاه بعض الشخصيات ربما لن تترتّب عليه تداعيات مؤثّرة تجعلهم يتراجعون عن هذه الممارسات، مضيفاً: "ما تقوم به هذه الأنظمة هو جزء من صراع كبير بين مشروعين في المنطقة؛ أحدهما رأسمالي يجعل من الأنظمة الحاكمة مجرد عصابات تبحث عن المال، والثاني تحرّري ديمقراطي يضع كرامة الشعوب وحريتها هدفاً له".

ومن ثم، يضيف أحمد، فإن ما تتعرّض له قطر حالياً هو محاولة للضغط عليها لثنيها عن دعم المشروعات التحرّرية بالمنطقة، وهو يؤكد أن المنطقة كلها باتت في قبضة أجهزة الأمن والمخابرات وأصحاب رؤوس الأموال، وليست في يد الساسة، وفق قوله.

وخلص الناشط الحقوقي والسياسي الغربي إلى أن صمت الشعوب العربية وشعورها بالعجز أمام "سلوك العصابات" الذي تمارسه حكومات المنطقة، يجعل الحدّ من مثل هذه التجاوزات أمراً صعباً، خاصة أن هناك قوى كبرى تدعم هذه التجاوزات أو تتغاضى عنها.

- قطر تراقب

من جهتها قالت دولة قطر إنها تراقب الموقف "عن كثب" مسألة الفيديو الذي تداولته بعض وسائل الإعلام، والذي يظهر فيه الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، متحدثاً عن احتجازه في دولة الإمارات.

وقالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية القطرية، لولوة الخاطر، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية (قنا): "إن دولة قطر تراقب الموقف، ولكن ونتيجة لانقطاع وسائل الاتصال كافة مع دولة الإمارات، فإنه من الصعب الجزم بخلفيات ما يحدث وتفاصيله".

وتابعت: "دولة قطر من حيث المبدأ تقف مع حفظ الحقوق القانونية لأي فرد، ومن حقّ أسرته اللجوء لجميع السبل القانونية لحفظ حقوقه".

ولفتت المتحدثة إلى تجاوزات سابقة بقولها: "لقد رأينا في الماضي سلوكاً مشابهاً من بعض دول الحصار، تتعدّى فيه كل القوانين والأعراف مع مواطني ومسؤولي دول أخرى دون وجود رؤية واضحة".