السلطة » خلافات سياسية

استبداد «بن سلمان» وغروره يعطلان جهوده لإصلاح الاقتصاد السعودي

في 2018/01/25

نيويورك تايمز-

يعد هدف ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» - المتمثل في الاستعاضة عن الدولة الإقطاعية الفاسدة في المملكة العربية السعودية باقتصاد السوق الحر منفتح على الغرب - أمر محرج، إلا إذا توقف عن التصرف كقائد مستبد، وامتثل لقواعد العمل كقائد إصلاحي.

وعندما أعلن الأمير «بن سلمان» عن خطة التحول الوطنية الطموحة عام 2016، وعد بخصخصة أصول الدولة، وخلق 1.2 مليون وظيفة في القطاع الخاص، وخفض البطالة إلى 9% بحلول عام 2020. وكان يعد بحل سحري تطلعت إليه المملكة منذ وقت طويل، ألا وهو فطام المملكة عن إدمانها على النفط.

وأحرز «بن سلمان» تقدما وخفف من العقبات التي تحول دون مشاركة المرأة في قوة العمل، وخفض الدعم عن المرافق، ورفع الضرائب غير المباشرة. وفي الأول من يناير/كانون الثاني، رفع أسعار الوقود بنسبة 80%، وفرض ضريبة مبيعات جديدة بنسبة 5%.

ولكن تواصله مع القطاع الخاص - الذي تعتمد عليه خطته - عرقله الافتقار إلى القدرات والخبرة المؤسسية، وبسبب تصرفاته الغاضبة بصورة متزايدة. ويتسبب سلوكه القمعي في تخويف المصادر التي ينبغي أن يحاول جذبها.

وبدلا من اتخاذ تدابير تقشفية، يبدو أنه يتورط في مشاريع مغرورة وأكثر من طموحة، وذلك لتجميل سجله الشخصي.

ومن المفترض أن يكون صندوق الاستثمار العام هو صندوق الثروة السيادية في المملكة، ولكن الأمير - الذي يرأس مجلس إدارته - يديره كمشروعه الخاص.

وفي أبريل/نيسان، اقتطع للصندوق 129 ميلا مربعا من أراضي الدولة لصالح إنشاء مدينة رياضية وترفيهية. وفي أغسطس/آب، أعلن عن خطط لإقامة منتجع سياحي أكبر من بلجيكا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، كشف «بن سلمان» النقاب عن مدينة «نيوم»، وهي مدينة تديرها الروبوتات تبلغ قيمتها 500 مليار دولار، في مؤتمر دولي. ومرة أخرى، قاد صندوق الاستثمار العام الطريق.

وقليل - إن وجدوا - من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين من يميل إلى استثمار ثرواته في هذه المشاريع. وقد تعلم الكثيرون من التجربة المريرة. وكان العاهل السعودي السابق الملك «عبدالله» قد سبق وأن خطط لـ 6 مدن اقتصادية، منها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية على البحر الأحمر. ولكن على الرغم من أن تكلفة المشروع - البالغة 27 مليار دولار - كانت تساوي بالكاد 5% من تكلفة نيوم، فإنها كان من المتوقع أن تكون جاهزة فقط في عام 2035.

غير أن الأمير لجأ إلى الاعتقالات، ومصادرة الأصول، والحصول على الأموال من خلال التسويات. وفي هذه العملية، حول المملكة إلى دولة الرجل الواحد. وبعيدا عن تنويع الثروة والسلطة، فإنه يسعى إلى تركيزها في يديه. وتم نقل عشرات الأمراء - الذين اعتقلوا في نوفمبر/تشرين الثاني - من مكان احتجازهم في فندق «ريتز كارلتون» في الرياض إلى سجن «حائر» المشدد. وتم نقل 11 أميرا إضافيا في هذا الشهر، مما أثار التوقعات في أن حملة الاعتقالات في نوفمبر/تشرين الثاني كانت لمرة واحدة.

ولا يزال «بن سلمان» يأمل في جمع نحو 100 مليار دولار من حملة التطهير. غير أن هذا المبلغ لن يغطي سوى عجز ميزانيته في عام 2015، أو يساوي المبلغ الذي يأمل أن يحصل عليه من بيع 5% من شركة النفط السعودية أرامكو.

حالة من الفوضى

وتتعرض خططه لتحويل القطاع الخاص إلى محرك دافع لاقتصاد ما بعد النفط في المملكة إلى حالة من الفوضى.

ووفقا لصندوق النقد الدولي، انخفض الاقتصاد السعودي إلى ركود أكثر حدة مما كان متوقعا في الربع الأخير. وانخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.7% في عام 2017، وهو ما يمثل انخفاضا كبيرا في توقعات النمو قبل التطهير بنسبة 0.1%، إضافةً إلى القلق من النمو السكاني بنسبة 2%.

وانخفض ترتيب المملكة في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال التجارية للبنك الدولي من المرتبة 26 في عام 2014 إلى 92 في عام 2017. ولا تزال البطالة في ازدياد، ويرجع ذلك جزئيا إلى تدفق النساء إلى سوق العمل. وعلى مدى عقود، ضمنت المملكة التوظيف العام لمواطنيها. لكن لم يعد ذلك متاحا لفترة أطول. وكل عام، ينضم مئات الآلاف من الشباب إلى طابور انتظار الوظائف الحكومية. ولا يعد القطاع الخاص متطور جدا لتجاوز الركود وحده. وتزداد الأسعار بسبب خفض الدعم وفرض الضرائب الجديدة. ويتوقع الاقتصاديون أن يتزايد عدد السعوديين الذين يعيشون في فقر، الذين يبلغون الآن ​​نحو 20%.

وخوفا من اندلاع احتجاجات على النمط الإيراني بسبب المشاكل الاقتصادية، قام الأمير بتأجيل مؤشرات الأداء الرئيسية في برنامج التحول حتى عام 2023، بما في ذلك تحقيق التوازن في الميزانية.

وتم عكس التخفيضات في الامتيازات والبدلات لموظفي الدولة بعد أشهر تقريبا. ودفع تفشي الضرائب الجديدة وزيادة أسعار الوقود إلى تسريع دفع مبلغ إضافي قدره 13 مليار دولار أو أكثر في صورة مبالغ دعم نقدية، خاصة للطلاب والجنود.

كما أن الخوف من عدم اليقين قد يضعف آمال «بن سلمان» في الحصول على التمويل. وهبط رأس المال - الذي بلغ متوسطه 8 مليارات دولار في الشهر عند بدء حملة التطهير - منذ ذلك الحين، على ما يبدو بسبب القلق من تحركات الأمير. لكن الاهتمام الأجنبي بالشراء في أرامكو ربما يكون قد تأثر بسمعة رئيسها ولي العهد.

ويتزايد عدد المطلعين السعوديين الذين يتكلمون حول إدراج شركة النفط الحكومية في «تداول» - بورصة الرياض - وليس في لندن أو نيويورك، أو حول منح المساهمين السعوديين إمكانية الوصول. ويتم التحدث أيضا حول البيع المباشر لشركات النفط الصينية المملوكة للدولة.

ولإحياء ثقة المستثمرين، ينبغي أن ينظر «بن سلمان» في تقديم عدة ضمانات. وينبغي أن يحل محل الشيكات والموازنات العائلية الإجراءات القانونية وسيادة القانون، التي تطبق على العائلة المالكة والعامة على حد سواء. وكان يجب أن تكون «لجنة مكافحة الفساد» - التي كشف عنها عشية حمل التطهير - هيئة تنظيمية، تحافظ على المعايير الدولية لحوكمة الشركات، وليس غرفة تحقيق شخصية تعتمد على القواعد الشخصية.

ويتطلع المستثمرون إلى جو من الاستقرار والثقة، الذي يأتي مع قواعد تنظيمية سليمة. وتلك الثلاثة هي ما أوجدت دبي. وإذا نفذ بشكل صحيح، فإن مثل هذا النظام يرضي المصرفيين الذين قد يرحبون بفرصة لاسترداد الديون أو الأراضي من الأمراء الذين يتصرفون في البلاد كملكية خاصة لهم.

كما يحتاج النظام إلى أن يكون أكثر شفافية، وأن تكون تحقيقاته على أساس سليم. وبعد كل شيء، على مدى العقود الثلاثة الماضية، ترأس والده - الملك «سلمان» - مجلس الأسرة، وجمع أدلة وافرة على جرائم أقاربه. وكما حذر المؤرخ العربي الكبير «ابن خلدون»، إذا لم تنصلح السلالات بعد 3 أجيال من الحكم، فإنها تكون معرضة لخطر الذهاب إلى الأبد.

ولا يستطيع «بن سلمان» نقل المملكة من اعتمادها على النفط وخلق اقتصاد متنوع وحده. وتفتقر الفرقة من الاستشاريين الإداريين الأجانب إلى البيروقراطية والقاعدة المحلية. وبدلا من معاداة شيوخ الأسرة - الذين لديهم عقود من الخبرة في مجال التمويل الدولي - ينبغي له أن يستفيد من خبراتهم.

ومن شأن إنشاء مجلس لوردات جديد أن يخفف من احتمال أن تولد معارضة قوية. ورهنا بأصوات شيوخه، قد يكون ولي العهد أكثر حذرا بشأن إنفاق المال، ولا سيما في مجال الدفاع والأمن، والتي تشير الوثائق إلى أنه بلغ 43% مقارنة بالميزانية في عام 2016.

وفي الوقت الراهن يقدم «بن سلمان» - لشعبه - المزيد من الحرية الشخصية وتقليص سلطات الشرطة الدينية كتعويض عن فرض الضرائب. ولكن كما ظهر مع «عبد الله» - الملك السابق - فمن شأن المزيد من الضرائب - سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة - أن تثير المطالب بتمثيل سياسي أوسع.

وينبغي الترحيب بالمزيد من المساءلة. كما يجب ضمان أن تدخل المبالغ التي حصل عليها الأمير من حملة التطهير في ميزانية البلاد، وليس في حسابه الشخصي. ومن شأن ذلك أن يجعل المملكة أكثر قابلية لتجاوز المحنة.