شبكة "بلومبيرغ" الأمريكية- ترجمة منال حميد -
كشفت شبكة "بلومبيرغ" الأمريكية عن مساعٍ قام بها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من أجل المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، مشيرة إلى أنه في الوقت نفسه يخشى أن تثير هذه الخطوة غضب حلفائه في الخليج، وتحديداً الإمارات التي تتخذ موقفاً متشدداً تجاه الجماعة.
وقالت الشبكة إنه وبعد أربع سنوات من الانقلاب العسكري الذي نفذه السيسي على جماعة الإخوان المسلمين وإعلانها منظمة إرهابية وتحوُّلها إلى خصم لدود له، فإن الرئيس المصري أجرى سلسلة من التغييرات، ترى "بلومبيرغ" أنها يمكن أن تفيد في طريقة إعادة تشكيل العلاقة بينه وبين الجماعة.
وتابعت الشبكة أن السيسي يعتمد على الجيش كداعم له، عكس الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي كان يعتمد على عدة دعائم في حكمه، منها: الجيش، والحزب الوطني الحاكم، ورجال الأعمال، والقضاء، والشرطة.
الأحزاب السياسية في مصر لم تعد فاعلة -تقول "بلومبيرغ"- وكذا الحال بالنسبة لرجال المال، في الوقت الذي تغلغل فيه الجيش بالمناحي الاقتصادية والسياسية كافة، بطريقة لم يسبق لها مثيل.
السيسي وخلال الأسابيع القليلة الماضية، أطاح بعدد من أبرز اللاعبين الأساسيين في الجيش، بينهم رئيس الأركان محمود حجازي، ورئيس جهاز المخابرات العامة خالد فوزي، دون أي تفسير علني عن أسباب هذه الإقالات.
صحيح أن مثل هذه الخطوات يمكن أن تقلل من دعم السيسي داخل المؤسسة العسكرية -تضيف الشبكة- إلا أنه لم يتخذ مثل هذه الخطوات دون أسباب مقنعة، فهو يعتقد أنها يمكن أن تشكل فائدة أكبر بالنسبة له.
وتتوقع "بلومبيرغ" أن تصبَّ هذه التغييرات في صالح "الإخوان المسلمين" كما يرى العديد من المراقبين، وهذه ليست المرة الأولى التي تستفيد فيها الجماعة، التي تأسست عام 1928، من تقلبات السياسة في مصر؛ فمنذ عهد جمال عبد الناصر إلى أنور السادات إلى حسني مبارك، كان هناك مقولة غير معلنة، أنه "كلما انقلب الجنرالات بعضهم على بعض، فإن الرؤساء يتجهون إلى الإخوان المسلمين للحصول على الدعم السياسي".
لقد احتفظت الجماعة بدورها كلاعب سياسي يبحث عن مكاسب انتخابية، بحسب الشبكة، كما أنها مثَّلت جمعية خيرية كبيرة قادرة على الترويج لأي برامج اجتماعية وثقافية ودينية.
ولم يقتصر دور الجماعة على مصر التي تأسست فيها، وإنما تحولت إلى لاعب مثير للجدل في تشكيل المشهد السياسي بالشرق الأوسط.
وعلى مدى سنوات، تطورت الجماعة لتشكِّل تحدياً للأنظمة الحاكمة بمصر والمنطقة، وفي بعض البلدان، مثل الأردن والمغرب وتونس والسودان، فإن جماعة الإخوان حزب سياسي معترف بها.
وباستثناء قطر، فإن العديد من الدول العربية والخليجية تحظر عمل جماعة الإخوان المسلمين وتصفها بـ"الإرهابية"، ولكن وعلى مر التاريخ فإن علاقة الجماعة بالحكومات تتسم بالتقلب.
تقول "بلومبيرغ" إن السيسي لا يختلف عن أسلافه، فهو اتخذ موقفاً مناهضاً ضد "الإخوان المسلمين"، لكنه الآن "يستكشف فرصة للمصالحة مع (الإخوان) من خلال عدة طرق".
فبحسب مصادر تابعة لجماعة الإخوان، تَواصل مسؤولون بالمخابرات الحربية مع شخصيات إخوانية في السجن؛ للاتفاق على صفقة يفرَج بموجبها عن قادة بارزين في الجماعة مقابل التخلي عن العمل السياسي.
أولى بوادر تأكيد وجود مثل هذه الاتصالات، كانت إقالة رئيس جهاز المخابرات، خالد فوزي، في الثامن عشر من يونيو الماضي، فقد تولى فوزي منصبه في ديسمبر من عام 2014 بذروة الاضطرابات في مصر، وكان يُعتبر واحداً من "الصقور" في مواقفه المتشددة من جماعة الإخوان المسلمين، حيث شن حملة قمعية كبيرة على الإسلاميين عامة، وجماعة الإخوان على وجه الخصوص.
فوزي، بحسب الشبكة الأمريكية، عرقل عدة محاولات للتصالح مع الإخوان المسلمين. وبرحيله، فإن الجماعة امتلكت منْفذاً جديداً.
علامة أخرى على سعي السيسي للمصالحة مع "الإخوان"، تمثلت في اعتقال الفريق سامي عنان، رئيس هيئة أركان الجيش في عهد مبارك وأحد أعضاء المجلس العسكري الذي سلَّم السلطة لحكومة الرئيس المنتخب محمد مرسي، فبعد أن أعلن عنان ترشحه للانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في مارس المقبل، منافساً للسيسي، اعتُقل من قِبل السلطات المصرية.
عنان يرتبط بعلاقة جيدة وطويلة مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث وعد الجماعة بإعادة فتح ملف الإدانات ضد الجماعة، معتبراً أنها في غالبها مسيَّسة، وذلك على أمل أن يحظى بدعمهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
الاتفاق غير المعلن بين عنان والإخوان -بحسب "بلومبيرغ"- أشعر السيسي بالخطر، ومن هنا فإنه عاقدٌ العزم على أن تكون المصالحة من خلاله ومعه، الأمر الذي يمكن أن يصبَّ في مصلحته وليس في مصلحة عنان.
مضيُّ السيسي قدماً في موضوع المصالحة مع "الإخوان المسلمين"، يمكن أن يثير قلق حلفائه بالإمارات والسعودية، اللتين تنظران إلى الجماعة على أنها جماعة إرهابية، كما أن ذلك قد يتسبب في تعقيدات أكثر للعلاقة المتشابكة بين السيسي وهذه الدول الخليجية، رغم أن دولة مثل السعودية عقدت سلسلة نقاشات مع حزب الإصلاح اليمني المنتمي إلى الجماعة نفسها.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه؛ وهو: كيف ستواصل الإمارات والسعودية تصنيفهما جماعة الإخوان المسلمين على أنها جماعة "إرهابية"، إذا حدثت مصالحة بين الجماعة والرئيس السيسي في مصر؟ تتساءل "بلومبيرغ".