السلطة » خلافات سياسية

حتمية القفز الخليجي من المركب السعودي الغارق

في 2018/02/21

أحمد شوقي- خاص راصد الخليج-

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هو: أي مستقبل ينتظر الاقتصاد الخليجي؟

هناك ازمات تلوح في الأفق عبرت عنها الوكالات الاقتصادية والخبراء العالميون، وتتعلق بمستقبل الاقتصاد الخليجي وفي مقدمته السعودي، حيث تسلم دول الخليج أمرها لقيادة سعودية غير رشيدة ستتسبب في ازمات كبرى ان لم يتم تدارك ذلك الأمر.

في احدث تقاريرها، قالت "بلومبرغ" الأمريكية: "على مدى عقود، كانت السعودية، الصوت الأكثر اعتدالا داخل أوبك، وواجهت محاولات فنزويلا وإيران لرفع أسعار النفط، لكن يبدو أن الدور يتغير بصورة كبيرة".

ونقلت الوكالة الأمريكية عن مصادر مقربة من وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، قوله إن المملكة بحاجة لأن يستقر سعر برميل النفط إلى 70 دولارا بدلا من 60 دولارا، داعيا إلى ضرورة استمرار عملية تخفيض الإنتاج لمدة عام، حتى لو تسبب في نقص المعروض.

وأرجعت الوكالة ذلك إلى ما وصفته بتضخم مخزونات النفط، التي ترغب في أن تعود إلى طبيعتها.

وأشارت إلى أن السعودية تواجه صغوطا غير مسبوقة، مع بدء ولي العهد السعودي، برامج الإصلاحات الاقتصادية الكاسحة المعروفة باسم "رؤية 2030"، والذي يأتي على رأسها مسألة الطرح العام الأولي المحتمل لشركة النفط الرئيسية التابعة للدولة "آرامكو".

ونقلت "بلومبرغ" عن مايك ويتنر، رئيس أبحاث سوق النفط في شركة "سوسيتيه جنرال":

"هم بالتأكيد غير مهتمين بمسألة السيطرة على أسعار النفط، بل هم يفكرون في التكلفة الاجتماعية حول رؤية 2030، والاكتتاب الجزئي لآرامكو".

وهذه المقاربة طرحت من قبل في تقارير اقتصادية، من أهمها تقرير صهيوني اعده "ويل غوزانسكي" و"شموئيل حتى" في مايو الماضي، وورد به انه، وفى السنوات الاخيرة انخفض سعر برميل نفط الاوبك، وفي أعقاب الانخفاض الحاد في عائداتها، بالإضافة إلى الضغوط من مختلف منتجي النفط، اضطرت دول الخليج - وفقا للاتفاق الموقع في أواخر عام 2016 - إلى قبول التخفيضات في إنتاجها النفطي في النصف الأول من عام 2017.

وتتمثل الصعوبة الرئيسية في اقتصادات الخليج القائمة على النفط في أن الاستقرار السياسي في هذه البلدان يرتبط ارتباطا مباشرا بمستوى المعيشة المرتفع لمواطنيها، الذي تدعمه أموال النفط. إن الوضع الاقتصادي في دول الخليج قد يكون له عواقب على الأنظمة في دول الشرق الأوسط الأخرى التي تتلقى دعما اقتصاديا مباشرا أو غير مباشر من دول الخليج) في المقام الأول من خلال توظيف العمال بما في ذلك مصر الأردن.

ولا تزال دول الخليج (السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وعمان والبحرين وقطر) تواجه تقلبا كبيرا في سوق النفط العالمية.

وفي أعقاب الانخفاض الحاد في عائداتها، بالإضافة إلى الضغوط من مختلف منتجي النفط، كان على دول الخليج، التي ترأسها المملكة العربية السعودية، أهم لاعب في أوبك، أن تقبل - وفقا للاتفاق الموقع في أواخر عام 2016 - تخفيضات في نفطها في النصف الأول من عام 2017. ومن أصل 1.2 مليون برميل في حصة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) من إنتاج النفط اليومي، خصصت المملكة العربية السعودية التي يبلغ عدد سكانها 28 مليون نسمة (حوالي 30 في المائة منهم من الأجانب) 500 الف برميل يوميا، واضطرت الى قبول رفض ايران خفض انتاجها. أدى الاتفاق إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، مقارنة مع نقطة منخفضة وصلت في عام 2016، ولكن الأسعار لا تزال منخفضة نسبيا. وفي هذه المرحلة، تسعى دول الخليج إلى رفع سعر النفط إلى 60 دولارا للبرميل للمساعدة في ميزانياتها، ولكن هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن سعر النفط في المستقبل. ومن المرجح أن يستأنف انخفاض أسعار النفط في ظل ظروف انعدام الثقة بين منتجي النفط، وزيادة إنتاج البلدان غير الملتزمة بالاتفاق (برئاسة الولايات المتحدة، التي يرتفع إنتاجها)، وانخفاض الطلب العالمي على النفط عما كان متوقعا.

وقد أدى الانخفاض الحاد في عائدات النفط في السنوات الأخيرة إلى عجز كبير في الميزانية في دول الخليج. ويبلغ العجز في الميزانية السعودية لعام 2017 مبلغ 53 مليار دولار (7.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي).

وعلى مدى العامين الماضيين، وبعد انسحاب احتياطياتها من النقد الأجنبي، انخفضت احتياطيات المملكة العربية السعودية من العملات الأجنبية من 725 مليار دولار في أواخر عام 2014 إلى ما يقدر بنحو 550 مليار دولار في أواخر عام 2016، أي بنحو 175 مليار دولار. وتقوم المملكة بجمع الأموال عن طريق إصدار السندات: تم جمع 17.5 مليار دولار في أكتوبر 2016 و 9 مليارات دولار في أبريل 2017.

وقد اضطر استنفاد احتياطيات النقد الأجنبي وعدم اليقين بشأن أسعار النفط في المستقبل دول الخليج إلى ضبط النفس في السياسة الاقتصادية، بما في ذلك تبسيط إجراءات خفض التكاليف. وقد أدت التخفيضات في الدعم إلى ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والغاز والمياه. وكجزء من تدابير الاقتصاد، صدرت تعليمات إلى مختلف الوكالات الحكومية بخفض إنفاقها على مشاريع جديدة وإعادة مخصصات الميزانية غير المستخدمة إلى وزارة المالية.

وتشمل الخطط الأخرى إدخال ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المائة في كتلة دول مجلس التعاون الخليجي ابتداء من عام 2018. وستعفى الأدوية والمنتجات الغذائية الأساسية من ضريبة القيمة المضافة، ولكن هذا التدبير سيفسر بوضوح على أنه تغيير في موقف الحكومات الملكية تجاه مواطنيها الذين اعتادوا على بيئة خالية من الضرائب.

كما أن الإصلاحات الاقتصادية في دول الخليج تمتد أيضا إلى سوق العمل، التي تقوم أساسا على العمال الأجانب. في السنوات الأخيرة، طردت المملكة العربية السعودية العمال الأجانب جماعيا الذين ليس لديهم الخبرة المهنية اللازمة للتنمية الاقتصادية للدولة، وتقديم حوافز لتوظيف العمال المحليين. غير أن العديد من مواطنيها الشباب الذين يكملون الآن تعليمهم يفتقرون إلى المؤهلات المناسبة للعمل في القطاع الخاص، كما أن مطالبهم في المرتبات أعلى من مطالب العمال الأجانب. والنتيجة هي أن القطاع العام يستخدم 90 في المئة من المواطنين السعوديين، و 90 في المئة من القطاع الخاص يشغله العمال الأجانب.

كما طرح الخبير الاقتصادي، جيمس دورسي في ندوة موسعة عن مستقبل الاقتصاد الخليجي كلاما يؤكد من القلق، حيث قال أن أزمة الخليج تضع مستقبل الإصلاحات السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي موضع شك.

على دول الخليج انقاذ نفسها من هذا النمط من الاقتصاد الريعي، وعليها الا تسلم نفسها لاوامر المؤسسات النقدية العالمية وعليها، وهو الأهم/، ان لا تترك نفسها لقيادة سعودية غير رشيدة لا في الاقتصاد فحسب، وإنما وبالطبع في السياسة ايضا.