السلطة » خلافات سياسية

حصار قطر فشل لكنه سيستمر.. وهذه هي الأسباب

في 2018/02/22

جورجيو كافييرو - تي آر تي-

أخفق الحصار الذي تقوده السعودية في تحويل قطر إلى دولة خليجية تقليدية وقد خرجت وسائل الإعلام القطرية من الأزمة دون أن تتأثر، ولذا قد يكون ذلك سببا لإضفاء الطابع المؤسسي على الأزمة الراهنة.

وقد عارضت دول الجزيرة العربية منذ فترة طويلة مجموعة من الأيديولوجيات السياسية التي اكتسبت زخما في جميع أنحاء العالم العربي خلال الحرب الباردة. الماركسية، والشيوعية، البعثية، الناصرية، القطبية، والخمينية والتي كان لها بعد ثوري وكانت تعمل على إعادة هيكلة المجتمعات والحكومات، في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك داخل دول شبه الجزيرة العربية الغنية بالنفط.

وقد أطاحت القوى اليسارية والقومية المناهضة للإمبريالية بالملكية في مصر (1952) وفي العراق (1958) وفي ليبيا (1969). وفي عام 1967، تولى النظام الماركسي الأول في شبه الجزيرة العربية السلطة مع استقلال جنوب اليمن، وشن المتمردون الماركسيون المدعومون من الاتحاد السوفياتي ومن الصينيين و من كوريا الشمالية تمردا دمويا ضد سلطان عمان من عام 1965 إلى عام 1976. وفي أعقاب ذلك حصلت ثورة 1979 في إيران، وأنشأت دول شبه الجزيرة العربية الغنية بالنفط مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 كمؤسسة ذات أغراض عديدة، أهمها توفير الحماية الجماعية لدولها الأعضاء من القوى المناهضة للوضع الراهن في المنطقة.

وكانت علاقات قطر مع بعض الجهات الفاعلة التي تلتزم بالأيديولوجيات التي تعارضها عواصم دول مجلس التعاون الخليجي، السبب الجذري الرئيسي لأزمة قطر التي استمرت ثمانية أشهر، ومن خلال استضافة منشقين بارزين من دول عربية أخرى، وتوفير منابر للإخوان المسلمين من خلال منصات إعلامية لتوصيل رسائل مسيسة إلى الجمهور العربي، ودعم بعض اللاعبين المناهضين للوضع الراهن في العالم العربي مثل حماس والفصائل الإسلامية المسلحة الأخرى، أدت العلاقة مع هؤلاء الفاعلين غير الحكوميين إلى قيام نصف أعضاء مجلس التعاون الخليجي باتهام قطر بأنها دولة راعية للإرهاب.

مصلحية وليست أيديولوجية

وعلى الرغم من بعض التصورات حول دعم قطر لمختلف الفصائل الإسلامية على أساس إيديولوجي، فإن عملية الدعم تلك مصلحية وليست إيديولوجية. وتحتاج علاقات الدوحة مع جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين إلى تحليل في إطار علاقات الحكومة القطرية مع مجموعة من اللاعبين المناهضين للوضع الراهن في المنطقة، بمن فيهم غير الإسلاميين الذين استثمرتهم الدوحة من أجل تحقيق مكاسب جيوسياسية وتوسيع نفوذها على الجهات الفاعلة الجديدة في المنطقة التي رجحت أنها ستشكل مستقبل السياسة في بعض البلدان.

وبعبارة أخرى، خلال انتفاضات الربيع العربي، وحتى قبل عام 2011، رأت قطر أن علاقاتها مع أجنحة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي ستفيد وتؤمن الدوحة في الشرق الأوسط سريع التغير.

ومع أنها دولة ملكية أو أميرية في حد ذاتها، فقد تمكنت قطر من دعم جماعة الإخوان المسلمين (وهي حركة تعارض الملكية) بسبب مقوماتها الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية التي تعتبر أحد مميزات دول مجلس التعاون الخليجي.

وبوصفها عضوا في المجلس الذي يتمتع بأعلى نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي مع قلة عدد السكان الأصليين، فإن الموارد المالية القطرية، وعدد السكان المحدود، والجغرافيا، بالإضافة إلى عدم وجود معارضة حقيقية لأسرة آل ثاني في البلاد، لم تشعر الدوحة بالخوف من أن قوى خارجية قد تلهم القطريين بالثورة ضد حكامهم في الدوحة.

ومن المؤكد أن قضايا توزيع الثروة وعدم المساواة في الدخل والفقر والتهميش تشكل تهديدا للاستقرار في الدول التي تحاصر قطر، كما أن هناك تاريخ للفصائل المعارضة سواء الشيعية المدعومة من إيران أو جماعة الإخوان المسلمين في السعودية والإمارات ، والبحرين.

القوة الناعمة

ومن بين الادعاءات الرئيسية التي قدمتها الدول التي تحاصر قطر أن الدوحة قد رعت الإرهاب في المنطقة من خلال وسائلها الإعلامية، وقد أكد مجلس التعاون الخليجي ذلك في عام 2014، وظهر أيضا في المطالب الـ13 التي أصدرتها الدول المحاصرة في العام الماضي كأساس لحل الخلاف المستمر للمجلس، حيث تعتزم السعودية والإمارات والبحرين الضغط على قطر لإغلاق منصات الإعلام مثل قناة الجزيرة التي يزعمون أنها تقدم للمتشدين الإسلاميين الدعم من أجل إيصال رسائلهم إلى العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك، مع مرور أكثر من ثمانية أشهر على بدء أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، لم يرفض المسؤولون في الدوحة إغلاق القناة في العاصمة القطرية فحسب، بل دافعوا أيضا عن بث قناة الجزيرة والثقافة الإعلامية في الإمارة.

وللتعبيرعن تشابهها مع الحكومات والمجتمعات الغربية، افتخرت قطر بدورها الإعلامي وبالسياسة الخارجية النشطة باعتبارها عملا للمستقبل، وسعيا إلى مزيد من الشفافية وحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التعبير. إن حجة قطر أمام المجتمع الدولي هي أن ثقافة الدوحة المتمثلة في الحرية والشفافية جعلتها ضحية حصار ظالم.

فشل الحصار

وبغض النظر عن الحجج الأخلاقية التي قدمت نيابة عن جانبي أزمة مجلس التعاون الخليجي، فإن الواقع هو أن الدول المحاصرة قد فشلت في تحويل قطر إلى دولة خليجية أكثر تقليدية.

ومن خلال تعزيز تحالفات الدوحة الأمنية خارج دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة تركيا والولايات المتحدة، والانتقال إلى طرق تجارية بديلة لتجاوز الحصار، أثبت القطريون القدرة على تحمل ضغط دول الحصار دون استسلام لأي مطالب.

وبغض النظر عن أي تهديد محلي جوهري لسلطة آل ثاني، من المرجح أن تواصل الدوحة النظر إلى علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من اللاعبين المناهضين للوضع القائم في المنطقة كوسيلة لتوسيع نفوذ قطر في الخارج، وستبقى داعمة لهم خاصة من خلال قطاع الإعلام.

وبطبيعة الحال، فإن حكام دول مجلس التعاون الخليجي الآخرين يرون في ذلك تهديدا لشرعيتهم حيث يشعرون بالتهديد من رجال الدين والمعارضين وأعضاء المجتمع المدني والناشطين السياسيين الذين يظهرون على الشبكات القطرية، والتهديد الأيديولوجي الذي تمثله الثقافة الإعلامية في الدوحة والسياسة الخارجية المستقلة في الربيع العربي وما بعد الربيع العربي حيث سیعمل هذا السیاق علی إضفاء الطابع المؤسسي علی أزمة قطر.

وفي نهاية المطاف، فإن حقيقة أن أعضاء مجلس التعاون الخليجي المؤسسين لم يتوصلوا أبدا إلى توافق في الآراء حول ثقافة الإعلام ومقدارالاستقلال الذاتي لكل عضو وما هي القيود التي ستفرضها الدول الست على شبكاتها وصحفها تبقى عاملا رئيسيا يسهم في تقليل فاعلية المجلس.

وبالنسبة للقيادة في الدوحة، فإن الحفاظ على قناة الجزيرة وغيرها من المنصات الإعلامية التي تبث آراء شخصيات من جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من القوى المناهضة للوضع الراهن هي مسألة سيادة.

وعلى الأرجح، فإن أي مصالحة بين قطر والبلدان المحاصرة سوف تتطلب من الدوحة تقديم تنازلات على الجبهة الإعلامية ولو بشكل محدود على الأقل، كما فعلت الدوحة في عام 2014،. ومع ذلك، لا توجد مؤشرات على أن قطر على وشك القيام بذلك لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع حلفائها السابقين.