DW- عربية- خالد سلامة-
"نريد ألا يتم معاملتنا مثل كرة قدم"، هكذا علق وزير الخارجية السعودي على علاقات بلاده المتوترة منذ شهور مع ألمانيا. فما الملفات الشائكة التي تحكم العلاقة بين البلدين؟ وما المدى الذي يمكن أن تبلغه الأزمة؟ وما دور قطر فيها؟.
بعد ثلاثة أشهر من الأزمة الدبلوماسية بين برلين والرياض على خلفية تصريحات وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، لا تلوح في الأفق بوادر للتهدئة بين البلدين حسب ما يمكن استنتاجه من مقابلة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، والتي نُشرت اليوم الثلاثاء (21 شباط/فبراير 2018). فقد أوضح وزير الخارجية السعودي أنه لا يمكن توقع عودة السفير السعودي قبل تشكيل حكومة جديدة في ألمانيا. وقال الوزير: "يمكنني أن أقول لكم أننا لسنا سعداء بالتصريحات التي صدرت مؤخراً من الحكومة الألمانية... نريد ضمان أن السعودية لا يتم معاملتها مثل كرة قدم". وتذهب معظم الإشارات في اتجاه توقع ألا يستمر غابرييل في حمل حقيبة الخارجية في الحكومة العتيدة.
يذكر أن غابرييل اتهم السعودية خلال مؤتمر صحفي في 16 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي بشكل غير مباشر بانتهاج سياسة "المغامرة" في منطقة الشرق الأوسط، وذلك على خلفية ما قيل آنذاك من تورط الرياض في استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، التي تراجع عنها لاحقاً. وقال غابرييل في ذلك الحين: "إنه يتعين أن تكون هناك إشارة مشتركة من جانب أوروبا بأن روح المغامرة التي تتسع هناك منذ عدة أشهر لن تكون مقبولة ولن نسكت عنها".
للإضاءة أكثر على هذه القضية حاورت DW عربية الخبير بالشأن السعودي، الباحث الألماني سباستيان زونس:
DW عربية: ما الذي أغضب الجبير لهذا الحد وهل تتفهم نقده لبرلين؟
سباستيان زونس: على خلفية استقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، اتهم وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، بعض اللاعبين بـ"روح المغامرة"، دون ذكر السعودية بالاسم. وكان هذا هو السبب وراء سحب السفير. من حيث المبدأ، نُظر إلى تلك التصريحات وحتى داخل الحكومة الاتحادية الألمانية على أنها غير موفقة وفيها القليل من الدبلوماسية.وهذا ما يراه السعوديون أيضا.
ما آفاق العلاقات الثنائية بين البلدين في ضوء ما جرى؟
بشكل عام ترتكز العلاقات السعودية-الألمانية على شراكة اقتصادية وثيقة وتعاون آخذ بالتزايد بين أجهزة استخبارات البلدين في الحرب على الإرهاب. وهذان الجانبان في العلاقات سيستمران. وعلى أي حال يأمل ولي العهد، محمد بن سلمان، بأن تدعم ألمانيا وتتعاطف مع سياسته الإصلاحية.
في ألمانيا، تتعرض السعودية مراراً وتكراراً للنقد على المستويين السياسي والإعلامي على خلفية حملتها العسكرية في اليمن وانتهاكات حقوق الإنسان، الأمر الذي لا يقابل بالتفهم من الجانب السعودي.
من حيث المبدأ، السياسية الألمانية تجاه الشريك السعودي الإشكالي بحاجة لاستراتيجية متماسكة.يتوجب علينا أن نتوصل-بينا وبين أنفسنا- لنتيجة حول ما هي المجالات التي نريد التعاون فيها مع المملكة وما سنقدمه لها وكيف يمكن إعادة بناء الثقة بين الطرفين، كل ذلك دون أن نمسك اللسان عن نقد الجوانب التي تستحق النقد. وهذا توازن حساس للغاية، لا بد من النجاح في تحقيقه. والسعودية من الأهمية بمكان، بحيث لا يجب أن تتوتر العلاقات معها بشكل دائم.
كيف ينظر غابرييل وغيره من الساسة الألمان للسياسة الداخلية والخارجية لمحمد بن سلمان؟ (حقوق المرأة، واليمن واستقالة الحريري..). هل من اختلافات في الدوائر السياسية الألمانية بهذا الخصوص؟
في ألمانيا يُنظر للسياسة الإقليمية لمحمد بن سلمان بعين الشك، وهناك إجماع واضح على نقد العمليات العسكرية السعودية في اليمن. في المقابل، لا يسود اتفاق ورأي واحد فيما إذا كانت المملكة عامل استقرار أو عامل زعزعة استقرار في المنطقة. وهنا تكمن المشكلة: لا نملك سياسة موحدة اتجاه السعودية، تمكننا من صياغة مصالح واضحة معها والبحث عن تسويات معها وتقوية العلاقات مع الفاعلين السياسيين والثقافيين والاقتصاديين فيها. وكل ما سبق ضروري لبناء علاقات بناءة مع المملكة ومواكبة التحول السياسي فيها.
ما الذي تتوقعه فيما يخص صادراتالأسلحة الألمانية للسعودية في المستقبل؟ هل ستكون التقييدات أقل حدة مما كان مخططاً له في الأصل؟
في الماضي كانت السعودية واحدة من أكبر مستوردي السلاح الألماني. وفي مفاوضات تشكيل الحكومة تم الحديث عن إيقاف صادرات السلاح إلى الدول التي تخوض حرباً. وتقود السعودية منذ آذار/مارس 2015 تحالفاً عسكرياً في اليمن، الأمر الذي يعرضها مراراً وتكراراً للانتقاد في ألمانيا. وحتّى في الماضي جرى حديث عن حظر تصدير السلاح للسعودية. ومع ذلك، كان "مجلس الأمن الاتحادي" (لجنة في الحكومة الاتحادية) يمنح التصاريح باستمرار. ولا يتعرض أعضاء ذلك المجلس للمساءلة القانونية لا أمام مجلس النواب الاتحادي ولا حتى أمام عامة الجمهور. لا بد من تغير هذا العملية لنكون أكثر شفافية. ومن حيث المبدأ أرى أن صادرات الأسلحة إلى السعودية غير مبررة، لا أخلاقياً ولا سياسياً، لأننا لا نستطيع التحقق من الوجهة التي سوف يستخدم فيها ذلك السلاح.
في حوار سابق قبل ثلاث أشهر مع DW عربية، لم يستبعد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى السعودي، زهير الحارثي، فرض عقوبات اقتصادية على ألمانيا. كيف ترى ذلك؟
لا أعتقد أن الأمور ستصل لذلك الحد. السعودية تمر بمرحلة تحول على الصعيد الاقتصادي؛ إذ أن محمد بن سلمان يعتزم جعل الاقتصاد غير معتمد على النفط، ولتحقيق ذلك فهو بحاجة لمستثمرين أجانب، ومن بينهم ألمانيا. على كل حال، يتعين علينا المحاولة -ومن خلال عدة قنوات- تبديد عدم الثقة التي نشأت وأخذ المخاوف والاحتياجات السعودية بجدية. الجهل والغطرسة ليسا مفيدين هنا.
تعتبر السعودية في المنطقة خصماً لقطر، والتي تتعرض هي الأخرى للنقد من منظمات المجتمع المدني على خلفية حقوق الإنسان ومن قبل الدول العربية الأخرى تتهم بتمويل الإرهاب. هل العلاقات الألمانية مع قطر متوترة في الواقع على تلك الخلفية؟ وكيف موقف ألمانيا هنا؟
تجاه قطر تطغى المصالح الاقتصادية كما الحال بالنسبة للعلاقات مع السعودية. وهنا أعود للتشديد على أن السياسة الخارجية لبرلين لم تنجح بصياغة خط واضح ومتماسك للتعامل مع مثل أولئك الشركاء الصعبين. وهذا الأمر يحتاج لتعديل وآمل أن تعيد الحكومة الجديدة، وبشكل مستدام وواضح، تموضعها تجاه هذه المسألة. ولكن وفي المستويات السياسية العالية لا يزال التردد هو سيد الموقف.
هل صحيح أن ألمانيا، وعلى عكس بقية الدول الغربية، تدعم قطر في الأزمة الخليجية؟
برأي أن ألمانيا لم تتموضع بشكل واضح أبداً إلى أي من أطراف الأزمة، بل يتسم موقفها بالتحفظ. الحكومة الألمانية مهتمة بنزع فتيل الصراع ومحاولة التوسط في هذا المجال. وأرى أنه لا يمكننا في المستويات السياسية العليا رصد وقوف برلين إلى جانب الدوحة، وهذا إن حصل سيؤدي بالتأكيد إلى مزيد من الاضطرابات في العلاقات مع الرياض.
سباستيان زونس: خبير في الشؤون السعودية في "الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية". وتتركز أبحاثه حول عدة محاور، من أبرزها السياسية السعودية الخارجية والتطورات المجتمعية في المملكة.