بروس ريدل - المونيتور-
استغل العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز آل سعود» القمة العربية التاسعة والعشرين لتأكيد المواقف السياسية القائمة منذ فترة من الوقت، والتي ترقى إلى حد ما إلى تمزيق ارتباط المملكة الوثيق بإدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب».
ويعكس التغيير الخفي في النبرة علنا تزايد الشكوك الخاصة حول التزام الإدارة الأمريكية بتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
وبدلا من استضافة رؤساء الدول العربية في العاصمة «الرياض»، اختار السعوديون إقامة القمة في «الظهران» في المنطقة الشرقية التي تزينت بأعلام الدول العربية، بما فيها قطر (وليس سوريا)، للترحيب بالدول التي حضرت القمة. وبطبيعة الحال، تعتبر المنطقة الشرقية من الأجزاء البعيدة من المملكة عن اليمن. ويبدو أنها خارج نطاق الصواريخ الباليستية التي صممها الإيرانيون. وفي الأسبوع الماضي، أعلن «الحوثيون» أن عام 2018 هو «عام الصواريخ الباليستية». وبحسب الإحصاءات السعودية، استهدف 117 صاروخا مدنا سعودية في الأعوام الـ3 الأخيرة.
وافتتح الملك «سلمان» القمة بإعادة تسميتها بـ«قمة القدس». وفي كلمته، قال إن الأولوية العليا للقادة العرب هي فلسطين، ويجب أن تكون، وأدان بشدة سياسة إدارة «ترامب» تجاه القدس. وقال إن السعوديين رأوا فلسطين والقدس «قضيتهم الأولى» عبر الأزمان. ولا يعتبر هذا الكلام جديدا بالطبع، وهو سياسة سعودية دائمة. كما أكد الملك التزام السعودية بمبادرة السلام العربية لعام 2002، التي طرحها أسلافه.
اهتزاز الصورة
ومع ذلك، فإن تصاعد تعليقات الملك يعكس عدم الارتياح المتزايد في القصر الملكي حول سير الأحداث في غزة والقدس باتجاه المزيد من الاضطرابات المتفجرة الشهر المقبل، خاصة عندما يتم افتتاح السفارة الأمريكية في القدس. ولا يشعر السعوديون بالارتياح لأنهم صار ينظر إليهم في العالم العربي على نطاق واسع بأنهم يتآمرون مع صهر «ترامب» ومستشاره، «غاريد كوشنر»، لتقويض مطالبة الفلسطينيين بالمدينة المقدسة، وهو تصور يدمر صورة العباءة السعودية كمدافع وحامي للمساجد المقدسة، وهو أمر حاسم لشرعية العائلة المالكة. وقد منعت شاشات التلفزيون السعودية عرض صور المحتجين الغزيين وهم يحرقون الأعلام السعودية وصور ولي العهد «محمد بن سلمان». وتعمل إيران بنشاط على وصم السعوديين بالتآمر مع (إسرائيل).
ولمواجهة الاتهامات بالتساهل في أمر القدس، تعهد «سلمان» في القمة بتقديم 200 مليون دولار كمساعدات. حيث تعهد بمبلغ 150 مليون دولار للحفاظ على المواقع الإسلامية في القدس، و50 مليون دولار أخرى إلى غزة لصالح وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا». وتعهد بدعم العاهل الأردني الملك «عبدالله» بعد شهور من الانتقادات المتبادلة.
وقد أيد السعوديون علنا الهجوم الأمريكي والبريطاني والفرنسي على البنية التحتية للأسلحة الكيميائية السورية. وانقسمت القمة حول القضية، حيث وصف العراق ولبنان الهجمات بأنها خطيرة. ودعا القادة إلى إجراء تحقيق في تهم استخدام الذخيرة الكيماوية في سوريا.
غضب سعودي
وكانت الرياض غاضبة قبل الهجمة الثلاثية بسبب وعود «ترامب» بسحب جميع القوات الأمريكية من سوريا قريبا. ولم يطمئنوا إلى تصريحاته منذ ذلك الحين حول الأسباب وراء الغارات الجوية التي تخلى فيها عن محاولة إصلاح مشاكل المنطقة «المضطربة». وبالنسبة للسعوديين، يبدو «ترامب» بشكل متزايد مثل «باراك أوباما»، في الدعوة إلى استراتيجية تترك للعرب الاهتمام بشؤونهم الخاصة. وكانت الرياض محبطة عندما زعم «ترامب» أن «سلمان» كان على استعداد لدفع ثمن بقاء أمريكا في سوريا. وفي الواقع، تخلى السعوديون منذ فترة طويلة عن محاولة الإطاحة بـ«بشار الأسد». وهم يريدون فقط من واشنطن أن تقوم بالمهام الثقيلة، لكنهم لن يدفعوا مقابل ذلك.
وقال «سلمان» إن على القادة العرب أن يتحدوا ضد إيران ووكلائها مثل «الحوثيين». وانقسمت القمة على هذا، تماما كما حدث بشأن سوريا. ويشعر السعوديون بالإحباط كذلك لأن خطاب «ترامب» العدواني تجاه إيران لم يترجم إلى مواجهة طهران في سوريا أو الأماكن الأخرى.
وعقب القمة، تفقد الملك المناورات العسكرية في المنطقة الشرقية، التي تضم جنودا من 22 حليفا سعوديا يحاكون الدفاع عن المملكة من الغزو الإيراني. ولم يكن التحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب رسميا معاد لإيران، لكن هذه هي النية السعودية.
ولم يفقد السعوديون حتى الآن الأمل في الإدارة الجديدة. ولقد وضعوا ثقتهم في إدارة «ترامب» باستضافته في الرياض قبل عام، ومع زيارة ولي العهد الواسعة للولايات المتحدة. ويشجعهم في ذلك إقالة وزير الخارجية «ريكس تيلرسون»، وترشيح الصقر المعادي لإيران «جون بولتون» كمستشار للأمن القومي. لكن توقعاتهم حول الإدارة قد انخفضت. لكن تعديل الخطاب في «قمة القدس» كان تكتيكيا ودقيقا.