عماد حسن- DW- عربية-
خسائر متلاحقة مُنيت بها الإمارات مؤخراً في منطقة القرن الإفريقي، فيما يبدو التواجد التركي أكثر رسوخاً واستقراراً، وفي خلفية المشهد خلافات عميقة بين البلدين العضوين في تحالفين شديدي الخلاف يقسمان الشرق الأوسط.
على خلفية الحرب في اليمن، سعت الإمارات إلى تأمين منطقة القرن الإفريقي بعد أن أصبحت تتحكم في ميناء عدن. عملية "التأمين" هذه صاحبها طموح سياسي كبير جعل الإمارات تتمدد في منطقة القرن الإفريقي بعمل شراكات مع حكومات دول مثل الصومال وجيبوتي وحتى إريتريا. لكن تركيا "العثمانية" الغريم السياسي للإمارات لم تكتف أبداً بالجلوس في موقع المتفرج، بل عملت كذلك على التواجد في المنطقة ذاتها وغيرها عبر اتفاقيات اقتصادية ضخمة مع حكومات دول إفريقية.
خسائر متتالية
اللافت في الأمر هو تلك الخسائر التي منيت بها الإمارات والمتمثلة في فقدان أكثر من مواطئ أقدم لها في منطقة القرن الإفريقي. فقد ألغت جيبوتي عقد الامتياز الممنوح لمجموعة موانئ دبي العالمية الذي يقضي بأن تتولى تشغيل محطة "دوراليه" لمدة خمسين عاماً. وقال المسؤولون في الدولة الإفريقية إن شروط التعاقد كانت مجحفة للغاية وتضر بسيادة الدولة، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تسببها لجيبوتي.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكانت أحدث حلقات مسلسل الخسائر الإماراتية في إفريقيا، الأزمة السياسية الكبرى بين الإمارات والصومال، حيث قدم مندوب الصومال في الأمم المتحدة شكوى ضد الإمارات اتهم فيها أبو ظبي بـ "التدخل السافر في الشأن الصومالي والاعتداء على القانون الدولي" وارتكاب "أعمال تقوض وحدة البلاد" عبر إبرامها اتفاقية مع إقليم أرض الصومال - غير المعترف باستقلاله دولياً عن الصومال - لاستغلال ميناء بربرة وبناء قاعدة عسكرية في الإقليم دون إذن من الحكومة الفيدرالية.
وفي الشهر الماضي، حذر الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو مما وصفه بـ "التدخل الأجنبي ضد وحدة وسيادة الصومال"، ليقوم البرلمان بعدها بالتصويت بالأغلبية لصالح قرار يمنع شركة موانئ دبي العالمية من إدارة واستغلال الموانئ في الأراضي الصومالية، لاغياً بذلك كافة الاتفاقيات مع الشركة الإماراتية.
وفي التداعيات ألغى وزير الدفاع الصومالي محمد مرسل شيخ عبد الرحمن من جانبه اتفاقية للتعاون الأمني تقوم الإمارات بمقتضاها بإعادة تأهيل قوات من الجيش الصومالي على خلفية مصادرة الصومال لمبالغ مالية ضخمة قدرت بملايين الدولارات، قالت مقديشيو إنها أموال كانت ستسلم إلى أطراف متنازعة داخل البلاد بهدف تقويض الدولة انتقاماً منها لموقفها من أزمة الخليج التي اعتبرها الإمارات مساندة لقطر.
لكن الإمارات نفت ذلك وقالت إن الأموال كانت ستسلم كرواتب للجنود بخلاف بناء مراكز للتدريب. كان الرد الإماراتي إغلاق مستشفى بنته على نفقتها ونقل الأجهزة الطبية إلى السفارة الإماراتية.
لماذا كل هذه الخسائر الآن؟
عن هذه الخسائر الإماراتية في القرن الإفريقي قال الدكتور خطار أبو دياب أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس والخبير في شؤون الشرق الأوسط في مقابلة مع DW عربية إنه لابد من قراءة هذه التطورات في سياق وجود سباق أكبر على التمركز الاستراتيجي في مناطق من البحر الأحمر والقرن الإفريقي، في إشارة إلى حرب اليمن وبالمساعي الإيرانية والتركية والإسرائيلية لتكون قوى أساسية في المنطقة.
وأشار إلى أنه "من الضروري عدم إهمال الصراع القطري الإماراتي على خلفية الأزمة الخليجية فهذا أيضاً ربما له أثر في بعض الخسائر الإماراتية".
ويضيف الخبير أستاذ العلوم السياسية أن الأمر بين الإمارات وتركيا في شكله الأساسي والظاهر في القرن الإفريقي صراع اقتصادي واستراتيجي، وأن "هذه القوى الإقليمية الصغيرة كجيبوتي أو الصومال ربما تفضل أن تتعامل مع أطراف على حساب أطراف أخرى، وربما تحاول تحفيز أطراف أخرى على الحلول محل الطرف الإماراتي". موضحاً أن "الوجود التركي في جزيرة سواكن يأتي في إطار التنافس الخفي على السودان وفي خلفيته خلاف مصري- تركي والإمارات جزء منه".
دول الخليج خلف كواليس الأزمة
عقدت تركيا اتفاقاً مع السودان تقوم الأولى بموجبه بتطوير وإعادة تأهيل وإدارة جزيرة سواكن ذات الأهمية الاستراتيجية والواقعة في البحر الأحمر شرقي السودان والتي يوجد فيها الميناء الأقدم في السودان. وفي أزمنة سابقة كانت الدولة العثمانية تستخدم الجزيرة مركزاً لقواتها البحرية في البحر الأحمر.
وتتواجد تركيا اقتصادياً في إفريقيا عبر وكالة دولية للتنمية تتبع رئاسة الوزراء التركية وتعمل على تطوير برامج الزراعة في 13 دولة منها جيبوتي وإثيوبيا والصومال، بخلاف التواجد العسكري المتمثل في قاعدة عسكرية في الصومال.
لكن الإمارات قررت مؤخراً وعلى خلفية الأزمة الخليجية مع قطر - حليفة تركيا - كسب مزيد من الحلفاء والمؤيدين لقرار مقاطعة قطر لممارسة مزيد من الضغوط على الدوحة، فقررت اقتحام القارة السمراء سياسياً واقتصادياً وعسكرياً مصطدمة بذلك مع تركيا ذات النفوذ القوي هناك.
نقطة لصالح قطر
يقول الدكتور خطار أبو دياب إن الإمارات تتمركز في أرض الصومال، وإن وجودها في المنطقة مستمر حتى ولو خسرت وجودها في الصومال نفسه لذا فهو لا يعتقد أن "الإمارات وتركيا يركضان خلف بعضهما"، مضيفاً: "اعتقد أن المسائل مع الإمارات طابعها الأساسي تجاري ويخص موانئ دبي باستثناء مسالة تدريب الجيش الصومالي. السبب الفعلي للأزمة في الصومال عائد لتموضع الإمارات في أرض الصومال مما أغضب مقديشيو لما تمثله مسألة انفصال هذا الإقليم وإعلانه الاستقلال من طرف واحد من حساسية مفرطة لدى مقديشيو".
ويضيف الخبير السياسي أنه يمكن القول بأن المحصلة النهائية لهذه التطورات في القرن الإفريقي هو تسجيل قطر لنقطة على حساب الإمارات في إطار الحرب بينهما في امتداد للأزمة الخليجية إلى خارج حدودها الإقليمية، مشيراً إلى دور كبير لقطر في هذا التراجع الإماراتي.
سيناريوهات مستقبلية
لكن ما مستقبل هذا "التنافس" المحموم بين أبو ظبي وأنقرة على توسيع مساحات النفوذ والتواجد بأشكال شتى في إفريقيا؟ هل تواصل الإمارات خسارة مساحات من الأرض لتستغل تركيا الأمر وتملأ الفراغ الناشئ عن خروج الأولى؟ وكيف ستسير علاقات الدولتين مستقبلاً؟
يقول الدكتور خطار أبو دياب الخبير في شؤون الشرق الأوسط لـ DW عربية إنه لا يمكن المقارنة بين دولة بحجم الإمارات وأخرى بحجم تركيا، "لكن علينا أيضاً أن نقر بأن الإمارات أخذت في الفترة الأخيرة تطور قوة بحرية ناشئة وتعزز من وجودها على سواحل اليمن أكثر فأكثر وكذلك في عمق البحر الأحمر والقرن الإفريقي". ويستطرد بالقول: "دولة مثل تركيا نتيجة خلاف على الرؤية مع الإمارات حول ترتيب الإقليم من الطبيعي أن يكون بينها وبين الإمارات جفاء".
ويضيف قائلاً إن الخلاف بين الدولتين يرتبط بعلاقاتهما بالمحاور الإقليمية التي يتواجد فيها كلاهما، لكنه يميل للاعتقاد أكثر إلى أنه "إذا كان هناك نكسات للإمارات في الصومال أو جيبوتي فهي مرتبطة أكثر بالنزاع القطري- الإماراتي منه بالنزاع التركي- الإماراتي".