خيرالله خيرالله - الراي الكويتية-
يُفترض بالرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي استيعاب أنّ موضوع اليمن ليس موضوع تناحر داخلي يجرّه إليه الاخوان المسلمون، والذين يقفون خلفهم، على غرار التناحر الذي كان قائما في اليمن الجنوبي بين اجنحة الحزب الاشتراكي في مرحلة ما قبل الوحدة اليمنية في 1990. ليس الموضوع موضوع حسابات ضيّقة وصغيرة لا هدف منها سوى التغطية على عجز الرئيس الانتقالي عن أن يكون مع الأعضاء الاساسيين في حكومته على جبهات القتال يواجهون الحوثيين ويعملون من أجل العودة الى صنعاء بدل البحث عن أعذار يغطون بها تقصيراً على كل المستويات.
موضوع اليمن أكبر من ذلك بكثير. إنهّ موضوع معقّد مرتبط بمستقبل شبه الجزيرة العربية كلّها، كما انّه مرتبط بحماية امنها وامن المنطقة المحيطة بها وامن كلّ دولة من دولها، على رأسها المملكة العربية السعودية. من هذا المنطلق، ليس الكلام الذي تتناول به حكومته برئاسة احمد بن دغر الوجود العسكري الاماراتي في جزيرة سقطرى ذات الموقع الاستراتيجي سوى زوبعة في فنجان. هناك محاولة مبتذلة لافتعال قضيّة من لا شيء، خصوصا ان جزيرة سقطرى تمثل في الوقت الراهن حلقة في شبكة أمان لليمن وللتحالف العربي الذي يقود الحملة الهادفة الى محاصرة الوجود الايراني في اليمن تمهيداً للتخلص منه. تمتد شبكة الأمان هذه، وهي منظومة متكاملة، من موانئ دول القرن الافريقي... الى ميناء المخا، في الجانب اليمني من باب المندب، ومطار عدن ومينائها وصولا الى المكلا وجزيرة سقطرى.
يتعلّق الموضوع، في الواقع، بمنظومة أمان ذات بعد إقليمي تشمل دولاً مثل اريتريا والصومال وجيبوتي. يصعب على عقل تبسيطي وبسيط في الوقت ذاته، لا يبحث سوى عن مكاسب شخصية، فهم تعقيدات منظومة الأمن والأمان في المنطقة وابعاد ما يدور فيها. ولكن من أجل فهم لماذا يتصرّف الرئيس الانتقالي لليمن بهذه الطريقة، لا بدّ من العودة الى تاريخه الشخصي الممتد منذ كان حارسا شخصيا لمسؤول الاستخبارات البريطانية في أبين، قبل استقلال اليمن الجنوبي في خريف العام 1967.
خلاصة الامر انّ اكثر ما ينطبق على عبد ربّه منصور هادي هو المثل الفرنسي القائل: ثمّة خدمات كبيرة الى درجة، لا يمكن الردّ عليها سوى بنكران الجميل. هذا ما فعله الرئيس الانتقالي، الذي كان عليه تسليم السلطة في 2014، مع كلّ من قدّم له خدمة وجعل منه شيئاً. فعل ذلك مع علي ناصر محمّد، الرئيس اليمني الجنوبي السابق، ومع علي عبدالله صالح الذي أوصله الى موقع نائب رئيس الجمهورية. ويفعل ذلك الآن مع دولة الامارات العربية المتحدة التي قدمت الشهداء من أجل اليمن وخاضت معارك استعادة عدن والمكلا وميناء المخا وحرّرت ما يكفي من الأراضي من اجل تمكين «الشرعية» اليمنية من أن تستعيد كلّ اليمن في يوم من الايّام.
ينتمي عبد ربّه منصور هادي الى بيئة التناحر في اليمن الجنوبي. أدّى التناحر في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته، الى انهيار النظام الذي كان قائماً، وهو انهيار أدّى الى تغييب أي خيار لدى قادة الحزب الاشتراكي، الحاكم وقتذاك، باستثناء خيار الهرب الى الوحدة. توّج التناحر بسقوط الدولة وتحلّلها، علما انّه كان في الإمكان المحافظة عليها لو امتلكت الدولة في جنوب اليمن رجالات يعرفون شيئا آخر غير التآمر على بعضهم البعض... والطعن في الظهر.
كان عبد ربّه منصور ضابطاً في الجيش اليمني الجنوبي بعد الاستقلال في العام 1967. وكان في أيّام الاستعمار البريطاني حارسا شخصيا لمسؤول الاستخبارات البريطانية، كما ورد آنفاً، في محافظة أبين التي هو منها. كافأ مسؤول الاستخبارات البريطاني حارسه على حسن أداء مهمّته وأرسله في دورة الى بريطانيا لتعلّم اللغة الانكليزية وليس الى كلّية ساندهيرست. صار عبدربّه يعرف بعض اللغة الانكليزية. وهذا تطوّر مهمّ بحد ذاته. وبعد الاستقلال ترقّى في الجيش وصار نائبا لرئيس الأركان للتموين في عهد علي ناصر محمّد، وهو أيضاً من أبين. شارك عبد ربّه الى جانب الموالين لعلي ناصر في الاحداث الدموية التي اندلعت في الثالث عشر من يناير 1986، وفرّ بعد ذلك الى صنعاء بعد هزيمة علي ناصر الذي بات أنصاره يعرفون بـ»الزمرة». قصّة الرجل بعد ذلك معروفة.
كان علي عبدالله صالح في حاجة، بعد انتصاره في حرب الانفصال صيف العام 1994، الى جنوبيين أعضاء سابقين في الحزب الاشتراكي كي يظهر أنّ لديه موالين له في ذلك الحزب الذي قاد حرب الانفصال وأراد العودة الى مرحلة ما قبل الوحدة. وجد في عبدربّه منصور ضالته، على الرغم من أنّ لا وزن له، لا داخل الجنوب ولا في أبين نفسها. لمّا سألت علي عبدالله صالح في احدى المرّات كيف يمكن أن تختار شخصاً من نوع عبد ربّه منصور نائبا لرئيس الجمهورية كان جوابه بالحرف الواحد: يبدو أنّك لا تعرفني. هل تريدني أن أعيّن في هذا الموقع شخصاً ذكّياً كي يتآمر عليّ؟
خبّأ عبد ربّه منصور كلّ حقده على علي عبدالله صالح إلى ما بعد خروج الرجل من السلطة. هذا لا يعني أن علي عبدالله صالح تصرّف دائماً بطريقة لائقة مع نائبه، خصوصاً عندما كانت تجتاحه نوبات من الغضب تعود الى زيادة في مزاجيته التي راحت تتصاعد منذ انتصاره في حرب الانفصال العام 1994.
منذ أصبح رئيسا انتقالياً، أضاع عبد ربّه منصور كلّ الفرص التي توافرت أمامه. صار همّه محصوراً في تصفية حساباته مع سلفه بدل العمل على بناء أجهزة ومؤسسات تهيّئ لعملية انتقال للسلطة عن طريق دستور جديد يأخذ في الاعتبار ان وضع اليمن تغيّر وانّ لا بدّ من صيغة جديدة تحميه من مزيد من التفتت في ظلّ صعود الحوثيين، المدعومين من ايران.
إذا كان هناك خيط يربط بين كلّ تصرفات الرئيس الانتقالي منذ ما يزيد على ست سنوات، فإنّ هذا الخط يتمثّل في تنفيذ ما يطلبه منه الاخوان المسلمون الذين يمتلكون أجندة خاصة بهم وضعتها لهم قوى معيّنة تعرقل كلّ تقدّم على أي جبهة من الجبهات. لعلّ افضل ما يدلّ على ذلك أمران. الاوّل الوضع السائد على جبهة تعز حيث يعمل الاخوان على استمرار الجمود الى ما لا نهاية والآخر الدور الذي لعبه الرئيس الانتقالي في تمكين الحوثيين من وضع اليد على صنعاء في الواحد والعشرين من سبتمبر 2014. هناك رئيس انتقالي مطرود من صنعاء ولا يتجرّأ على المكوث في عدن ويتحدّث عن «المس بالسيادة في سقطرى». ما هذا المنطق الذي لا علاقة له بالمنطق؟
من يتمعّن في تاريخ عبد ربّه منصور وكلّ تصرفاته، يستطيع بالطبع فهم أنّه عاجز عن فهم ما يدور في اليمن وحول اليمن. لا تسمح له قدراته العقلية بذلك، فضلاً عن أن الرجل اسير الجحود. لا يستطيع استيعاب انّ مطار عدن ليس مجرّد مطار يستطيع ان يستغلّه مع أفراد عائلته وأنصاره لأغراض تجارية على غرار ما كان يحصل في الماضي... وانّه ليس مسموحاً له المس بشبكة الأمان في المنطقة. ولكن ما الذي يمكن توقّعه من شخص لا يزال اسير عقدة علي عبدالله صالح ولا يعرف ان بذلة الرئيس الراحل واسعة جداً عليه وان اليمن الذي عرفناه لم يعد قائماً؟