نيويورك تايمز- ترجمة شادي خليفة -
من المرجح أن يضيف قرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني وقودا لنيران الطائفية في الشرق الأوسط.
ومن الحروب الكارثية في سوريا واليمن إلى التجمعات المتقلبة في العراق ولبنان، وصلت العلاقات السنية الشيعية إلى نقطة الانهيار، لكن سبب هذا الارتفاع في التوتر يعتبر أمرا حديثا وليس قديما؛ فالأمر متجذر في السياسة وليس الدين.
ولإيقاف الوضع عن التفاقم، نحتاج إلى فهم أوضح للقوى الدافعة للنزاع الطائفي. إن التنافس الإقليمي السعودي الإيراني أمر محوري بالنسبة لها، وتدفع إدارة «ترامب» بكلماتها وسياستها إلى تفاقمها بدلا من تحسينها.
ولقد عمدت المملكة العربية السعودية و(إسرائيل) إلى تثبيط عزيمة إدارة «أوباما» عن متابعة الاتفاق النووي الإيراني. وكان السعوديون متحمسين عندما تم انتخاب «ترامب»، الذي هاجم اتفاق إيران خلال حملته الانتخابية. وفي شهر مايو/أيار من العام الماضي، وخلال زيارته للرياض، ردد «ترامب» وجهة النظر السعودية بأن إيران وحدها هي المسؤولة عن كل مشاكل المنطقة ويجب إيقافها بأي ثمن.
وينبغي النظر إلى التخلي عن الاتفاق النووي الإيراني على أنه تحول منسق بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) والسعودية نحو عزل إيران ومواجهتها.
ويوصف الصراع بين إيران والسعودية على نطاق واسع، من قبل الصحفيين وكاتبي الأعمدة وصانعي القرار، بأنه متجذر في كراهية بدائية ومستعصية. وكما يقول كاتب رأي في «تايمز»، يعود الأمر إلى «صراع القرن السابع حول من هو الوريث الشرعي للنبي محمد، الشيعة أم السنة».
حتى أن الرئيس «باراك أوباما»، الذي راهن بالكثير من رأس ماله السياسي على الاتفاق النووي مع إيران، قد استحضر شبح «الاختلافات الطائفية القديمة» لشرح الاضطراب في الشرق الأوسط. وفي خطابه الأخير عن حالة الاتحاد، أكد «أوباما» أن القضايا التي تعاني منها المنطقة «متجذرة في صراعات تعود إلى آلاف السنين».
ويعتبر إسقاط الظروف الحالية مرة أخرى على الماضي على هذا النحو خطأ فادحا. وأصبحت هذه الرواية المريحة ذات عواقب سياسية خطيرة للغاية.
فالصراعات العالمية لها أسباب سياسية أكثر وتكون مدفوعة من قبل جهات حكومية تسعى إلى السلطة السياسية والمصالح الاستراتيجية، وخلال الحرب الباردة، تمتعت السعودية وإيران بعلاقات ودية. وكان لدى كلا البلدين علاقات دافئة مع الولايات المتحدة، وكانا على نفس الجانب من القضايا في المنطقة.
وفي الحرب الأهلية اليمنية في الستينيات، على سبيل المثال، تحالفت إيران والمملكة والأردن مع المناصرين الملكيين للمملكة المتوكلية. ودعمت مصر والعراق وجمهوريات عربية أخرى ما يسمى بالجمهورية العربية اليمنية. ودعم رؤساء الجمهوريات العربية نظراءهم في اليمن، في حين دعمت الممالك السعودية والإيرانية وغيرها الملكيين.
لكن الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 غيرت هذه المعادلة. وخوفا من انتشار الإسلام السياسي في جميع أنحاء الخليج العربي، استثمرت السعودية موارد كبيرة في محاولة تقويض جاذبية الثورة. وسعت إلى تصويرها على أنها ظاهرة شيعية وفارسية واضحة. وبالتالي، شهدت الثمانينيات تدهور العلاقات بين السنة والشيعة في جميع أنحاء المنطقة.
وعلى الرغم من أن الإلهام الديني للثورة الإيرانية كان شيعيا بلا شك، إلا أن الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط وآسيا رأوا أنها انتفاضة شعبية ضد إمبريالية نظام ملكي قمعي مدعوم من الغرب، لكن شبح الحركات الجماهيرية، في شكل الإسلام السياسي، ضد الممالك الأخرى المدعومة من الغرب في المنطقة هو ما أرعب السعوديين.
وقد تسبب دعم السعودية القوي لـ«صدام حسين» في الحرب العراقية الإيرانية في تكثيف العداء. ومع نهاية تلك الحرب عام 1988، خفت التوترات بين طهران والرياض وتحسنت العلاقات. واستمر السلام البارد في معظم التسعينات.
وكان غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003 نقطة تحول في التنافس السعودي الإيراني، وفي العلاقات الطائفية في جميع أنحاء المنطقة. وكان السعوديون يشعرون بالرعب من أن يأذن الغزو بوصول حكومة يقودها الشيعة تربطهم علاقات قوية بطهران.
وبدأت التحذيرات من «الهلال الشيعي» في السيطرة، وبدأت المخاوف من صعود إيران تجد صداها لدى المزيد والمزيد من السنة في جميع أنحاء المنطقة. وفي عام 2008، حث الملك «عبدالله» عاهل المملكة العربية السعودية على «قطع رأس الأفعى» بضربة عسكرية على إيران.
ويبدو أن الانتفاضات العربية عام 2011 قد أوقفت مؤقتا السرد الطائفي. وفي سوريا واليمن والبحرين، سار السنة والشيعة معا، ورددوا نفس الشعارات، والتقوا بنفس المصير القمعي على أيدي حكوماتهم. لكن في كل من هذه الحالات، تحولت الحركات الشعبية المتقاطعة إلى صراعات طائفية. وبنشر منطق «فرق تسد»، صورت الأنظمة الاستبدادية المحتجين على أنهم أعداء أجانب بأجندات متطرفة وطائفية. وفي حين أن هذه السردية كانت زائفة بشكل واضح، أصبحت نبوءة تحققت، وكانت لها نتائج مأساوية.
ويكتسح العنف الطائفي المنطقة الآن، وتدفع حرب الهيمنة بين السعودية وإيران هذه الدراما القاتلة. ومنذ عام 2015، ارتكبت المملكة العربية السعودية فظائع في اليمن على أساس أسبوعي، وقصفت المستشفيات والمدارس والأسواق وحفلات الزفاف والجنازات والمناطق السكنية، ما أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين.
وتعتبر إيران متواطئة بشكل كبير في جرائم الحرب التي ارتكبها الرئيس «بشار الأسد» في سوريا، والتي تشمل التجويع المتعمد وقصف المنشآت الطبية والمباني السكنية والاستخدام غير العادل للأسلحة الكيماوية.
وليست إيران فقط الحليف الإقليمي الرئيسي لـ«الأسد»، ولكنها هيأت أيضا تدفقا عابرا للحدود من المقاتلين الشيعة إلى سوريا. وبهذا يكون كل من المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية مسؤول عن هذه المذابح المروعة. وكلا من الدولتين مسؤولة عن تعميق خطوط الصدع الطائفي في المنطقة.
وتعد الاتهامات السعودية لإيران بتدبير استيلاء شيعي على العالم العربي مبالغات تخدم مصالح المملكة، لكن سياسات إيران في سوريا تجعل هذه المزاعم سليمة تماما بالنسبة للعديد من السنة.
وقد دخلت الطائفية في دورة الحياة الخاصة بها. ويجب عكس تلك الدورة ومنع تفاقمها. لكن من خلال شراء السرد الطائفي الذي تروج له المملكة ودعم حربها في اليمن، تساعد إدارة «ترامب» على إدامة الطائفية.
وقد يستغرق نزع الطائفية من السياسة في المنطقة وقتا، وربما أجيالا. ويعتبر القضاء على التنافس السعودي الإيراني أمر ضروري لهذه العملية. ويعد كشف أسطورة أن هذه الصراعات أبدية وغير قابلة للتغيير خطوة أولى حاسمة.