مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
استعرت نار الحرب في اليمن، ودخلت منعطفاً جديداً على مستوى التوسّع الجغرافي، فضلاً عن تبدّل الأرقام في معادلة الميدان، لا سيما مع قيادة دولة الإمارات العمليات الحربية في معركة الحديدة الاستراتيجية، بمدينتها ومطارها ومينائها، وفي هذا السياق أشار وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش إلى أن "معركة الحديدة ستكون نقطة تحوّل"، وأضاف أن "الحديدة مصدر تمويل للحوثيين، فهم من خلال سيطرتهم على الميناء يجمعون 3 مليارات دولار سنوياً" .. وهنا بيت القصيد.
في المقابل، كان اللافت تراجع واضح وغياب مريب للمملكة العربية السعودية في هذه المعركة، مما يطرح العديد من التساؤلات والاحتمالات عن مسار المواجهة في المرحلة المقبلة، وعن دور الإمارات في تغيير بوصلة الاتجاهات التي قد تأخذها الحرب في اليمن، وأقلّها مصادرة دور الرياض أو تحجيمه، وتكريس أبو ظبي كطرف حاسم مقابل فشل سعودي ذريع وغرق متواصل في المستنقع اليمني.
التقسيم هدف الإمارات
دخلت الإمارات الحرب وعينها على تحقيق النفوذ على حساب الحضور السعودي، وفي هذا السياق كان موقع "ميدل إيست آي" البريطاني قد نشر في آذار / مارس 2016 تقريراً للكاتب "بيل ليو" تحدث فيه عن أن مصلحة دولة الإمارات تقضي بتقسيم اليمن إلى شمال وآخر جنوبي، وقال إن تقدم الحوثيين جنوباً وسيطرتهم على مدينة عدن كانت حجة كافية لتعلن المملكة السعودية الحرب تحت اسم "عاصفة الحزم" في آذار / مارس عام 2015، وعلى الرغم من أن أبو ظبي لم تكن مقتنعة بهذه الحرب في بادئ الأمر، إلا أنها وجدت الساحة مهيئة لها لتحقق أهدافها القديمة - الجديدة في اليمن، وعلى رأس هذه الأهداف منع الرياض من التفرّد برسم مستقبل اليمن وضمان مصالحها ولا سيما في الجنوب اليمني.
ما هي أهداف الإمارات؟
لا تهدف الإمارات في دخولها حرب اليمن إلى دعم السعودية عسكرياً وسياسياً، بل إلى تحقيق مكاسب وامتيازات أمنية واقتصادية أهمها:
إنشاء ما يسمّى "المجلس الانتقالي" كسلطة موازية لسلطة هادي تمهيداً لحكم جنوب اليمن بعد تحقيق التقسيم والانفصال.
تشكيل جيش تابع للإمارات في جنوب اليمن مستقل في إمرته وقيادته.
السيطرة على مضيق باب المندب وهو أحد أهم الممرات البحرية في العالم ومفتاح السيطرة على البحر الأحمر وشريان ملاحي دولي.
السيطرة على أرخبيل سوقطرة الاستراتيجي جنوب عدن قبالة المضيق والجزر والمناطق المحيطة بالمضيق (جزيرة بريم (ميون)، قرية ذوبان، ميناء مخا)
إحكام السيطرة على مدينة عدن ومطار المكلا في حضرموت.
بناء قواعد عسكرية في السواحل الإفريقية المقابلة للمضيق.
ضرب الشرعية
لم تتوانَ الإمارات في سبيل تحقيق أهدافها عن إقحام قواتها في اشتباكات دامية في مدينة عدن مع قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعوم سياسياً من السعودية، لمنعه من بسط سلطته وتكريس حكمه فيها، ليصل الحال بها الى منعه من التواجد في عدن، وهذا ما اعتبرته الرياض خنجراً إماراتياً اخترق الخاصرة السعودية، حيث كان من المفترض أن تدعم الإمارات الحكومة الشرعية التي يمثلها هادي بدل استهداف قواته وطرده من عدن، وآثرت الرياض السكوت على مضض حفظاً على وحدة القرار الخليجي، مما دفع الجشع الإماراتي إلى المضي قدماً في توسيع نفوذها على حساب السعودية، وصولاً إلى واقعنا الراهن.
انتهاك حقوق الانسان
ولا بد من الإشارة إلى واحد من أخطر الجوانب التي ترتكبها الامارات بحق الشعب اليمني بحجة الحرب ضد الحوثيين، حيث كان لها الدور الأكبر في فرض الحصار التمويني والغذائي والصحي على المناطق التي يدور فيها القتال، وباتت الإمارات واحدة من أكثر الدول التي تمارس انتهاكًا واسعًا لحقوق الإنسان في اليمن، وتعريض حياة الملايين من اليمنيين للخطر بسبب غلق المطارات ومنع تقديم أي مساعدات عبر المجال الجوي، وهناك تقارير دولية أعدّتها 15 منظمة إغاثية تشرح الأوضاع الكارثية التي وصل إليها اليمنيون على الصعيد الإنساني، ولا سيما في محافظتي عدن وحضرموت حيث وثّقت منظمة" هيومن رايتس ووتش" عشرات الحالات من التعذيب ارتكبتها قوات أمنية مدعومة من الإمارات بحق مواطنين يمنيين في سجون سرية منتشرة في جنوب اليمن.
طفيلية الإمارات
أما ولا يزال المستنقع اليمن يتّسع ويزداد عمقاً، فإن الحديث يجب أن يتركّز على النتائج التي تفرزها هذه الحرب يوماً بعد يوم، والسعودية هي المستهدف الأول من كل ما يجري على جبهة الإمارات التي يبدو جليّاً أنها تجاوزت دورها المحلي إلى بعد إقليمي - دولي، وتستغل التورّط السعودي في هذه الحرب مع ما يرافقه من استنزاف سياسي ومالي، لتلعب دوراً أكبر لها حين يأتي أوان إعادة تقسيم المنطقة بمجملها على وقع مستجدات "صفقة القرن"، وهكذا تصبح المعادلة: السعودية تدفع وتخسر والإمارات تجني وتحصد.