الخليج أونلاين-
ما زال رد فعل المملكة العربية السعودية "الصادم" على دعوة كندا للإفراج عن مواطنة كندية من أصل سعودي، يثير الكثير من التحليلات والتساؤلات وعلامات التعجب، لا سيما أن الرد كان بمنزلة إعلان "حرب"، تضمن سحب المواطنين السعوديين وقطع العلاقات على مختلف المستويات، حتى وصل الأمر إلى وقف علاج المرضى في المستشفيات الكندية بشكل فوري، ونقلهم إلى دول أخرى.
فبعد اثنتي عشرة ساعة على تغريدة للسفارة الكندية في السعودية، التي تطالب بالإفراج عن الناشطة السعودية سمر بدوي، وفي الساعات الأولى من فجر الاثنين (6 أغسطس)؛ شنت السعودية هجوماً غير مسبوق على كندا، بحجة أنها تدخلت في شؤون المملكة الداخلية، لا سيما بعد دعوتها للإفراج فوراً عن معتقلي نشطاء المجتمع المدني. إذ قررت طرد السفير الكندي واستدعاء السفير السعودي، وتجميد التعاملات التجارية والاستثمارية كافة مع كندا، إلى جانب وقف ابتعاث الطلاب وتحويل الدارسين فيها حالياً إلى دول أخرى، كما تقرر نقل المرضى الذي يتلقون العلاج في كندا إلى دول أخرى بشكل فوري، وبيع أصولها البنكية في كندا.
السعودية اعتبرت الموقف الكندي، في أول بيان صادر عن وزارة الخارجية، "هجوماً" على المملكة، وهو ما يعطي انطباعاً بعزم الرياض على اتخاذ مثل هذه الإجراءات التصعيدية والسريعة ضد أوتاوا، وذلك ما أثار الشكوك لدى كندا ودول في الاتحاد الأوروبي من مغزى رد الفعل غير المتوافق مع الإجراءات الدبلوماسية المتبعة حول العالم في قضايا شائكة أكثر.
- لكن.. ما سر الموقف السعودي غير المتوقع؟
يتحدث المحللون الكنديون، بحسب ما تنقله هيئة الإذاعة الكندية، عن سيناريو قلق السعودية من "تدويل" موضوع حقوق الإنسان، والاعتقالات المتصاعدة بحق النشطاء الحقوقيين وغيرهم من الدعاة بسبب آرائهم، مشيرين إلى أن كندا قد تعتبر أول دولة تعلن موقفاً بهذا الوضوح بشأن ما يحدث في السعودية، لا سيما أن إحدى المعتقلات تحمل الجنسية الكندية.
يقول البروفسور توماس جونو، أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة أوتاوا، في حديث للإذاعة الكنديّة: "إنّ السعوديّة تعتمد في سياستها الخارجيّة موقفاً أكثر عدوانيّة"، ويضيف: "ما يقومون به هو رسالة للمجتمع الدولي بأنّهم لن يقبلوا بهذا النوع من الانتقادات"، التي تتعلق بحقوق الإنسان والاعتقالات التي تقوم بها بحق نشطاء حقوق الإنسان.
أما وزير العدل الكندي السابق ورئيس مركز راوول والينبيرغ لحقوق الإنسان، أروين كوتلر، فقد اعتبر أن الموقف الكندي يكشف للعالم عدم صدق دعوات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشأن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ويضيف في تصريح لتلفزيون "سي بي سي" الكندي، رصده "الخليج أونلاين": "إن الموقف السعودي هو بمنزلة هزيمة بقدر ما هو ظالم"، لافتاً الأنظار إلى أن "وليّ العهد السعودي يقول إنّه يتطلّع إلى أن تكون السعوديّة أكثر اعتدالاً وأكثر انفتاحاً، ويتطلّع إلى تعزيز التجارة والاستثمار.. في المقابل تعتقل السلطات السعودية نشطاء حقوق الإنسان، واعتقلت سمر بدوي التي تدعو إلى الدفاع عن حقوق المرأة وإلى ما يدعو إليه وليّ العهد"، كما قال.
- ماذا يعني "تدويل الاعتقالات" على السعودية؟
تسليط الضوء على الاعتقالات في السعودية بدأ من قبل نشطاء أو حسابات ترصد الأوضاع في المملكة، أو من من خلال تسريبات يقوم بها أهالي المعتقلين إلى وسائل الإعلام، والذي تؤكده لاحقاً السلطات السعودية أو وسائل إعلامها الرسمية، كما حدث مع العديد من المعتقلين، كما أن الرياض لا تنفي أي خبر من أخبار الاعتقالات التي تقوم بها ضد الدعاة أو الشيوخ أو رجال الأعمال ونشطاء حقوق الإنسان، بل تؤكده - كما حدث في رد فعلها على كندا – بالإشارة إلى أن الأمر "شؤون داخلية".
تقول الإعلامية الكندية مي أبو صعب، في تصريح إذاعي لها إن التقدير في أوتاوا حالياً هو أن سبب رد فعل السعودية هو قلقها من أن يؤدي الموقف الكندي إلى فتح ملف الاعتقالات وحقوق الإنسان دولياً، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة وإن اتخذت موقفاً أقل حدة من موقف كندا، فإنه كان مسانداً لها، بعد أن طلبت من السعودية معلومات عن معتقلي حقوق الإنسان.
وأشارت أبو صعب إلى أن موقف كندا قد يشجع دولاً أخرى حول العالم على المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، وتسليط الضوء أكثر على موضوع حقوق الإنسان وما يحصل داخل السعودية، وهو ما تعتبره الرياض ضرباً لجهودها في التغيير المتواصل منذ تولي الملك سلمان سلطات الحكم، والذي يتجاهل- بحسب منتقديها- موضوع حقوق الإنسان وحرية التعبير.
- عقوبات دولية
وفي حال دخول دول أوروبية أخرى على خط مطالبة الرياض برفع قبضتها عن المجتمع، والإفراج عن معتقلي الرأي، إلى جانب التركيز أكثر من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية والمؤسسات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة؛ فإن ذلك يفتح الباب للحديث عن فرض عقوبات على السعودية، كما هو الحال مع دول تنتهك حقوق الإنسان، وهو ما تحاول الرياض مواجهته من خلال قوتها المالية واستثماراتها حول العالم.
وقد تصل العقوبات التي تفرض على الدول في حال انتهاكها لحقوق الإنسان، كما حصل مع بعض الدول التي أقدمت على اعتقال معارضيها أو نشطاء سياسيين أو حقوقيين، إلى تجميد صفقات عسكرية أو اقتصادية، أو تجميد أصول مالية لشخصيات في تلك الدولة.
ويرى بعض المحللين المختصين بالشأن الخليجي أن السعودية تقامر بملف "حقوق الإنسان"، فإن أثمرت ردة الفعل التي قامت بها ضد كندا وألجمت دولاً أخرى عن الحديث بشأن الاعتقالات؛ فقد حققت المراد من هذا الإجراء. أما في حال أتى رد الفعل بإجراء معاكس لما تريده الرياض؛ فإن الأمر سيشكل ضربة استراتيجية للسعودية، تحتاج إلى جهود دبلوماسية هائلة للحد من آثارها.
وتشنّ السلطات في المملكة حملة واسعة على كلّ من لا يؤيّدون سياسة ولي العهد، حيث اعتقل العديد من العلماء والدعاة، كما اعتقل العديد من الناشطات اللاتي يطالبن بحقوق المرأة، ما جعل منظمات حقوقية دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، تندد بحملة الاعتقالات السعودية، وتطالب بإطلاق سراحهم فوراً.