الخليج أونلاين-
أثار قيام المملكة العربية السعودية، الشهر الماضي، بدعوة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية إلى عدم التعاون مع جمعية الإصلاح الكويتية بدعوى ارتباطها بالإخوان المسلمين، العديد من التساؤلات حول إصدار مثل هذه القرارات رغم حصول الجمعية على جوائز ملوك السعودية المرموقة، وتصدرها تقارير إقليمية ودولية من ناحية الشفافية وتقديم الخدمات الإنسانية للمحتاجين حول العالم.
ويرى المتابع للشأن الخليجي أن ظاهرة تصنيف الجمعيات الإنسانية والخيرية والمجتمعية في بعض دول الخليج على أنها "إرهابية" هي وسيلة ضغط جديدة تتبعها هذه الدول لأجل المقايضة والحصول إما على تنازلات في قضايا محلية أو إقليمية، أو ممارسة الضغوط السياسية والأمنية تمهيداً لقرارات من شأنها زيادة الشرخ بين المجتمعات والعوائل الخليجية، كما حصل في حصار دولة قطر الذي بدأ قبل أكثر من عام.
وبعد ممارسة السعودية والإمارات وسائل ضغط على جمعيات خيرية وإنسانية إقليمية وخليجية، يبدو أن خطط "شيطنة" المنظمات وصلت إلى جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت، قبل احتفالها يوم 22 يوليو 2018 بالذكرى الـ55 لتأسيسها.
وبدأت هذه الحملات منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم عام 2015 ونجله محمد ولاية العهد في المملكة، وأطلقت حملة مضايقات رافقها تصنيف منظمات وحركات إسلامية ودعوية على لائحة محلية للإرهاب، فضلاً عن إدراج علماء دين ودعاة عرب ومسلمين واعتقال العديد منهم داخل المملكة، بدعوى الارتباط بالإخوان المسلمين أو موالاتهم، رغم رفض الأمم المتحدة لهذه التصنيفات وعدم الاعتراف بها.
خطوة السعودية تجاه جمعية الإصلاح الكويتية، التي حازت على المرتبة الأولى عربياً في الشفافية والعمل الخيري والدعوي عام 2017، اعتبرها مراقبون للشأن الخليجي أولى خطوات التضييق على الكويت، كما حدث مع قطر ، من قبل الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة، حيث بدأت هذه الدول محاصرة الدوحة بنفس هذه المزاعم والادعاءات؛ لتتبعها بإجراءات سياسية صارمة.
رئيس الجمعية الكويتية، التي تحظى بدعم الحكومة، حمود الرومي، اعتبر أن الجمعية "صرح كبير بناه رجال صالحون بررة من رجالات الكويت وهم يتطلعون إلى نشر الفضيلة، والإسهام في تنمية المجتمع ونشر الخير والمعروف"، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، وهو ما يخالف ادعاءات السلطات السعودية وربطها الجمعية بالإخوان والإرهاب، ونسف تاريخ حافل بالعمل المجتمعي والإنساني والدعوي حول العالم.
وأضاف الرومي خلال مؤتمر صحفي عقده للإعلان عن احتفالية الجمعية بمرور 55 عاماً على تأسيسها، أقيمت برعاية أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أن رعاية أمير البلاد لهذا الحفل تأتي "تكريماً للجمعية والعاملين بها، وامتداداً لرعايته لجمعيات النفع العام الكويتية والعمل الخيري الكويتي، خصوصاً أنها تـأتي بالتزامن مع الاحتفاء العالمي به (أمير الكويت) كقائد للعمل الإنساني وبالكويت مركزاً إنسانياً".
وحصدت الجمعية الكويتية العديد من الجوائز السعودية، وكرمت من قبل المسؤولين السعوديين، وتتصدر صورهم واجهة موقع الجمعية وتقاريرها السنوية، إذ لم تشكك السلطات السعودية في أي نشاط للجمعية طيلة العقود الماضية رغم الاجتماعات الدورية الخليجية والدولية، وهو ما اعتبر مفاجأة بالنسبة لرئيس الجمعية وأعضائها.
ويوم 20 يوليو 2018، حذّرت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في السعودية الجمعيات الخيرية والمؤسسات ولجان التنمية الاجتماعية الأهلية في المملكة من التعامل مع جمعية الإصلاح؛ بدعوى ارتباطها التنظيمي و"المشبوه" بجماعة الإخوان المسلمين.
واعتبر التعميم السعودي أن "جمعية الإصلاح الكويتية بمثابة البنك الممول للإخوان، وواجهتهم الأولى في الكويت، إذ استخدمت الجمعية تاريخها الطويل في جمع التبرعات عبر إطلاق الشعارات العازفة على الوتر للكويتيين، ما أتاح لها جمع مبالغ طائلة كانت تنفقها على دعم التنظيم محلياً ودولياً".
ومنذ بداية حصار قطر 5 يونيو 2017، يحاول الإعلام السعودي وما يعرف بالذباب الإلكتروني عبر "تويتر"، شيطنة دولة الكويت ومحاصرتها على غرار حصار قطر، وهذا ما كشفه مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر.
وقال كوشنر خلال لقاء "عاصف" مع سفير الكويت في واشنطن الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح، إنه شخصياً كان وراء إقناع دول كثيرة بإبقاء الكويت وسيطاً في الأزمة الخليجية "رغم أن كثيرين أرادوا أن نصنفها كطرف"، بحسب صحيفة "الرأي" الكويتية في 6 يونيو الماضي. وذكر صهر الرئيس الأمريكي أن أمريكا تدافع عن الكويت في وجه من يحاولون تضخيم مساهمة جمعيات فيها أو أشخاص في دعم الإرهاب.
ويبدو أن تصريحات كوشنر قد فضحت مخططات دول حصار قطر تجاه الكويت، في وقت تناولت الصحف السعودية خبر جمعية الإصلاح لتحرفه وفق سياقات تتماشى مع سياسة ولي العهد محمد بن سلمان ومحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي في مهاجمة وشيطنة جماعة الإخوان المسلمين محلياً ودولياً وإقليمياً.
كما حاول الإعلام السعودي ربط الجمعية الكويتية بقطر من خلال دعوتها لاحتواء الأزمة الخليجية وحلها حينها، حيث دعت وسائل إعلام محسوبة على الحكومة إلى اتخاذ إجراءات شبيهة بإجراءات دول الحصار تجاه الدوحة.
ورغم التعميم الذي وجهته السلطات السعودية إلى وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد عبد اللطيف آل الشيخ، حول عدم التعامل مع الجمعية الكويتية، فإن الرومي أكد أن جمعيته ماضية في أداء رسالتها وهي النفع العام للمجتمع.
وأضاف: إن "المجتمع الكويتي الكريم يعرف لجمعية الإصلاح مكانتها وقدرها، والجمعية إذ تكمل عامها الخمسين، الذي جعلنا من أقدار الله في هذا البلد الخير لحمل الأمانة مع رواد الخير والمحسنين في بلدنا المعطاء الكويت".
وبيَّن الرومي أن "الجمعية ومنذ تأسيسها عام 1963 وهي تسير بخطا ثابتة شهدت اتساعاً كبيراً في أنشطتها داخل البلاد وخارجها وفق رؤيتها ورسالتها، مشيداً بشركاء النجاح في مسيرة الخير وإصلاح المجتمع بجهود أبناء الكويت البررة الذين بذلوا جهوداً غير محدودة للارتقاء بالعمل الخيري والاجتماعي، إذ اضطلعوا به من أجل وطنهم وتنميته عبر مشروعات تنموية فاعلة ترفع العناء والحاجة عن شرائح اجتماعية تستحق الدعم".
-علاقة الجمعية بالإخوان
من جهته، قال رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح الاجتماعي، خالد المذكور، إن الجمعية لم تقحم نفسها في أي قضية كانت لأي دولة، ولا تصدر أي بيانات سياسية تتعلق بالشأن الداخلي أو الخارجي، بما يعنيه مفهوم (سياسة الدول) في عرف السياسيين المختصين ومصطلحاتهم.
وأشار المذكور في لقاء سابق مع صحيفة "الرأي" الكويتية إلى أن الجمعية تمارس دورها الخيري والإنساني، "وهي كانت وما زالت من أنشط الجمعيات في مساعدة الشعوب الإسلامية، التي تتعرض للنكبات والحروب والكوارث، سواء في فلسطين أو في سوريا أو في اليمن أو في ميانمار أو أي منطقة في العالم، ولم تقحم نفسها في أي قضية كانت لأي دولة سوى دورها الخيري والإنساني، ووفق توجهات الدولة". كما أشار إلى أن الجمعية ساهمت طوال تاريخها في نشر مفاهيم وقيم الإسلام "المعتدل".
ورداً على مزاعم السلطات السعودية أن جمعية الإصلاح تتبنى فكر الإخوان المسلمين، أفاد المذكور بأن نص المادة الثانية من النظام الأساسي للجمعية الصادر بقرار وزاري من وزارة الشؤون، يعرّف الجمعية بأنها "هيئة إسلامية دعوية تعمل لتحقيق الصالح العام وتساعد في إصلاح المجتمع بالحكمة والموعظة".
والمادة الخامسة من نظامها الأساسي "نصت على الشروط الواجب توافرها في عضو الجمعية، وهي أن يكون مسلماً ذا سمعة حسنة ملتزماً بأحكام الإسلام، وأن يلتزم بنظام الجمعية ويعمل على تحقيق أهدافها، وكل من تكون فيه شروط العضوية بغض النظر عن انتمائه الفكري أو دوره التطوعي والمجتمعي، ما دام لا يتعارض مع اللوائح والقوانين المنظمة".
وشدّد المذكور على أن جمعية الإصلاح تولي أهمية خاصة للمرأة والنشاطات المتعلقة بها، لافتاً إلى أن من بين الأنشطة المتعلقة برعاية شؤون المرأة عامة والفتيات خاصة، الاهتمام بالمراكز والأندية النسائية، سواء كانت مراكز قرآنية أو تدريبية أو خيرية أو اجتماعية أو رياضية، وأندية الفتيات لكل المراحل العمرية، مثل نوادي أزيان والمروج، بالإضافة إلى مراكز التثقيف الشرعي والسنة النبوية.
- تداعيات الأزمة على الكويت وعُمان
السياسي العماني والأكاديمي عبد الله الغيلاني أكد أن دول حصار قطر (السعودية والإمارات والبحرين) غير راضية عن موقف الكويت وسلطنة عُمان من الأزمة الخليجية التي دخلت عامها الثاني، مشيراً في حوار مع "الخليج أونلاين" إلى أن مسقط والكويت ستتعرضان إلى ما تعرضت إليه الدوحة في 5 يونيو 2017، في إشارة إلى الحصار والمقاطعة التي فرضتها الدول الخليجية الثلاث.
وأضاف الخبير العُماني أن "عُمان والكويت ليستا بعيدتين عن الأزمة الخليجية، إذ إن موقفهما المحايد في الظاهر ، وإن كان في جوهره أقرب إلى رفض حصار قطر، لم يكن مقبولاً من قبل السعودية والإمارات".
وأعرب الغيلاني عن اعتقاده بأن الممانعة العُمانية الكويتية للإقصاء والامتهان والضغط الذي تعرضت له قطر، أحبطت الكثير من المشاريع؛ على رأسها الخيار العسكري الذي تم تنحيته، حسب ما أعلن أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، مؤخراً.
وأشار الأكاديمي العُماني إلى أن الدولتين الخليجيتين تصدّتا لخطة عزل الدوحة وإقصائها من مجلس التعاون الخليجي، وعملتا على إحباطها. ويدلّل على ذلك بحضور قطر القمة الخليجية التي استضافتها الكويت (ديسمبر 2017).
وتابع حديثه قائلاً: "هناك حالة من القلق والتوجس لدى الرأي العُماني والكويتي من تكرار سيناريو قطر في الدولتين"، معتبراً أنه في "حال حدث ذلك، فإن الخليج سيشهد مزيداً من التوتر وعدم الاستقرار". وهذا سيؤدي، بحسب الغيلاني، إلى "جعل المنطقة الخليجية سلعة في السوق الدولية، إذ إن دولها تتعرض إثر الأزمة لقدر كبير من الابتزاز الأمريكي مثلاً".
وأكد الغيلاني أن الدوحة استطاعت تجاوز مرحلة التهديد الوجودي الذي تعرضت له بداية الأزمة، عبر عقد تحالفات مع أنقرة، وتجديد أخرى مع واشنطن. كما نجحت في إيجاد بدائل خارجية، عبر تأكيدها للشراكة القطرية العُمانية وغيرها، ووظفت القوى الناعمة الإعلامية والدبلوماسية والأخلاقية والاستثمارية في تجاوز هذه الأزمة.