السلطة » خلافات سياسية

"المونيتور": تكاليف الدبلوماسية السعودية

في 2018/08/15

بروس ريدل - المونيتور- ترجمة شادي خليفة -

منذ صعود الملك "سلمان بن عبدالعزيز آل سعود" للعرش عام 2015، وصعود ابنه "محمد بن سلمان" أولا كوزير للدفاع ثم كولي للعهد، واجهت السياسة الخارجية للمملكة خيارات صعبة في منطقة محفوفة بالمخاطر. ومع استثناءات نادرة، تحرك السعوديون من قرارٍ سيء إلى آخر. لذا لم يكن التوتر مع كندا بعيدا عن القرارات الدبلوماسية التي تؤذي بها المملكة نفسها.

لكن لا يزال أول قرار صعب من جانب القيادة الجديدة هو الأسوأ، حين قررت التدخل في الحرب الأهلية اليمنية. وبدافع الشعور بالقلق من أن تحكم إيران سيطرتها على اليمن، وقعت القيادة السعودية الجديدة عديمة الخبرة في حالة من الذعر، حين كان "الحوثيون"، الشيعة الزيديون، على أعتاب أخذ مدينة "عدن"، المدينة الرئيسية الأخيرة خارج سيطرتهم. وتحولت عملية "عاصفة الحزم" إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم في عصرنا هذا. وكان القصف السعودي لحافلة مدرسية هذا الأسبوع دليلا آخر على الصعوبات التي يواجهها التحالف السعودي في تفادي وقوع إصابات بين المدنيين خلال شن الغارات الجوية على أهداف في بلد فقير ومتخلف.

وتواطأ اثنان من الرؤساء الأمريكيين في الحرب، وقدموا الدعم السياسي والعسكري للتحالف السعودي، وهي نقطة سوداء في تاريخ بلدنا. ونفس الأمر بالنسبة للمملكة المتحدة. ولا توجد نهاية في الأفق لتلك الحرب، وقد أصبح الانهيار التام لأفقر دولة في العالم العربي نتيجة محتملة بشكل متزايد، وفقا للأمم المتحدة.

وكان المقصود من الحصار المفروض على قطر تحقيق انتصارٍ سعوديٍ سريع. وتم إخراج الأمير القطري خارج عباءة الإسلام الوهابي، ثم تم عزله تماما. وكما هو الحال في اليمن، لم يكن لدى القيادة السعودية مفهوم واضح حول كيفية تنفيذ قرارها. وكان للرياض وحلفائها هدفا، لكن دون خطة جدية لتحقيق ذلك الهدف. وتشير بعض الأدلة الموثوقة إلى أنهم كانوا يخططون لغزو عسكري لدولة قطر، لكن وزير الخارجية الأمريكي "ريكس تيلرسون" قد عارض هذه الخطة (ربما بدون علم الرئيس دونالد ترامب).

وانتهى الأمر بالسعوديين في مستنقعات مفتوحة ومكلفة في اليمن وقطر، دون وجود استراتيجية لتحقيق النجاح. ولحسن حظ الرياض، فإن القائد المعتاد للمجتمع الدولي، أمريكا، في ظل إدارة "ترامب"، تتغافل إلى حد كبير عن الضرر الذي حدث. وكان النجاح الأكبر للديوان الملكي السعودي يتمثل في التودد لرئيسٍ لا يهتم بحقوق الإنسان أو الكوارث الإنسانية أو الاستقرار الإقليمي. وقد تعززت العلاقة بين زيارة "ترامب" للرياض العام الماضي ورحلة الأمير "محمد" إلى الولايات المتحدة هذا العام.

وتنظر الصحافة الأمريكية والغربية إلى "بن سلمان" على نحو متزايد باعتباره مستبدا لا يستطيع تحمل أي معارضة، بدلا من كونه مصلحا يفتح البلاد على القرن الـ21. فهو لا يتسامح مع أي نقد أو معارضة، حتى وإن كان الرأي المخالف من نساء قاتلن من أجل الحق في القيادة في البلد الوحيد في العالم الذي جعل القيادة قضية قائمة على أساس الجنس.

وفي الواقع، توصل مجتمع الأعمال الدولي إلى استنتاج مختلف تماما حول سياسات البلاد، خاصة في أعقاب حملة الأمير التي اعتقل فيها المئات الخريف الماضي بدون تهمة، ثم أجبرهم على تسليم أصولهم إلى الحكومة. وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة بنسبة 80%، ليصل من أكثر من 7 مليارات دولار في عام 2016 إلى 1.4 مليارات دولار في عام 2017، بحسب الأمم المتحدة، بهبوط أكبر من أكثر من 12 مليار دولار عندما كان الملك "عبدالله" لا يزال على العرش. وقد اجتذبت كل من الأردن وعمان استثمارات أجنبية في العام الماضي أكثر من المملكة العربية السعودية. وانخفض عدد الشركات العاملة في المملكة أيضا بشكل ملحوظ، بسبب المخاوف من سيادة القانون والاحتجاز التعسفي، الأمور التي شجعت أيضا هروب رأس المال.

ويعد الاستثمار الأجنبي أمرا حاسما لطموح السعودية في تنويع الاقتصاد وخلق مدن جديدة. وتحتاج "رؤية 2030" إلى استثمارات أجنبية قوية.

ويعد القرار السعودي بطرد السفير الكندي من الرياض، وتجميد الروابط التجارية، وسحب 15 ألف سعودي من المدارس والمستشفيات الكندية، ردا على وزيرة الخارجية الكندية، التي احتجت على اعتقال الناشطات، دعوة سيئة أخرى من القيادة السعودية. وسوف تتوقف الرحلات الجوية السعودية إلى كندا في 14 أغسطس/آب. وهذه خطوة متهورة تماما؛ حيث سيعاني السعوديون أكثر من الكنديين من تعطل حياتهم.

ولا شك في أن الرياض مسرورة برد واشنطن الضعيف على التحركات السعودية. فلقد أظهرت الإدارة مرة أخرى تجاهلها التام لحقوق الإنسان. لكن السعوديين لم يحظوا بدعم ملموس من حلفائهم العرب في المقاطعة الكندية.

وتمثل الجزء الأكثر إثارة للقلق من الحرب السعودية على كندا في تغريدة تمت إزالتها بسرعة، لكنها أثارت أسئلة عميقة حول المملكة وقيادتها الحالية، وهي أسئلة كان يجب على "سلمان" وابنه تجنبها. وعرضت التغريدة، التي تم نشرها باللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية، صورة لطائرة ركاب تتجه إلى أعلى مبنى في "تورنتو"، ورافقها تهديد ضد أي شخص ينتقد المملكة.

وكانت الرسالة واضحة، وهي أن تورنتو ستعاني من هجوم إرهابي كارثي مثل 11 سبتمبر/أيلول. وكانت أيضا بمثابة تأييد ضمني لهجمات "القاعدة" عام 2001 على أمريكا.

ويجب على أجهزة الاستخبارات الأمريكية والكندية البحث عن إجابة لمن نشر مثل هذا التهديد. ولقد ربطت الصحافة الحساب المغرد بالديوان الملكي السعودي، لكن هذا غير مؤكد حتى الآن.

ويشبه هذا التشابك إلى حد كبير توتر مماثل مع السويد العام الماضي. وحتى الآن، يتمسك رئيس الوزراء الكندي "جاستين ترودو" بقوة بالموقف الكندي. وربما يجب أن يذهب إلى أبعد من ذلك ويعلق صفقة الأسلحة التي تبلغ قيمتها 12 مليار دولار في كندا، التي تسمح ببيع مركبات القتال المدرعة إلى المملكة، حتى توقف المملكة حربها في اليمن. ومن شأن هذا أن يثير قلق السعوديين.

وعلى أمريكا أن تقف مع صديقتها وحليفتها، وأن تعلق إمدادات الأسلحة الخاصة بها إلى المملكة، حتى توقف الحرب.