سايمون هندرسون- معهد واشنطن-
يبدو أن الدبلوماسية الهادئة هي العلاج الحالي للنزاع الذي اندلع بين السعودية وكندا في الثالث من آب/أغسطس على أثر إقدام وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند على نشر تغريدات عبّرت فيها عن قلق شديد إزاء الناشطين الاجتماعيين المعتقلين في المملكة، داعيةً إلى الإفراج عنهم فوراً. لكن ما الذي يجب أن يكون هدف تلك الدبلوماسية الهادئة؟ هذا هو التحدي.
يبدو أن النزاع - الذي دفع بالرياض إلى تعليق العلاقات الدبلوماسية، وطرد السفير الكندي، ووقف الرحلات السعودية المباشرة، وإلغاء المنح الدراسية لنحو 15 ألف طالب سعودي في الجامعات الكندية وغيرها من الخطوات - يشبه إلى حدّ كبير لعبة حرب غريبة على نحو خيالي دامت يومين بقيادة مركز أبحاث موثوق بناءً على طلب أحد الأجهزة الاستخبارية.
لكن الأمر حقيقي.
يبدو أن التغريدات الكندية قد أثارت غضب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الملك العتيد للسعودية، الذي يبلغ الثالثة والثلاثين من عمره هذا الشهر. وينتقد أحدهم ولي العهد، على مسؤوليته الخاصة، لذلك أنا ممتن لكلمات علي الشهابي، الذي هو من بين الأصوات الموالية للسعودية في واشنطن العاصمة، الذي كتب في صحيفة "نيويورك تايمز": "بالنسبة إلى العديد من المراقبين، ولا سيما في الغرب، تُعتبر هذه الحادثة دليلاً على أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ليس المصلِح الذي يدّعي أنه يضطلع بدوره، بل هو بالأحرى استبدادي مندفع. وهذا أمر مفهوم".
ويشرح الشهابي أن سياق فهم رد فعل محمد بن سلمان هو القلق على مكانة واعتبار شخصه وبلاده - وهو ما يدعوه العلماء المسلمون الكلاسيكيون "الهيبة". ولعل هذا صحيح.
لكنني أعتقد أن كندا لم تضرب على وتر حساس واحد فقط. أولاً، محمد بن سلمان لا يحب الانتقاد أو حتى أي تعليق سلبي غير مباشر. (فمن أجل ألا يبدو أنه يستجيب للضغوط السياسية، أمَرَ باعتقال الناشطة في مجال حقوق النساء سمر بدوي، كي لا يظنّ الناس أن خطواتها المتعلقة بالسماح للمرأة بقيادة السيارة قد أدّت إلى ما يعتبره خطوةً تقدمية خاصة حملت توقيعه حتى الآن: ألا وهي رفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات).
ثانياً، تمثلت العلاقة التجارية الرئيسية مع كندا لسنوات عديدة في تزويد "الحرس الوطني" السعودي بعربات مدرّعة خفيفة. وقد جعلت هذه العربات المدرّعة لكن المدولبة وليس المجنزرة، "الحرس الوطني" من بين القوات القتالية الأكثر كفاءةً في المملكة، حيث اشترى حوالي 2500 عربة مدرعة.
نظرياً، إن "الحرس الوطني" السعودي هو القوة التي تحمي العائلة المالكة من أي انقلاب قد ينفّذه الجيش السعودي. وقد خضعت لقيادة العاهل الراحل الملك عبدالله لعدة سنوات، ومن ثم نجله متعب بن عبدالله. يُذكر أن محمد بن سلمان يبغض أبناء عبدالله، وكان أحدهم على الأقل محتجزاً في فندق "ريتز كارلتون" في الرياض وما زال محتجزاً في سجن ناءٍ لرفضه تقديم صكّ بمبلغ كبير إلى الخزانة السعودية لتسديد قسم كبير من الأموال التي اكتسبها حين كان والده في السلطة.
إذاً كيف يمكن كسر مأزق غضب محمد بن سلمان وحقده؟ الحل في يد الملك سلمان، والد ولي العهد، البالغ من العمر 82 عاماً والذي يرفض أن يتم تهميشه رغم صحته الضعيفة.
فحين تبيّن أن محمد بن سلمان كان "يسابق الأحداث" ويركّز على خططه خلال زيارته إلى الولايات المتحدة هذا العام، حيث أوضح للأشخاص الذين اجتمع بهم وراق أبواب مغلقة، ليس فقط برغبته في التوصل إلى سلام مع إسرائيل، بل أيضاً في الشراكة التجارية والتكنولوجية [معها]، استضاف الملك سلمان قمةً عربية. وقد دفع اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل بالملك إلى إطلاق تسمية "قمة القدس" على اللقاء. وفي معرض تشديده على هذه النقطة، قال العاهل السعودي مؤخراً إن القدس ستبقى عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وفي اعتقادي أن ننتظر ردّ فعل عائلات الطلاب الذين تعطلت دراستهم في كندا. فالمنح الدراسية الحكومية تركّز حالياً على طلاب الهندسة والطب؛ ومن المرجح أن تشكّل عائلاتهم كتلةً مهمة ومؤثرة في المجتمع السعودي، وهي تشعر بالاستياء من القرار المفاجئ للأمير محمد بن سلمان.
وصحيح أن الأمير محمد بن سلمان هو مستقبل السعودية، لكن الملك الحالي لا يزال الشخصية الأهم. كما أن العربات المدرعة الخفيفة المقدمة إلى "الحرس الوطني" السعودي تشكّل جزءاً مهماً من عتاد جيش المملكة. ومن شأن الدراما الكندية أن تصبح قريباً مثيرةً للاهتمام، من حيث السياسة الداخلية السعودية.