السلطة » خلافات سياسية

الملك "سلمان" يسحب مكابح نجله مرتين.. 7 دلالات مهمة

في 2018/08/29

الخليج الجديد-

وأخيرا امتدت اليد الوحيدة التي تستطيع إيقاف الكرة المتدحرجة بسرعة عالية، أو على الأقل تحجيم سرعتها، والتي أطلقها ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" خلال السنوات القليلة الماضية، وتسببت في هزة داخل المملكة والمنطقة بل والعالم.. هكذا يلخص مراقبون ومحللون مشهد القرارات الأخيرة للعاهل السعودي، الملك "سلمان" والتي أوقف بموجبها قرارات وتوجهات "استراتيجية" لنجله وولي عهده الأمير الشاب "محمد".

وفي لحظة تهاوت فيها جميع الحواجز أمام ولي العهد البالغ من العمر 32 عاما والجامح إلى العرش بقوة مصرا على إزالة كل من يعترضها أيا كانت مكانته داخليا أو خارجيا، كان السؤال الملح هو: أين الملك؟ وتطور إلى: "من يحكم السعودية الآن.. الملك أم نجله؟" و"هل حدث ما جعل الملك سلمان غير مؤهل لحكم المملكة؟"، وانتشرت تقارير عن مشكلات مرضية جعلت الأب غير مبال بما يحدث حوله، لأنه لا يعرفه من الأساس، لكن كل ذلك كان مجرد تكهنات.

"صفقة القرن" واكتتاب "أرامكو"

نتحدث هنا عن قرارين واضحين كان بطلهما، الملك "سلمان" وأديا إلى إبطال قرارين استراتيجيين لولي العهد، أحدهما كان من المنتظر أن يغير شكل المنطقة ويؤثر على كافة دولها، وهو قرار "صفقة القرن"، أما الآخر فكان أكبر قرار اقتصادي سعودي اهتم به العالم، وهو الطرح الجزئي من أسهم العملاق السعودي النفطي الأول بالعالم "أرامكو" للاكتتاب في بورصات عالمية، وهو قرار كان يشمل حجر زاوية في رؤية تبناها ولي العهد، وأطلق عليها "رؤية 2030" لتطوير الاقتصاد بعيدا عن أسعار النفط.

في أواخر يوليو/تموز الماضي، قالت مصادر سعودية إن "بن سلمان" اعتذر مرتين، على الأقل، هذا الشهر، عن لقاء صهر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وكبير مستشاريه "جاريد كوشنر"، بسبب معارضة الأول بعض النقاط في "صفقة القرن"، وهو الأمر الذي قابله "كوشنر" بمزيج من الذهول والغضب، حيث كان "بن سلمان" موافقا على كافة بنود الخطة الأمريكية لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كمقدمة لتطبيع استراتيجي ومؤبد بين العرب و(تل أبيب).

لكن موقع "تاكتيكال ريبورت" الاستخباراتي كشف أن تراجع ولي العهد السعودي عن حماسته وإلغاء موافقته على الصفقة والتي جاءت بعد أن "نصحه" والده الملك "سلمان" بعدم الاندفاع في الأمر، حتى لا تفقد المملكة دورها الريادي في القضية الفلسطينية.

مراقبون رأوا أن لفظ النصيحة هنا استخدم لأغراض دبلوماسية، وفي واقع الأمر تشير مصادر إلى أن الملك كان غاضبا وحاسما وهو يتحدث عن الخسائر المحتملة التي يمكن أن تسببها موافقة السعودية على تلك الصفقة، وهي خسائر غير قابلة للترميم في سمعة المملكة ودورها الإقليمي، لاسيما في القضية الفلسطينية، وهذا هو ما وصل الملك عن طريق مقربين له باتوا يتحسسون خطرا من "اندفاع" ولي العهد وحماسته غير المدروسة، رغم تأييدهم لشخصيته واستراتيجيته بشكل عام.

 بقية الحديث تشير إلى أن الملك أحضر نجله وولي عهده وخاطبه بلهجة حاسمة، محذرا إياه من "الخروج عن سياسات المملكة حول شؤون الشرق الأوسط ولا سيما مسألة الصراع العربي الإسرائيلي"، وهي سياسات بنتها السعودية على أساس التدرج الهادئ وليس الصدمة التي يعشقها "بن سلمان"، ويرى فيها استراتيجية ناجعة لإقرار الأمور.

وما هي إلا أيام، حتى خرجت صحيفة "معاريف" العبرية لتؤكد أن الملك "سلمان" وجه رسالة إلى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أكد فيها رفضه لأي صفقة لا تعالج ملفي القدس واللاجئين الفلسطينيين.

والثلاثاء 28 أغسطس/آب، نشرت "رويترز" نقلا عن مصادر سعودية مطلعة على بواطن الأمور" أن الملك "سلمان" اتخذ قرارا "لا رجعة فيه" بوقف الاكتتاب الأولي لشركة "أرامكو"، والتي كانت فكرة أصيلة لولي العهد، وركنا ركينا من رؤيته للتغير والتطوير.

وبحسب المصادر، اتخذ الملك قراره بعد أن التقى العاهل السعودي بأفراد في الأسرة الحاكمة، ومصرفيين، ومديرين كبار في قطاع النفط، من بينهم رئيس تنفيذي سابق لشركة "أرامكو" (لم يذكر اسمه)، ودارت تلك المشاورات خلال شهر رمضان الذي انتهى في منتصف يونيو/حزيران الماضي.

وقالت المصادر إن الشخصيات التي حاورها الملك، أبلغته أن الطرح الأولي لن يكون في صالح المملكة، بل إنه قد يؤثر سلبا عليها.

وذكرت المصادر أن الهاجس الرئيسي لدى هذه الشخصيات، تمثل في أن الطرح العام الأولي سيدفع "أرامكو" للإفصاح الكامل عن كل تفاصيلها المالية.

دلالات مهمة

يمكن أن نخلص ما سبق كله بعدة نقاط مهمة:

1- من الواضح أن هناك دوائر داخل المملكة، وقد تكون خارجها أيضا، تسعى لكبح جماح "بن سلمان" بعد أن شعرت بخطر يتهدد أوضاعا استراتيجية بنتها السعودية محليا وإقليميا ودوليا، بعد أن وصلت أزمات ولي العهد الشاب إلى أوروبا وحتى كندا، مرورا باليمن وقطر ولبنان، وليس انتهاء بالانقلاب الذي نفذه لصالحه داخل البيت السعودي نفسه.

2- علمت تلك الدوائر أن الشخص الوحيد الذي يمكنه قول "لا" لـ"بن سلمان" هو الملك نفسه، حيث لا يملك ولي العهد معارضة قراراته أو الضرب بها عرض الحائط، نظرا للصفة الملكية أولا، ثم المكانة المعنوية الهائلة التي لا يزال يتمتع بها منصب الملك في السعودية حتى بين الشعب السعودي وليس فقط الأسرة الحاكمة.

3- لا ينبغي أن تدفع تلك التطورات إلى الحديث عن خطورة على مستقبل ولي العهد السياسي في الجلوس على عرش المملكة، ويرى مراقبون أن هذا الأمر مسلم به، فالملك مؤمن وبشدة بابنه ومصر على إيصاله إلى العرش، لكنه فقط يبقى أقل اندفاعا من نجله في معالجة الأمور، ويميل إلى نمط الحكم السعودي المعتاد الذي يغير ببطء ويخشى المغامرات التي لا تتناسب مع حجم المملكة وثقلها السياسي والجغرافي والديني.

4- ما حدث يكرس صورة "بن سلمان" على أنه شاب بلا خبرة ومتحمس لتغيير كل شئ دون دراسة العواقب، ويرى كثيرون أنه ورط الرياض في أمور عديدة بقرارات غير مدروسة، أبرزها القرارالمتعجل بشن الحرب على اليمن، وحصار قطر، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني، مما أثار غضبا دوليا ضد المملكة.

5- يمثل تحرك الملك ضد توجهات نجله في ملفي "صفقة القرن" و "اكتتاب أرامكو" نقطة ضعيفة يمكن أن يستغلها خصوم ولي العهد في المملكة وخارجها، وهم كثر حاليا، لحصد المزيد من النقاط لصالحهم على حسابه، لكن الأمر يتوقف على قدرتهم على زعزعة إيمان الملك بنجله وثقته به التي لا تزال كبيرة، رغم كل ما حدث.

6- بالنظر إلى قوة هؤلاء الخصوم لا يجب الاستهانة بأي احتمال، فـ"بن سلمان" الآن أصبح يعارضه عدد من الأقوياء داخل الأسرة الحاكمة، وزعماء إقليميين ودوليين لهم ثقل وتأثير على رأس الهرم السعودي.

7- بداية تدخل الملك "سلمان" ضد نجله تشير إلى أن التوقعات حول قدرة "بن سلمان" على تحقيق خطة التحول التي أطلقها باتت متواضعة، وأصبح واضحا أن الهوة كبيرة بين الدعاية التي تحيط به وبين ما يمكن تطبيقه على الأرض.

يبقى السؤال الأهم، هو "ماذا بعد؟"، وهل ستطال ذراع الملك قرارات أخرى لنجله بمعول الهدم؟ نتحدث هنا عن قرارات مثل حرب اليمن وحصار قطر إقليميا، وإطلاق يد الليبرالية داخليا على حساب التوجهات المحافظة.

واقعيا، تبدو المبررات التي يمكن أن يسوقها خصوم "بن سلمان" إلى والده لإجهاض تلك القرارات قوية، قياسا إلى المشكلات التي سببتها الحرب في اليمن وحصار قطر إلى المملكة على المستوى الإقليمي والدولي، وها هي "الأمم المتحدة" تلمح إلى "جرائم حرب" للسعودية باليمن، و"الاتحاد الأوروبي" يبدي امتعاضه من سياسات ولي العهد، والولايات المتحدة بدأت تراجع الأمور كليا.

 ثمة سؤال مهم آخر يجدر البحث عن إجابة له، كيف سيرد ولي العهد "الشرس" على تلك التطورات؟، تشير تقديرات إلى أن الأمير الشاب لن يصمت أمام "لوبي" يبدو قويا لدرجة التأثير على والده الملك ودفعه إلى التدخل لإجهاض بعض قراراته الاستراتيجية، ويبقى السؤال ما الذي يمكن أن يفعله ولي العهد أمام والده الملك؟.