السلطة » خلافات سياسية

"نيوزويك": "محمد بن سلمان" يسحر الغرب.. ويصدر القمع بالداخل

في 2018/09/01

رولا جبريل - نيوزويك-

في أوائل مارس/آذار الماضي، كان ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، في قصر "باكنغهام" لتناول طعام الغداء مع الملكة "إليزابيث الثانية".

وكانت هذه أول زيارة رسمية للشاب البالغ من العمر 32 عاما، ورافقتها تغطية صحفية متوهجة؛ حيث وصفته "التليغراف" بأنه "ثوري!".

وأحب المحافظون البريطانيون اقتراح "بن سلمان" لخصخصة جزء في شركة "أرامكو" السعودية، شركة النفط التابعة للدولة، وإدراجها في بورصة لندن، ورأوا أنها خطوة يمكن أن تدعم الاقتصاد البريطاني المتدهور، ما عزز من سمعة ولي العهد السعودي كمصلح اقتصادي.

وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، كان "بن سلمان" في المكتب البيضاوي مع الرئيس "دونالد ترامب"، تلاها وفقات في لوس أنجلوس ونيويورك وهيوستن ووادي السيليكون وسياتل، للقاء نخبة هوليوود والنخبة التقنية، بما في ذلك "أوبرا وينفري"، و"إيلون ماسك"، ومديري جوجل.

وكانت هذه الجولة الكبرى أول مناسبة دولية له كولي للعهد.

وقد تنازل له والده الملك "سلمان"، البالغ من العمر 82 عاما، عن بعض سلطاته، العام الماضي، مشيدا بـ"رؤية 2030"، خطة "بن سلمان" للتحرير الاجتماعي والاقتصادي.

وفي تصريحات ولي العهد العلنية، على الأقل، يؤيد وجهة النظر القائلة بأن السعودية لا تستطيع البقاء إلى الأبد معتمدة على دبلوماسية "دفتر الشيكات" في الخارج، والرفاهية التي توفرها الحكومة في الداخل.

وتشمل أهداف الرؤية تخفيف اعتماد البلاد على صادرات النفط، والاستثمار في التعليم والترفيه والسياحة، وتنشيط الاقتصاد، جزئيا من خلال دعم المرأة في القوى العاملة.

وأدى مرسوم يسمح للنساء بقيادة السيارات، والذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران، إلى تعزيز صورة "بن سلمان" الدولية كمصلح.

وكان اعتقال 12 من أقاربه ووزرائه، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بتهمة استغلال صفقات الحكومة في "التربح غير المشروع"، قد تم ترويجه دوليا كحملة للتطهير ضد الفساد، وأضافت هذه الحملة ما يقدر بنحو 100 مليار دولار إلى الأموال الخاضعة لسيطرة الأمير.

البحث عن الصورة 

ويسافر الأمير حول العالم ويتحرك من أجل صقل ملفه "التقدمي"، الذي تم ترويجه بعناية لمعالجة واحدة من المشاكل الرئيسية للمملكة، وهي صورتها المضطربة التي لم تتعافَ تماما من أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وهي الهجمات التي نفذها مواطنون سعوديون.

وكان تقرير الكونغرس، الصادر عام 2016، الذي رُفعت عنه السرية، ذهب إلى أبعد حدود الإدانة للسعوديين؛ حيث ذكر أن الإرهابيين ربما تلقوا دعما من أفراد على صلة بالحكومة السعودية، كما أن برقية صدرت عام 2009 من وزيرة الخارجية آنذاك، "هيلاري كلينتون"، قالت: "لقد كان هناك تحد مستمر لإقناع المسؤولين السعوديين بمعاملة تمويل الإرهاب المنبثق عن المملكة كأولوية استراتيجية".

وتتمثل الأولوية الاستراتيجية لولي العهد في دفن هذه الرواية من خلال التحول إلى قصة جديدة؛حيث تتحول المملكة إلى أمة تستقطب الغرب، وتجذب الاستثمارات الأمريكية، وتشتري الأسلحة لمواجهة الأعداء المشتركين.

ولعب دورا مثيرا للإعجاب، متجنبا الملابس الملكية السعودية التقليدية خلال معظم رحلته في الولايات المتحدة، ومرتديا الجينز لمقابلة المدير التنفيذي لفيسبوك، "مارك زوكربيرغ".

وفي كل محطة توقف فيها في الولايات المتحدة، اهتمت وسائل الإعلام بتغطية الزيارة.

وتدفقت كلمات "فوكس نيوز" عن "الحداثة والتحرير"، وقالت "سي إن إن" إن السعودية هي "أكثر الأسواق الناشئة سخونة في الوقت الحالي"، ونشرت "ميديا ​​​​إنك" مجلدا كاملا بقيمة 14 دولارا مخصصا للحديث عن ولي العهد.

الاستبداد في الداخل

لكن الصحفيين فشلوا في السؤال عن وقائع سجن السعودية للنساء، مثل "سمر بدوي" و"نسيمة السادة"، اللواتي كن يقمن بحملات من أجل الحق في القيادة، وعشرات الناشطين الآخرين في مجال الحقوق المدنية.

كما لم يسألوا عن الكارثة الإنسانية التي سببتها حرب السعودية في اليمن، أو حول مئات الملايين التي أنفقها ولي العهد في الماضي القريب على الممتلكات الشخصية، وكيف تتناقض مع سرده للإصلاح الاقتصادي المسؤول.

وتقول عالمة الأنثروبولوجيا السعودية، "مضاوي الرشيد": "لقد استخدم السعوديون كل مواردهم لخنق أي تحرك ديمقراطي في العالم العربي، ومع كل الضجة الإصلاحية، فإن بن سلمان يقود نظاما استبداديا لا يسمح بأي معارضة".

ولا يزال المدون الليبرالي، "رائف بدوي"، قابعا في السجن، إلى جانب محاميه والناشط الحقوقي "وليد أبو الخير".

وتم اعتقال "نهى البلوي"، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة نشرت مقاطع فيديو تتحدى تطبيع العلاقات السعودية مع (إسرائيل)، في فبراير/شباط الماضي.

ودعا ممثلو الادعاء السعوديون إلى إعدام متظاهرة أخرى تدافع عن حقوق الإنسان، وهي "إسراء الغمغام"؛ بسبب مشاركتها في احتجاجات سلمية.

وتم حبسها لمدة 32 شهرا دون السماح لها بالاتصال بمحام.

وفي هذه الأثناء، لا يزال الدعاة الأكثر تشددا يحظون بنفوذ كبير، وما زالت الأيديولوجية الوهابية المتشددة، التي غذت التطرف في العالم الإسلامي، تمثل مصدرا رئيسيا للتشريع السعودي.

وهناك قائمة طويلة أخرى من الضحايا الشيعة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، الذين تعرضوا للتعذيب أو الإعدام، أو اختفوا ببساطة؛ "لأن أفكارهم خطيرة بالنسبة للنظام، ولا يمكنه تحمل أي نقد"، كما تقول "الرشيد".

ولا تظهر الديمقراطية على جدول أعمال ولي العهد.

وفي الواقع، إنه يجسد الثورة المضادة التي أخمدت الشعلة الديمقراطية التي اشتعلت لفترة وجيزة خلال الربيع العربي.

وسعي هو وحلفاؤه من الزعماء المستبدين في الشرق الأوسط، دون هوادة، إلى إعادة تنشيط النظام الإقليمي الاستبدادي.

أبوظبي.. المثل الأعلى

ولفهم القيادة المثيرة للإعجاب لـ"بن سلمان"، يجب أن تبدأ بأبوظبي، عاصمة الإمارات.

وفي الخيال الغربي، تساوي الإمارات صورة ناطحات السحاب الكبرى ومراكز التسوق الفاخرة، ونادرا ما يتم استحضار ذكر ولي عهدأبوظبي، "محمد بن زايد".

وتم وصف "بن زايد" في رسالة دبلوماسية أمريكية مسربة بأنه "كاريزمي، وذو دهاء، ومريح جدا بالنسبة للغرب"، وكان المرشح المفضل لواشنطن في العرش عندما خلف أخوه "خليفة" أباهما، لكن مرض "خليفة" نفسه جعل "بن زايد" هو الحاكم الفعلي لدولة الإمارات منذ 10 أعوام على الأقل.

وسرعان ما وسع الطيار السابق، البالغ من العمر 57 عاما، من الإنفاق العسكري والدفاعي لدولة الإمارات.

وتعد البلد الآن واحدة من أكثر الدول إنفاقا عسكريا في العالم.

ولكن بفضل التلاعب الإعلامي الذي يمارسه "بن زايد"، فإن المفهوم الشائع هو أن الإمارات قوة متعددة الثقافات ومتسامحة ومنفتحة.

وفي أواخر 2010، بدأت ثورات الربيع العربي في تونس، وانتشرت بسرعة إلى مصر.

وشعر "بن زايد" بالرعب من إمكانية اجتياح الديمقراطية للشرق الأوسط، وتسلم جماعة "الإخوان المسلمين"، أكبر حركة سياسية في العالم العربي، السلطة.

وأثار ذلك خوف "بن زايد"، الذي استعان بمجموعات مثل "هاربر جروب" ومجموعة "كامستول" في حملته المكثفة للضغط والتخويف من الربيع العربي وحكم الإخوان في الغرب.

وبحلول 2012، كان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية، "أنور قرقاش"، يقدم إحاطات خاصة للصحفيين الغربيين، واصفا الإمارات بأنها جزيرة من الاستقرار والتسامح في منطقة تواجه مخاطر وتقلبات.

وانتقد المجلس الوطني للإعلام، الذي تديره الدولة، بشدة حكومة مصر، التي يقودها الإخوان، والتي تم انتخابها في أول انتخابات حرة ونزيهة في البلاد عام 2012.

ورافضا لقبول قرار الناخبين في مصر، أطلقت "بن زايد" جهدا عدوانيا لاستعادة الحكم العسكري إلى السلطة في القاهرة.

وكانت الاحتجاجات التي مهدت الطريق لانقلاب مصر عام 2013 قادتها حركة تدعى "تمرد"، وظهر فيما بعد أنه تم تمويلها بشكل كبير من قبل الإمارات.

ووضع الانقلاب "عبد الفتاح السيسي" في منصب الرئاسة، وسرعان ما جمد الدستور.

وبعد شهر من الانقلاب، ارتكب "السيسي" مذبحة راح ضحيتها قرابة 1000 من المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية وكوادر جماعة "الإخوان المسلمين" في "ميدان رابعة" (شرق القاهرة).

وبحلول مايو/أيار 2014، كان هناك ما يقرب من 41 ألف من السجناء السياسيين في السجون المصرية.

وكانت واشنطن ولندن دعمتا في البداية الديمقراطية في مصر، لكن ردهما على أعمال العنف التي شنتها الدولة في عهد "السيسي" كان متواضعا.

وفي تسجيلات مسربة من 2014، بين أحد كبار مساعدي "بن زايد"، وهو "سلطان الجابر"، والجنرال المصري "عباس كامل"، طلب رجل "السيسي" الحصول على المزيد من المال الإماراتي، لمساعدة الدكتاتور الجديد على إدارة اقتصاده الفاشل.

وتم استخدام أساليب مشابهة لتقويض الديمقراطية في تونس؛ حيث بثت قنوات تلفزيونية مملوكة للقلة الحاكمة في الإمارات أن حزب "النهضة"، الحزب الذي فاز بأول انتخابات حرة في تونس عام 2011، كان جزءا من مؤامرة لـ"الإخوان المسلمين" لفرض الشريعة الإسلامية. 

وفي الداخل، قمعت الإمارات الفرع المحلي لجماعة "الإخوان المسلمين" "جمعية الإصلاح"، واصفة إياها بأنها منظمة إرهابية.

وفي عام 2013، تم سجن ما مجموعه 94 ناشطا إماراتيا؛ من بينهم محامون وقضاة ومدونون وطلاب وأمير، بتهم "التآمر".

وفي 2015، منحت وفاة العاهل السعودي الملك "عبدالله بن عبدالعزيز"، عم "بن سلمان"، الفرصة الأكبر لـ "بن زايد" للهيمنة على النموذج القديم للدبلوماسية الخليجية، التريث والحذر، الذي يهتم في المقام الأول بتقديم جبهة موحدة.

وأمضى "بن سلمان" وقته مع "بن زايد" منذ سن المراهقة، ويتشاطر الاثنان نفاد الصبر على حذر جيل الآباء، وسعيا إلى استجابة أكثر حدة للتحديات الإقليمية.

واستثمر "بن زايد" مكانته في الغرب، ونشر جماعات الضغط والعلاقات العامة، للاستمرار في تحسين صورة قادة الإمارات والسعودية كزعماء مستنيرين في العالم العربي، يواجهون الإخوان وإيران.

وتكثف الاستثمار في العلاقات العامة مع صعود "بن سلمان".

وبحلول 2016، كانت السعودية توظف 10 شركات ضغط، تدفع لها ما يقدر مجموعه 1.3 مليون دولار شهريا، وكانت أحداها، وهي "كينغ آند سبالدينج"، تعمل على محاولة مواجهة "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" (جاستا)، الذي يسمح لعائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول بمقاضاة الحكومة السعودية.

وتم التعاقد من الباطن على عقد بقيمة 90 ألف دولار مع مجموعة "كابيتول ميديا"​، وهي الشركة التي عملت في العديد من الحملات الإعلامية ضد الإسلام، لجلب العشرات من المحاربين القدامى الأمريكيين إلى "الكابيتول هيل" للتحدث ضد "جاستا".

ورغم ذلك، تم تمرير مشروع القانون، متجاوزا "فيتو" الرئيس "باراك أوباما".

نتائج عكسية

لكن مع تصاعد هجوم العلاقات العامة، أصبحت الظروف الداخلية أكثر قمعا.

ولا يزال عشرات المعارضين وناشطات حق القيادة يقبعون في السجن، ولا تزال السعوديات لا يسافرن بدون إذن ولي ذكر، ويمكن للآباء أو الأخوة استخدام امتياز الوصاية لفصل بناتهن أو أخواتهن قسرا عن أزواجهن.

ويقول "علي الأحمد"، وهو منفي سعودي، ومدير معهد الشؤون الخليجية في العاصمة لندن، إن النساء السعوديات خضعن للعبودية عبر عقود الملكية المطلقة.

ثم هناك اليمن. إذ أصبح "بن سلمان" وزيرا للدفاع عام 2015، حين قاد ائتلافا لشن حملة جوية ضخمة ضد المتمردين الحوثيين الذين تعتبرهم الرياض وكلاء إيرانيين.

وأودت الحرب في اليمن بحياة الآلاف من المدنيين، وأصابت أكثر من مليون شخص بالكوليرا، وهي تدفع 18 مليون شخص إلى شفا المجاعة.

ورغم خلقهم أكبر كارثة إنسانية من صنع الإنسان في العالم، فشل السعوديون في فرض إرادتهم في ساحة المعركة.

وحسب تحقيق أجرته "أسوشيتد برس"، أبرم السعوديون والإماراتيون صفقة سرية مع مقاتلي القاعدة في اليمن، وتم تجنيد العديد من هؤلاء المقاتلين مباشرة في قوات التحالف السعودي، وهو الاتفاق الذي عزز أخطر فرع من الشبكة المتطرفة التي نفذت هجمات 11 سبتمبر/أيلول.

ويقدر المسؤولون الأمريكيون أعداد أعضاء القاعدة في اليمن بـ8 آلاف عضو.

وصوت البرلمان الأوروبي عام 2016 لفرض حظر على توريد الأسلحة الأوروبية إلى المملكة، كما علقت النرويج مبيعات الأسلحة إلى الإمارات.

وحتى دعم واشنطن يتذبذب الآن. ففي مارس/آذار، نجح مجهود من الحزبين، بقيادة السيناتور "بيرني ساندرز"، في الحصول على 44 صوتا من أصل 100 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي للتصويت من أجل وضع حد فوري لدعم الولايات المتحدة لجهود الحرب السعودية، وتعهدوا بمحاولة أخرى.

وهذا ليس نوع الدعاية التي يسعى "بن سلمان" إليها، بالطبع.

لكن لا شيء يفسد الهجوم الساحر للأمير مثل صور الأطفال اليمنيين الذين قُتلوا بسبب صاروخ أمريكي أطلقته مقاتلة تابعة للتحالف السعودي.