ديفيد هيرست- ميدل ايست أي -
علم موقع ميدل إيست آي من مصادره الخاصة أن الأمير أحمد بن عبد العزيز متمسك بالتصريحات التي صدرت عنه للمتظاهرين اليمنيين خارج سكنه في لندن
يفكر الأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق عاهل المملكة العربية السعودية الملك سلمان، في عدم العودة إلى بلاده بعد تصريحات أدلى بها لمحتجين يمنيين وبحرينيين تظاهروا خارج مسكنه في لندن في وقت مبكر من هذا الأسبوع.
فقد نأى بنفسه وببقية أفراد عائلة آل سعود عن الأعمال التي يقوم بها ابن شقيقه ولي العهد محمد بن سلمان، وذلك بحسب ما صرح به مصدر مقرب من الأمير لموقع ميدل إيست آي.
وكان الأمير قد ووجه من قبل محتجين يرددون عبارة "يسقط، يسقط آل سعود، العائلة المجرمة". فأقبل عليهم الأمير وسألهم: "لماذا تقولون ذلك عن آل سعود؟ وما شأن كل عائلة آل سعود بهذا؟ هناك أفراد معينون هم الذين يتحملون المسؤولية، ولا ينبغي أن تحملوا ذلك لأي شخص آخر".
وعندما سأله المتظاهرون عن من يتحمل المسؤولية، أجاب الأمير: "الملك وولي العهد، وآخرون في الدولة".
خلال ساعات من انتشار الفيديو كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية تقريراً ادعت فيه أنها تنقل عن الأمير أحمد القول بأن "التأويل" الذي يفيد بأنه كان ينتقد الملك "غير صحيح".
وقالت وكالة الأنباء السعودية إن الأمير أحمد إنما قصد أنه كان ببساطة يقول إن العائلة الملكية مسؤولة بسبب مواقعها داخل الحكومة.
وقال المصدر المقرب من الأمير في تصريحه لموقع ميدل إيست آي إن الأمير ملتزم بما قاله بادئ ذي بدء، وقال إن التقرير الصادر عن وكالة الأنباء التي تتحكم بها الدولة كان مزوراً وإن الكلمات التي نقلتها الوكالة لم تكن كلماته، وذلك بحسب ما أكده المصدر.
وبعد ظهور مقطع الفيديو انتشر هاشتاغ باللغة العربية نصه: "نبايع أحمد بن عبد العزيز ملكاً".
كسر الصمت
هذه هي المرة الأولى التي يخالف فيها عضو في عائلة آل سعود بهذه المرتبة وهذه الأقدمية ما كان متعارفاً عليه من التزام الصمت. لقد قام الأمير علانية وبشكل متعمد بالنأي بالعائلة عن حكم الملك سلمان. وإذا ما أكد الأمير قراره بعدم العودة، فسيكون عمله ذاك أكبر تحد علني لحكم الملك سلمان.
تصريحات الأمير أحمد للمحتجين اليمنيين حول موقف العائلة الملكية تشير بوضوح إلى تلك الأيام التي كانت فيها القرارات الكبيرة، مثل قرار شن الهجمات الجوية على اليمن، تتخذ بشكل جماعي من خلال التشاور بين كبار أعضاء العائلة، إلا أن ذلك لم يعد معمولاً به في عهد الملك سلمان وابنه محمد، ولي العهد.
ليس خافيا أن الأمير أحمد مستاء من السلطات والصلاحيات الواسعة التي باتت بيد ابن شقيقه محمد بن سلمان. فقد كان أحمد واحداً من ثلاثة أعضاء من هيئة البيعة عارضوا تعيين ابن سلمان، بل امتنع الأمير أحمد عن مبايعة ابن شقيقه عندما نصب ولياً للعهد.
ورفض أحمد حضور حفلات استقبال رسمية دعا إليها شقيقه الملك سلمان. وعندما مات شقيقهما عبد الرحمن بن عبد العزيز لم تعلق سوى صورتين في حفل التأبين الذي دعا إليه أحمد: صورة الملك عبد العزيز مؤسس المملكة وصورة الملك الحالي.
وكان واضحاً غياب صورة ولي العهد لدرجة أنه عندما انتشرت على نطاق واسع لقطة فيديو صورت بهاتف نقال لتلك المناسبة، بذل مدونو الحكومة جهداً كبيراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي للادعاء بأن اللقطة كانت مزورة.
وبلغ الشقاق بين الأخوين مبلغاً لدرجة أنه عندما بعث أحمد بتهنئة إلى الملك سلمان بمناسبة العيد في شهر يونيو/ حزيران، علق المراقبون بأن المبادرة "مؤشر على حدوث تغير في معارضته" لولي العهد.
إلا أن الأمير تجنب حتى الآن الخوض في مصير أبناء أشقائه الذين ألقي القبض عليهم واحتجزوا في الريتز كارلتون، وكان بعضهم قد تعرضوا للتعذيب والمعاملة المهينة. ولعله حظي بدرجة من الحماية الشخصية لكونه شقيق الملك، وهذا ما منحه حتى الآن الحرية في السفر إلى خارج المملكة إلى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، ولكن ربما تغير وضعه الآن بعد ما صرح به في لندن هذا الأسبوع.
إضافة إلى التعبير عن استياء العائلة الملكية فإن لدى الأمير أحمد من الأسباب الشخصية ما يسخطه، فهو أصغر الأشقاء السديريين، وقد تم تجاوزه في مناسبتين اثنتين عندما شغر منصب ولي العهد، رغم أنه كان الأحق بذلك المنصب.
كانت المرة الأولى عندما نصب الملك عبد الله أخاه غير الشقيق مقرن نائباً لولي العهد، ولم يبادر سلمان إلى إصلاح ذلك عندما جاء إلى الحكم، بل قام هو الآخر بتجاوز شقيقه الأصغر عندما عين محمد بن نايف ولياً للعهد وعين ابنه محمداً نائباً لولي العهد.
في شهر يوليو/ تموز طالب أحد أقرباء الأمير أحمد الأباعد، وهو الأمير خالد بن فرحان، من منفاه في ديسلدورف، أعمامه الأمير أحمد والأمير مقرن بالإطاحة بسلمان، على اعتبار أن حكمه "غير منطقي، وأرعن وأحمق".
لو كان ثمة سبيل إلى إصلاح الوضع الحالي فإن عائلة آل سعود يمكن أن تتطلع بشكل طبيعي إلى الأمير أحمد، الذي شغل في السابق منصب وزير الداخلية، ليقودها.
أحكام بالإعدام
هذا هو الحدث الثاني الذي يهز المملكة. أما الحدث الأول فتمثل في ثلاث مطالبات متعاقبة من قبل النائب العام بإصدار أحكام بالإعدام.
لم يكن ذلك لأن الأشخاص المعنيين مارسوا العنف، فالمعتقلون ليسوا جهاديين، وإنما ثلاثة دعاة معتدلين من أهل السنة، وهم سلمان العودة وعلي العمري وعوض القرني، وجريمتهم أنهم دعوا في تغريدات عبر تويتر إلى إصلاح العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر.
مضى على اعتقال هؤلاء جميعاً بعض الوقت، ولكن لم يكن أحد يتوقع أن يصل الأمر بما يسمى بالزمرة الليبرالية المحيطة بمحمد بن سلمان إلى أن تهدد بقطع رؤوس هؤلاء العلماء.
وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي قال عبد الله، نجل سلمان العودة، إن والده أحيط علماً بالتهم الموجهة ضده فقط أثناء جلسة المحاكمة التي عقدت يوم الثلاثاء، والتي انعقدت سراً داخل محكمة الجنايات الخاصة في الرياض.
جريمة سلمان العودة أنه يحمل آراء مستقلة وأنه رفض أن يصبح بوقاً لدى الحكومة، كما يقول نجله عبد الله.
وهؤلاء الثلاثة جميعهم علماء مسلمون ينتمون إلى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يترأسه الشيخ يوسف القرضاوي الذي يقيم حالياً في الدوحة.
صدر قرار بحظر الاتحاد في عهد الملك عبد الله، ولكن حينما استلم سلمان الحكم دُعي القرضاوي نفسه لزيارة المملكة وأداء مناسك العمرة في مكة.
ثم ما لبث الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن صنف منظمة إرهابية، وها هم أبرز العلماء فيه يواجهون عقوبة الإعدام.
كان العمري قبل إلقاء القبض عليه شخصية إعلامية مرموقة ويتمتع بشعبية واسعة، وكانت قناته التلفزيونية "فور شباب" تحظى بمتابعة جمهور عريض، بل كان وجه العمري يطل على الناس من لوحات إعلانية كبيرة على امتداد الطريق بين جدة ومكة.
من الجدير بالذكر أن أحكام الإعدام لم تكن حكراً على الدعاة من أهل السنة، بل قبل ذلك بأسبوع طالب نائب عام في نفس المحكمة بإنزال عقوبة الإعدام بحق إسراء الغمغام وبحق زوجها موسى الهاشم وأربعة أشخاص آخرين شاركوا جميعاً في احتجاجات ضد الحكومة في القطيف. ولو تحقق للنائب العام ما أراد لكانت إسراء أول ناشطة حقوقية يقطع رأسها.
تكشف هذه الأحداث مجتمعة، أي تصريحات الأمير أحمد من جهة والمطالبة بأحكام الإعدام من جهة أخرى، عن هزات عنيفة من شأنها أن تجرد المملكة من استقرارها.
ولو نفذت أحكام الإعدام تلك، لاعتبر ذلك بمثابة إعلان حرب من قبل ما يسمى بالتيار الليبرالي المحيط بولي العهد على قطاع عريض من المجتمع المتدين والمحافظ.
وعندها سيكون هذا القطاع أمام واحد من خيارين، إما أن يخضع للعلمانية تحت تهديد السلاح أو ينخرط بأعداد كبيرة في صفوف الجماعات الدينية المتطرفة بحق، والتي ما من شك في أنها موجودة على شكل خلايا سرية تنتشر في مختلف أنحاء المملكة.
والمفارقة هي أن هؤلاء الدعاة الثلاثة يعتبرون تقدميين خطرين في نظر المؤسسة الوهابية، والتي لا تزال تتمتع بحماية رسمية. فالثلاثة كانوا قد أشادوا بالديمقراطية ودعوا إليها كما أكدوا على أهمية السلوك الأخلاقي بين الشباب، بل إن واحداً منهم دفع باتجاه إلغاء تجريم اللواط.
في نفس الوقت يشن محمد بن سلمان حرباً على آل سعود أنفسهم، علماً بأن المؤسسة الدينية المحافظة وعائلة آل سعود هما دعامتا الدولة السعودية.
وما من شك في أن الهجوم عليهما معاً يرقى إلى الإطاحة بالأعمدة التي تقوم عليها شرعية الملك.