مهنا الحبيل- الوطن القطرية-
التصعيد الثنائي للرياض وأبوظبي، في الواقع السياسي في منطقة الخليج العربي، بات يتجاوز حدود جميع الخيوط فضلا عن مراعاة أي سقف لهذا التصعيد، كل الأحداث التي جرت مؤخرا من:
- عودة الفبركة الإعلامية،
- اختطاف الأستاذ جمال خاشقجي والذي ندعو له بالسلامة والحرية،
- جسور لوحت بها الرياض إلى الكويت ومسقط،
كلها تتجه إلى منعطف تصعيدي في حقيبة مكثفة من مهمات العمل المخابراتي والإعلامي والسياسي.
كأنما هناك تحضير لحدث جديد أو منعطف يُخطط له، على هامش الأزمة أو لكل المستقبل الخليجي.
الحقيقة أن هناك قراءة أكثر تأصيلا، تشير إلى أن أرضية الأزمة الخليجية اليوم، ليست هي المسألة، وأن هذا المشروع المضطرب يسعى إلى تحقيق حضور واختراق نوعي بعد كل الفشل الذي صاحب تصعيد الأزمة.
والأخطر أنه أوصل الخليج إلى الهاوية، فالمشكلة اليوم تتعمّق وخاصة حين نُلاحظ أن ترامب، وبحسب ما نشرته وسائل إعلام أميركية، يرفض نصائح فريقه في ضبط خطابه في تويتر وفي منصة الخطاب الشعبوي.
وهو اليوم يجدد بهوس وتركيز توجيه التهديد للرياض، وطلب المزيد منها، بعبارات مهينة، وهو ما كان يفترض أن يُعطي مساحة تفكير ومراجعة لتقويم سياسة السعودية، والخروج من هذه المآزق لكن ما يجري هو العكس تماما.
إننا نلحظ أن اضطراب المشهد الأميركي في البيت الأبيض، ينعكس سلبا أيضا، على التوتر في منطقة الخليج العربي.
إن القراءة اليوم تتجه بوضوح إلى أن الأزمة في خطتها الأولية وفي تعثراتها الكبرى، ليست المفصل وأن مسبحتها اليوم في واقع الانفراط!
فلا التصعيد فيها، ولا التسوية عبرها يفرق في هذه الاتجاه، ما لم يعاد تقييم الموقف المركزي في مشروع الرياض الجديد.
ولكن كيف نقول ذلك، وقد ارتكست المنطقة في الحضيض عبرها، وألقى الخطاب الدبلوماسي الأعلى للسعودية، من منصة الأمم المتحدة، وموضوعه الرئيس الهجوم على قطر.
إن المسألة هنا في أن الأزمة لم تكن إلا مدخلا لمشروع مركزي، وتعثره زاد تطرف الموقف، مدخل هذا المشروع هو نفوذ أبوظبي بالعهد السعودي الجديد، ومستقبله الدولي، والذي من خلاله استَدرَجت أبوظبي الدولة السعودية لهذا المصير.
لسنا نقصد هنا التكرار في منعطفات الأزمة، غير أننا في الخليج العربي وربما العالم، لم تعد القضية هي كيف تحل الأزمة، وإنما كيف يتم التفاهم مع هذا العهد، والذي يشتبك داخليا، مع البناء الاجتماعي والفكري، في المملكة العربية السعودية، وهو ما يزيد التعقيد على المواطنين السعوديين وعلى العلاقة الخليجية-الخليجية.
في ذات الوقت، لا يُبدي الأميركيون أي مستوى من الاهتمام الجدي بإنهاء الأزمة، وخاصة أن الرياض الجديدة لم تقف أمام خطتهم، في تحالف 3+6، الذي فصلناه في مقال سابق، بما فيه استقبال الوفد القطري قي جدة قبل الكويت.
وهو ما يعني أن لا حدود لطول الأزمة، لأن الأزمة الخليجية كانت العارض السطحي، للحدث العميق.
إن التصريح الكويتي الثاني، قبل وصول ولي العهد السعودي، بعد أن تم تأجيل زيارته ليوم واحد، ونفي المتحدث ما نقل عن مسؤول كويتي آخر، من أن الأزمة الخليجية ستكون ضمن محاور البحث، يُشير إلى حرج الموقف الكويتي أمام تصعيد جديد، خرجت معالمه في الأسبوعين الأخيرين.
وبالتالي ركّزت الكويت على تأمين مصالح أمنها القومي أمام الرياض، وتحييد أي ملفات أخرى يُخشى أن تُعقد هذا الملف، خاصة بعد تسليم الأمير نواف الرشيد في مطار الكويت.
واستقبال ولي العهد السعودي، للسيد أسعد بن طارق أبرز الشخصيات المقربة من السلطان قابوس والمستقبل السياسي العماني، بالنسبة لي أمر إيجابي لو كان في اتجاه أن يفتح الأمير السعودي البوابة مع مسقط، المخضرمة سياسيا في أمور المنطقة، ويسمع رأيها بانفتاح، ولن تغيّر مسقط موقفها في الأزمة الخليجية وامتناعها عن حصار قطر، هذا غير وارد أبدا.
لكن المشكلة المعقدة هي أن يسعى فريق ولي العهد السعودي، إلى استدراك التوترات الخليجية التي حصلت للرياض، بعد الأزمة، بمواقف علاقات عامة، عوضا عن الانفتاح على العقل العماني والدبلوماسية الكويتية..
ليُعاد ترتيب ملفات الخليج، وأولها الأزمة مع قطر، الذي كما أكدنا أن من صالحها اليوم، الخروج من الملف السعودي الداخلي، رغم تصعيد الرياض. ومهما حاول فريق أبوظبي، كما تثبت الأحداث، إبقاء قطر داخل ملف التغير السعودي الداخلي.
وهنا بقي سؤال من يعلق الجرس حيث تبرز المعضلة.
كيف تنسق ترويكا أوروبية خليجية، تبدأ مسيرة ستطول بعض الشيء لحوار ولي العهد السعودي، وإقناعه بأن مكانته القادمة وسياسة عهده، لا يُمكن أن تنجح في ظل هذا الاضطراب.
وأن سلة التفاهمات الخليجية الأوروبية المشتركة، ضمن ضمان الأمن والسلام العالمي، قد تحقق اختراقا في هذا الخصوص.
وغير تعديل التصور لدى قرار الرياض الجديدة لا يبدو اليوم، أن هناك سقفا للتهدئة ولا حدود للتصعيد الداخلي، ولا نعرف إلى أين تقود هذه السياسة الكارثية، وعلى أي خرائط جديدة سيصحو خليج العرب.