السلطة » خلافات سياسية

التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والسعودية (الجزء الثاني): تقييد الدعم العملياتي في اليمن

في 2018/11/09

مايكل نايتس و المقدم أوغست بفلوغر- معهد واشنطن-

"هذا المرصد السياسي هو الثاني في سلسلة مكوّنة من جزئين حول التعديلات المحتملة على العلاقة الأمنية الثنائية. وقدّم الجزء الأول توصيات بشأن تأخير مبيعات الأسلحة للسعودية ووضع الشروط عليها".

في الأسبوع الماضي، وضع وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيين مايك بومبيو وجيم ماتيس اقتراحاً لاتخاذ سلسلة من الخطوات لإنهاء الأعمال العدائية في اليمن، على النحو التالي: توقُّع قيام الثوار الحوثيين بوقف هجماتهم الحدودية والصاروخية، وفي أعقاب ذلك قيام التحالف الذي تقوده السعودية بوقف غاراته الجوية الشديدة الخطورة في المناطق المأهولة بالسكان، مما يمهد الطريق أمام محادثات السلام. ولكن إذا انتهت المحادثات المنشودة بالفشل (كما حدث في الجولة السابقة في جنيف في وقت سابق من هذا العام عندما رفض الحوثيون المشاركة فيها)، فمن المرجح أن تشدّد واشنطن تدقيقها للدعم العملياتي الأمريكي لجهود الحرب السعودية. فمنذ اندلاع النزاع في عام 2015، ناقش الكونغرس الأمريكي إمكانية إنهاء أعمال الدعم التي تقدمها الولايات المتحدة، مثل إعادة تزويد الطائرات بالوقود وتقديم خدمات استشارية/مساعدة في السعودية. ومع ذلك، فإن مناقشة هذه المهام غالباً ما تغفل نطاقها المحدود، وفي حالة الدعم الاستشاري - تغيب عنها قيمتها الدفاعية والدبلوماسية الأساسية.

الدعم الأمريكي في مجال التدريب

[لا يُخفى] أن العمليات السعودية في اليمن آخذة في التطور، فوتيرة الحرب الجوية تتباطأ وتصبح أكثر انتقائيةً حيث تتراجع عمليات إسقاط الأسلحة من الجو من نحو مائتي سلاح في اليوم في الأسابيع الأولى من الحرب إلى أقل من عشرة أسلحة يومياً في عام 2018. ومع ذلك، تَوسّع الوجود العسكري السعودي على الأراضي اليمنية من أقل من ألف جندي في مطلع هذا العام إلى حوالي 3000 جندي في يومنا الحاضر، من ضمنهم عناصر من ستة ألوية تابعة لـ "الحرس الوطني السعودي" و"القوات البرية الملكية السعودية".

وعلى الرغم من أن الجيش الأمريكي يلعب دوراً ثانوياً جداً في الدعم المباشر للعمليات المنفّذة في اليمن، إلا أن الجهود الحربية السعودية تستند بشكل غير مباشر إلى مهام التدريب الأمريكية الضخمة وخدمات الدعم من قبل المقاولين الأمريكيين، والتي تعمل على استمرار عمل القوات المسلحة السعودية. وتشمل هذه البرامج، التي تم تمويلها بالكامل من قبل الحكومة السعودية ما يلي:

بعثة التدريب العسكري الأمريكية: إن هذه البعثة التي مقرّها في الرياض والمؤلفة من 200 عنصر تعمل بشكل مستمر منذ خمسينات القرن الماضي، وتتعامل مباشرةً مع كل فرع من فروع وزارة الدفاع السعودية، وتضطلع بدورٍ جوهري في معالجة المبيعات العسكرية الخارجية للولايات المتحدة بدءاً من التصميم ووصولاً إلى التسليم. ولم تُسحب هذه البعثة قط من المملكة خلال أي أزمة مرت عليها، حتى عندما أزالت الولايات المتحدة مقر عملياتها الجوية من "قاعدة الأمير سلطان الجوية" في عام 2002.
مكتب مدير برنامج تحديث "الحرس الوطني السعودي": هناك بضع مئات من الأفراد العسكريين والمقاولين الأمريكيين يتولّون الإشراف على "مكتب برنامج تحديث الحرس الوطني السعودي التابع للجيش الأمريكي". وتعمل هذه البعثة بشكل مستمر منذ عام 1973 لتنظيم "الحرس الوطني السعودي" وتجهيزه وتدريبه، ذلك "الحرس" الذي يضم مجموعة متعددة الألوية من المشاة المدرعة والمروحيات والمدفعيات التي أصبحت ثاني أكبر قوة برية في السعودية.
"مجموعة المساندة العسكرية لوزارة الداخلية": في عام 2008، أنشأ الجيش الأمريكي وحدةً أصغر هي "مجموعة المساندة العسكرية لوزارة الداخلية"، لمساعدة السعوديين على تطوير الإمكانيات اللازمة لضمان أمن البنى التحتية الحيوية وتوسيع "قوات أمن المنشآت"، و"قوات الأمن الخاصة"، و"حرس الحدود"، و"القيادة العامة لطيران الأمن". وتساهم هذه البعثة التدريبية في حماية أضخم منشآت الطاقة في العالم، ومحاربة الإرهاب، وتنمية قوات "حرس الحدود" التي تكبّدت أكبر عدد من الضحايا في حرب اليمن بسبب الغارات الحوثية على السعودية.

الدعم العملياتي

في 8 حزيران/يونيو، أقرّت إدارة الرئيس ترامب بأن القوات الأمريكية "واصلت تقديم المشورة العسكرية والمعلومات المحدودة، والخدمات اللوجستية، وغيرها من عمليات الدعم للقوات الإقليمية التي تحارب التمرد الحوثي في اليمن"، على الرغم من أن الوزير ماتيس أوضح أن ذلك "ليس دوراً قتالياً". ويشمل هذا الدعم:

تقديم المشورة حول الاستهداف المشروع: في 27 شباط/فبراير، أبلغ البنتاغون الكونغرس الأمريكي أن عدداً قليلاً من الأفراد الأمريكيين قدّموا "المشورة بشأن الامتثال لقانون النزاع المسلح وأفضل الممارسات للحد من خطر الإصابات المدنية". وأكّد الوزير ماتيس هذا الأمر في 30 تشرين الأول/أكتوبر، واصفاً كيفية عمل المستشارين القانونيين ومستشاري الأسلحة على تحسين إمكانيات قوات التحالف الخليجي لكي "لا تقتل الأبرياء".
مساندة دفاعية حدودية وصاروخية: في 17 نيسان/أبريل، أبلغ مساعد وزير الدفاع الأمريكي للشؤون الأمنية الدولية روبرت كارم الكونغرس أنه قد تم نشر "حوالي 50" من الأفراد الأمريكيين في السعودية لتقديم المشورة "حول تهديدات الصواريخ الباليستية الحوثية ضد المملكة". وذكرت بعض وسائل الإعلام أن الأفراد الأمريكيين يساعدون أيضاً قوات الحدود السعودية على الحد من خسائرهم البشرية والإصابات التي تلحق بهم الناجمة عن القنابل المزروعة من قبل الحوثيين على جوانب الطرق.

الدعم في مجال التزوّد بالوقود

تشير الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن "القيادة المركزية الأمريكية" إلى أن القوات الأمريكية تساند الحملة الجوية السعودية في اليمن بمعدل 101 طلعة جوية لإعادة التموين بالوقود شهرياً، أي حوالي 3 طلعات يومياً. ويعني ذلك في المصطلحات العسكرية أن ما يقرب من 400 ألف رطل من "الحمولة المفرّغة" يومياً متاحة للطائرات السعودية المنخرطة في المهام القتالية، وللقيادة والتحكم، والاستخبارات، والاستطلاع. وتدفع المملكة ثمن الوقود وبإمكانها أن تدعو إلى التسليم كجزء من "اتفاقية الاستحواذ والخدمات المتبادلة" القائمة بين البلدين، والتي تمنح الولايات المتحدة مختلف الحقوق اللوجستية وحقوق الدخول أيضاً.

وبالإجمال، تصل نسبة شحنات الوقود إلى الطائرات السعودية أقل من خمسة في المائة من الشحنات اليومية التي تسلّمها "القوات الجوية الأمريكية" في العراق وسوريا وأفغانستان. فضلاً عن ذلك، أشار الوزير ماتيس مؤخراً إلى أن "القوات الجوية الأمريكية" توفر أقل من عشرين في المائة من الوقود المستهلك في العمليات الجوية اليومية التي تنفّذها السعودية في اليمن - إذ تؤمّن منصات إعادة التموين الضخمة الثلاثة عشر التابعة لـ "القوات الجوية الملكية السعودية "أكثر من 80 في المائة من الوقود.

بمعنىً آخر، إذا أقدمت واشنطن على تخفيض دعمها لتزويد الطائرات السعودية بالوقود أو إلغائه، فسيكون لذلك تأثير ضئيل على العمليات السعودية داخل اليمن - مع استثناء واحد مهم. بشكل عام، تعمل القوة الجوية للمملكة على مسافة قريبة نسبياً من المطارات السعودية، مما يقلص من الحاجة الإجمالية للتزود بالوقود جواً. ولن تتأثر العمليات الدفاعية على الحدود لأنها تجري على مسافة 150 ميلاً بحرياً من القاعدة الجوية الرئيسية في مدينة خميس مشيط. ومع ذلك، فإن قَطْع إمدادات الوقود قد يُعقّد العمليات السعودية التي تنفَّذ على مسافة أعمق داخل اليمن، على غرار الغارات الجوية الانتهازية في صنعاء وصعدة وغيرها من المناطق الحضرية التي تنطوي على مخاطر كبيرة على المدنيين. وفي هذا السياق، لفت الوزير بومبيو في 30 تشرين الأول/أكتوبر إلى "ضرورة وقف ضربات التحالف الجوية في جميع المناطق المأهولة في اليمن"، مشيراً إلى أن قطع إمدادات الوقود قد يكون وسيلة مفيدة لتوضيح الرسالة إلى الرياض وتشكيل ملامح العمليات السعودية.

خيارات في مجال السياسة العامة

إذا انهار الجهد الأخير لإجراء محادثات سلام، فقد يسعى المسؤولون الأمريكيون حتى بصورة أكثر إلى إبعاد الولايات المتحدة عن الحرب اليمنية من خلال اتخاذ واشنطن إجراءات عقابية بحق الرياض. ومع أن بعض هذه التدابير المحتملة هي خياراتٍ يمكن التراجع عنها وتوفّر أداة جيدة للتعبير عن الاستياء، إلا أن بعضها الآخر قد يضرّ بالجهود الدفاعية المشروعة التي تبذلها المملكة وقد يصعب التراجع عنها. يجدر بصانعي السياسات التصرف بواقعية بشأن الدور الصغير الذي تؤديه القوات الأمريكية فعلياً في دعم الحرب بشكل مباشر. ومن الآن فصاعداً، يجب على واشنطن أن تحصر أعمالها بالخطوات التالية:

مواصلة مهام التدريب العسكرية: تُعتبر "بعثة التدريب العسكري الأمريكية" و"مكتب مدير برنامج تحديث الحرس الوطني السعودي" و"مجموعة المساندة العسكرية لوزارة الداخلية" من المصادر الحيوية لنفوذ الولايات المتحدة وإمكانية دخولها إلى السعودية، كما تلقى تقديراً عالياً لدى كلتا الحكومتين. وعلى الرغم من أن ذلك يجعلها أوراقاً قوية جداً في أيدي الطرفين، إلا أنها تؤكد أيضاً أن المبالغة في التدابير المتخذة قد تُبطل نصف قرنٍ من الدبلوماسية الدفاعية. وفي حين أن هذه المهام لن تكون أبداً وسيلة مضمونة لمنع الرياض من التصرف وفقاً لما تعتبرها مصالحها الخاصة، إلا أنها شكلت قناة حيوية للحوار الرفيع المستوى على مرّ فترة من عشرات الثورات والحروب وأزمات الطاقة.
الاستمرار بتقديم خدمة المشورة والمساندة للمهام الدفاعية: وفقاً لبيانات معهد واشنطن المستخلصة من الأبحاث المنجزة على طول الحدود السعودية -اليمنية، عانت المملكة مئات الخسائر في الأرواح كل عام بسبب الهجمات التي تعرض لها "حرس الحدود" والضربات الصاروخية على البلدات الجنوبية في السعودية. يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في مساعدة السعوديين للدفاع عن أراضيهم، بما في ذلك من خلال زيادة المساعدات الدفاعية لوحدات الحدود التي تضررت بشدة.

مواصلة تقديم المشورة للقوات السعودية بشأن الاستهداف القانوني: يجادل النقاد عن حق بأن المملكة العربية السعودية لا تعدّل سياسات الاستهداف التي تتبعها بالسرعة الكافية على الرغم من النصائح الأمريكية، ولكن هذا لا يعني أن التنازل هو الحل السليم. فمنع وقوع المزيد من الضحايا والإصابات في صفوف المدنيين هو أهم مساهمة قد تقدمها واشنطن، على ألا يكون هذا المسعى مسيّساً. ومن أجل زيادة الضغط على الرياض دون تقليص الدعم الاستشاري بشأن سياسات الاستهداف، يجب على الولايات المتحدة أن تجعل أي جهود مستقبلية للتدريب والمشورة/والمساندة مشروطةً بوقف القوات السعودية ضرباتها الجوية ضد القيادات الحوثية والمناطق المأهولة ذات المخاطر العالية.

التوقف عن تزويد الطائرات بالوقود قرب اليمن: على الرغم من أن الدعم الأمريكي في تزويد الطائرات السعودية بالوقود لا يشكّل أهمية حاسمة للحملة الجوية السعودية بشكل عام، إلّا أنّ حجبه عن الطائرات التي تعمل بالقرب من الحدود قد يرغم الرياض على تقليل عدد الأهداف الناشئة التي تستهدفها في صنعاء وصعدة، حيث أسفرت الضربات الجوية عليها عن أسوأ عدد من القتلى في صفوف المدنيين.