حنين ياسين - الخليج أونلاين-
أثار قرار قطر الانسحاب من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، الاثنين 2 ديسمبر 2018، زوبعة من التساؤلات حول أسباب هذا القرار وتداعياته على المنظمة والاقتصاد القطري، خاصة في ظل ما تشهده أسواق النفط من حالة من عدم الاستقرار.
ورأى محللون وخبراء أن هذا القرار سيحقق مزيداً من الاستقلال لدولة قطر فيما يتعلق بإدارة إنتاجها من الغاز والنفط، وسيعود بالنفع على اقتصادها بعد أن تزيد صادراتها من الغاز، إلا أنهم أكدوا أن الانسحاب القطري يدق مسماراً في نعش منظمة "أوبك"، ويقودها نحو التفكك بشكل كامل في حال قررت دول اتباع نهج الدوحة.
وكان سعد شريدة الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة في قطر، قد أعلن صباح الاثنين، قرار بلاده الانسحاب من منظمة أوبك، ابتداء من الشهر المقبل.
وشدد الوزير الكعبي على أن بلاده سوف تركز اهتمامها على إنتاج الغاز، وأنها أبلغت منظمة أوبك بقرارها.
وقطر هي الدولة الحادية عشرة في ترتيب أكبر الدول المنتجة للنفط في أوبك، حيث تمد سوق الطاقة بنحو 2% من إجمالي الإنتاج، وانسحابها سيؤثر على المنظمة أكثر بكثير من تأثيراته على سوق النفط.
- قرار في الوقت المناسب
وحول ذلك قال الخبير الاقتصادي القطري والمحكم الدولي، الدكتور عدنان ستيتية، في تصريح لـ"الخليج أونلاين": إن "قرار قطر بالانسحاب من منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) صائب وجاء في التوقيت المناسب".
وأضاف أن "قطر وبالرغم من أن إنتاجها النفطي لايتجاوز 2% من حجم إنتاج أوبك، فإنها ظلت على الدوام عضواً فعالاً في المنظمة، وهي أول عضو في أوبك بعد التأسيس، وكانت سياستها تستند إلى ميزان أخلاقي بأن تراعي مصالح الدول الأعضاء، وأن تكون قرارات المنظمة متماشية مع مصالح أعضائها".
وتابع أن "الاستنتاجات بخصوص أداء منظمة أوبك اليوم، تؤكد أن هناك بعض القرارات التي لم تعد مناسبة ولا تتماشى مع مصالح الأعضاء، بقدر ما هي إملاءات خارجية تُنفَّذ لحساب أغراض أخرى".
ورأى أن "بعض التقارير أكدت مؤخراً أنه على عكس قرارات أوبك هناك دول زادت إنتاجها من النفط إلى نحو نصف مليون برميل يومياً، وهذا ما أحدث حالة من التشوش في الأسواق، وجعلها عرضة لانخفاض الأسعار".
وذكر أن "زيادة إنتاج بعض الدول للنفط أدى إلى اهتزاز الثقة بين الدول الأعضاء بالمنظمة، ولهذا السبب فإن قطر اتخذت قراراً حكيماً يعبر عن التزام أخلاقي بألا تكون شاهد زور، حيث إنه من المعروف عن قطر شفافيتها وصدقها في التعامل مع الجميع".
كما بين أنه "من جهة أخرى فمن المعلوم أن استراتيجية قطر في مجال الطاقة تقوم على علاقة وطيدة من الثقة والالتزام المتبادل مع السوق العالمية، ضف على ذلك رغبة قطر في التركيز على قطاع الغاز بوصفه القطاع الأهم بالنسبة لها، مما يجعل لزاماً عليها مراجعة دورها ومساهمتها على الصعيد العالمي في مجال الطاقة، وكيفية تعزيز ذلك الدور وتلك المساهمات بشكل يخدم أهدافها واستراتيجيتها على المدى البعيد".
وحول تداعيات القرار، توقع الخبير الاقتصادي ستيتية أن يؤدي انسحاب قطر من أوبك إلى "توسيع دائرة الخلاف داخل المنظمة، لأنه يعبر عن حالة عدم الرضا القائمة، والتي اتسعت رقعتها في المنظمة وسيوسع دائرة الجدل حول العديد من الملفات، ومن ضمنها ضمانات خفض الإنتاج لاستقرار أسعار النفط".
وأكد الدكتور ستيتية أنه "مما لا شك فيه أن قرار قطر سيضع أعضاء أوبك على المحك، فإما أن يصوبوا أداء المنظمة من الداخل، أو أن يستمر بعضهم في اللعب بمصالح البعض الآخر نظير مصالح ذاتية وآنية، تعبث بثروات ومقدرات ومصالح شعوب تعتمد في تنميتها على قطاع الطاقة كأحد المصادر الرئيسية لتنمية دولها".
- أبعاد سياسية
وفي تقرير لها اليوم، قالت شبكة "بلومبيرغ" الأمريكية: إن "قرار قطر بالانسحاب من منظمة أوبك، يحمل بين طياته الكثير، ويهدد تماسك أكبر تكتل للدول المصدرة للنفط".
وعزت "بلومبيرغ" انسحاب قطر إلى العلاقات المتهالكة داخل الدول الأعضاء بالمنظمة، ومن ضمن ذلك العلاقة بين قطر والسعودية، أكبر الدول المصدرة للنفط في المنظمة.
وتنقل الشبكة الإخبارية الاقتصادية الأمريكية عن أمريتا سين، كبيرة المحللين في شركة الاستشارات النفطية في لندن قولها: "إن انسحاب قطر من أوبك هو رمزي إلى حد كبير، لقد كان إنتاج قطر ثابتاً ولم يتغير، واحتمالات الزيادة فيه محدودة".
وتأكيداً على ما ورد في تقرير بلومبيرغ، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "إن انسحاب قطر من أوبك إضافة إلى طابعه الاقتصادي فإنه يحمل طابعاً سياسياً؛ فهو يوجه رسالة إلى السعودية بأن قطر ستختار الطريق الأفضل لمصالحها فيما يتعلق بخفض أو زيادة إنتاج النفط والغاز".
ويعتقد عايش أن انسحاب الدوحة من أوبك له علاقة مباشرة بالأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى.
وأشار إلى أن هذا الانسحاب ربما يكون مقدمة لخروج قطر من مجلس التعاون الخليجي أو غيرها من المنظمات التي تشترك فيها السعودية والإمارات.
وتقود السعودية تحالفاً مكوناً من الإمارات والبحرين ومصر، يفرض حصاراً برياً وجوياً وبحرياً على قطر، منذ يونيو 2017، متهماً الدوحة بدعم الإرهاب وإقامة علاقات مع إيران، وتنفي قطر تلك الاتهامات وتقول إنها تواجه ضغوطاً من دول الحصار بهدف السيطرة على قرارها الوطني والسيادي.
وأضاف أن "قطر تريد من خلال قرارها الأخير التركيز على صناعة الغاز التي تعتبر جوهرية بالنسبة لها".
وأكد أن انسحاب قطر يعتبر شكلاً من أشكال التصدع بمنظمة أوبك، وربما تتبع دول أخرى نهج الدوحة وهو ما يعني انتهاء دور المنظمة عملياً.
وقال: "إن منظمة أوبك كانت تشكل إطاراً تحتمي به الدول المنتجة للنفط، ويبدو أنها لم تعد صالحة بالشكل التي هي عليه الآن".
ورأى الخبير الاقتصادي أن القرار القطري ربما ينجم عنه حالة من عدم الاستقرار في أسعار النفط وإنتاجه وتسويقه في المرحلة المقبلة.
وتوقع أن تتراجع أسعار النفط أكثر مما هي عليه الآن بعد انسحاب قطر من "أوبك"، خاصة بعد أن فقد أكثر من 30% من أسعارها خلال الشهرين الماضيين.
وحذر المختص الاقتصادي من أنه في حال انسحبت دول أخرى من منظمة أوبك على غرار قطر فإنه سيكون لذلك تداعيات كبيرة وخطيرة على أسعار النفط، والسياسات المتعلقة بالإنتاج والتصدير وحصص السوق العالمية، وربما تدخل الدول المنتجة للنفط في حروب على مستوى الأسعار والحصص والمستهلكين.
والإعلان القطري المفاجئ يأتي قبل أيام من انعقاد اجتماع هام لمنظمة أوبك، سيدرس الأعضاء فيه تخفيض إنتاج النفط في سبيل تحقيق الاستقرار في السوق بعد عانت من أسوأ شهر لها منذ أكثر من عقد.
- قطر تعيد ترتيب علاقتها وأولياتها
من جانبه، رأى الكاتب والاقتصادي والأكاديمي الدكتور حسين البناء، أن القرار القطري "سينعكس ويتجلى على علاقات الدوحة السياسية والاقتصادية مع منظومة مجلس التعاون الخليجي وسوق النفط والغاز، وبلغة أكثر وضوحاً فإن قطر كما يبدو تمر حالياً بمرحلة إعادة ترتيب علاقاتها وأولوياتها، بناءً على المصلحة الوطنية العليا، متجاوزة التعقيدات الاقتصادية والسياسية الناشئة عن هذا التوجه".
وذكر أن قطر هي أحد أعضاء أوبك الفاعلين والمُنْضَمّين الأوائل لها، فهي الدول الخامسة عالمياً في قطاع الغاز الطبيعي، والدولة الرابعة والعشرين في قطاع النفط.
وأضاف البناء في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنه "منذ أن أُسست أوبك في العام 1960 واجهت قضية تعليق العضوية والانسحاب الكامل لبعض الدول الأعضاء، ومنها دول إندونيسيا، والإكوادور، والغابون، فمسألة الانضمام للمنظمة هي قضية تتعلق بقرار الدول ومصالحها التجارية فيما يتعلق بإنتاج النفط وتصديره".
ورأى أن "أسباب خروج قطر من المنظمة تقع في اتجاهين اقتصادي وسياسي، فمن الناحية الاقتصادية يبدو أن قطر باتت تركز اهتمامها الرئيس على قطاع الغاز بشكل واضح، حيث إن سوق الغاز يبدو أكثر استقراراً وأفضل تنافسية".
وذكر أيضاً أن "هبوط سعر النفط الحالي، الذي لا يمكن تفسيره بشكل اقتصادي مجرد، هو قضية مثار بحث واستقصاء؛ حيث إن التفاعلات العالمية السياسية والمضاربات في الأسواق باتت المؤثر الرئيس للتسعير، علاوة عن العرض والطلب السوقي"، في إشارة إلى ضعف دور أوبك بتعزيز استقرار السوق.
كما لفت إلى أن الحصار الذي تفرضه السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر قد جعلها تعيد النظر في أولوياتها الوطنية وتشكيلة التحالفات السياسية والاقتصادية حالياً، ويبدو أن الدوحة ترى بالسعودية القوة المحركة الرئيسة في أوبك، وهو ما جعل الملف السياسي ينعكس على الالتزامات الاقتصادية للمنظمة.
جدير بالذكر أن قطر من أوائل الدول التي انضمت إلى منظمة أوبك بعد تشكيلها من خمس دول، هي إيران والعراق والكويت والسعودية وفنزويلا عام 1960.
ونجحت أوبك في الحصول على اعتراف عالمي بها عام 1973 عندما نجحت في تخفيض الإنتاج في ذلك العام، وحظرت تصديره للدول والشركات المتحالفة مع "إسرائيل" أثناء حربها مع مصر، ما أدى إلى تفاقم الركود العالمي.
ويشكل الغار الطبيعي المسال، إلى جانب النفط الخام، المصدر الأساسي للثروة في قطر، الدولة الخليجية التي تتمتع بأعلى دخل للفرد في العالم.
ومؤخراً وافقت أوبك وحلفاؤها، ومن بينهم روسيا، عام 2016 على خفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يومياً للحد من وفرة النفط عالمياً الذي أدى إلى انخفاض سعره إلى أقل من 30 دولاراً بعد أن وصل سعره إلى 100 دولار.
وتاريخياً، هناك ثلاث دول غادرت المنظمة، من بينها دولتان عادتا بعد الانسحاب، فقد غادرت الإكوادور عام 1992 بعد أزمة اقتصادية وسياسية، وبقيت عضويتها معلقة حتى عام 2007، وأيضاً غادرت الغابون عام 1995 ولكنها عادت عام 2016، وعلقت إندونيسيا عضويتها عام 2016 بعد أن أصبحت بلداً مستورداً للنفط.