ستراتفور- ترجمة شادي خليفة -
بعيدا عن شبه الجزيرة العربية، تقع دولة المغرب في شمال غربي أفريقيا. لكن الرباط تجد نفسها في خضم أزمات مجلس التعاون الخليجي أكثر من أي وقت مضى.
ففي 20 مارس/آذار الجاري، اتصل العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، بنظيره المغربي "محمد السادس" لمناقشة العلاقات بين المملكتين الأكبر في العالم العربي. ووفقا للإعلام السعودي، ناقش الطرفان سبل تحسين العلاقة، التي يتشكل المكون الاقتصادي منها إلى حد كبير من واردات الطاقة من المملكة العربية السعودية، والسياحة الثنائية، والاستثمار السعودي في المغرب.
يأت ذلك فيما وصلت العلاقة السياسية بين البلدين إلى مرحلة صعبة في الأعوام الأخيرة، حيث رفضت الرباط التماشي مع سياسات الرياض الإقليمية، وتمسكت بالحياد في حملة السعودية لعزل قطر. كما أعلنت الهيئة الوطنية المغربية للطاقة، قبل أسبوع من اتصال العاهل السعودي، أن الشركة الوطنية للنفط في قطر؛ قطر للبترول، قد أبرمت اتفاقا للتنقيب في 13 كتلة استكشاف بحرية في البلاد.
علاقة مجروحة
وخلال العامين الماضيين، أصبحت علاقة السعودية بالمغرب معقدة. حيث عبرت الرياض عن آمالها في أن تقلل الرباط من علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الدوحة، عبر الالتزام بالخط السعودي في الشؤون الإقليمية، إلا أن المغرب رفض اتخاذ أي موقف. واختار الملك "محمد السادس" زيارة الدوحة في رحلة رسمية عام 2017 بدلا من ذلك.
وكان المغرب أيضا أحد الدول العربية القليلة التي لم تدعم السعودية بحزم بعد اغتيال الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" في قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. والأكثر من ذلك، انتهزت الرباط الفرصة وسحبت قواتها من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
وفي المقابل، لم تكن قرارات المغرب بلا تداعيات. ففي العام الماضي، صوتت السعودية ضد ملف المغرب لاستضافة كأس العالم 2026، في حين رفض الملك "سلمان" أيضا قضاء إجازته السنوية في قصره في طنجة، والتي عادة ما تعزز الإنفاق السعودي في قطاع السياحة المغربي. وفي عام 2016، وعدت السعودية أيضا باستثمار 22 مليار دولار في الجيش المغربي، لكن لم يتضح حجم الأموال التي قدمتها خلال العامين الماضيين. وفي الشهر الماضي، بثت قناة العربية الإخبارية السعودية تقريرا مصورا طعن في شرعية مطالبات المغرب بالسيطرة على الصحراء، ونتيجة لذلك، سحبت الرباط سفيرها في الرياض.
خط المغرب المستقل
وعلى الرغم من الضغوط، لم تستسلم المغرب للإملاءات السعودية. ووفقا لذلك، من المرجح أن المكالمة الهاتفية من الملك "سلمان" كانت تهدف للتحكم في الضرر الحادث في العلاقة الثنائية المتوترة. فالمغرب، بعد كل شيء، بلد لا يعتمد عن كثب على العلاقات مع السعودية للحصول على الدعم الاقتصادي والسياسي، لأنه يضم واحدا من أكثر اقتصادات العالم العربي تنوعا، ويتمتع بصلات اقتصادية وسياسية قوية مع أوروبا والولايات المتحدة. كما أمضى العقد الماضي في محاولة للتوجه نحو أفريقيا وتعزيز العلاقات مع البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، لا سيما في أفريقيا الفرنكوفونية، مما يعني أنه لا يحتاج الكثير من واردات السعودية من الطاقة مقارنة بالأعوام الأخيرة.
ويمنح هذا الرباط درجة من الاستقلال عن الرياض تفتقر إليها بعض الدول المجاورة للسعودية، مثل لبنان والكويت وعمان والأردن. وربما تكون الرياض قد حسبت أن تكلفة التصعيد المستمر مع الرباط لا تستحق العناء.
شفاء الجروح
وفي حين أن العلاقة بين البلدين وصلت إلى مستويات جديدة من السوء، فإن للمملكتين تاريخا طويلا ووثيقا من التعاون، مما يوحي بأن العلاقات من غير المرجح أن تسقط تماما. وإذا واجهت أي من المملكتين تهديدا كبيرا، فستضع الأخرى الاختلافات حول القضايا البسيطة جانبا وتقدم الدعم لشقيقتها.
ففي نهاية المطاف، يتذكر المغرب كيف قدمت السعودية دعما ثابتا له في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي خلال حربه الدموية ضد "البوليساريو"، ويدرك جيدا أنه قد يحتاج مجددا إلى المساعدة إذا أصبحت الجزائر أكثر حزما بشأن القضية.
ومن السابق لأوانه القول ما إذا كان قرار الملك "سلمان" بالاتصال بنظيره المغربي سيبدأ في إصلاح العلاقات بين البلدين. لكن بالنظر إلى تفضيل الرباط لسياسة خارجية أكثر استقلالية، تتضمن علاقات ودية مع الدوحة ورفض الوقوف جنبا إلى جنب مع الرياض في جميع القضايا، فمن غير المرجح أن تصبح المملكتان على نفس الصفحة، حتى إذا ما أصبحت علاقتهما في ظروف أفضل.