متابعات-
طفت على السطح مؤخراً تناقضات وحرب إعلامية بين المملكة المغربية وحليفتيها السابقتين؛ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتُرجمت عبر هجمات إعلامية شنتها وسائل إعلام تابعة للدولتين الخليجيتين.
الخلافات بدأت تظهر لأول مرة بين البلدان الثلاثة منذ أواخر عام 2017، وكانت بمنزلة سحابة صيف عابرة، لكن سرعان ما تحولت إلى فرز استراتيجي واضح خيّم على عدة ملفات وقضايا.
أبرز تلك القضايا كان ما يجري من تدخل في شؤون ليبيا واليمن مروراً بحصار دولة قطر، ثم استهداف المصالح المغربية في غرب أفريقيا، وتدخل الإمارات في موريتانيا، الجار الجنوبي للمغرب.
ووصلت الأزمة إلى ذروتها مع سحب المغرب سفيرها في البلدين الخليجيين للتشاور، في فبراير من العام الجاري، إضافة إلى التصريحات التي نقلتها "وكالة أسوشييتد برس" عن مسؤولين مغاربة بانسحاب الرباط من التحالف السعودي الإماراتي في اليمن في نفس فترة سحب السفيرين.
المغرب يستدعي سفيره من الرياض و"يوقف مشاركته في التحالف العربي في حرب اليمن" https://t.co/alYuBjbHXT pic.twitter.com/U7Mjugy81Z
— BBC News عربي (@BBCArabic) February 8, 2019
ويبدو أن ما كان سابقاً يُعد خلافاً دبلوماسياً مستتراً بدأ مؤخراً يخرج إلى العلن من خلال "حربٍ إعلاميةٍ"، تُستخدم فيها تمويلات ضخمة لشراء ذمم الكُتاب وأصحاب المواقع الإخبارية وإنشاء قنوات تلفزيونية موجَّهة للمغرب.
أحدث أزمة
وكشفت وسائل إعلام مغربية الاثنين (22 أبريل 2019) عن أزمة دبلوماسية حادة بين الرباط وأبوظبي؛ تمثلت بمغادرة السفير الإماراتي في الرباط، علي سالم الكعبي، المغرب بناء على "طلب سيادي عاجل" من أبوظبي.
وبحسب ما أوردته وكالة "الأناضول"، نقلاً عن وسائل إعلام محلية بينها صحيفة "أخبار اليوم"؛ فإن الكعبي غادر الأراضي المغربية الأسبوع الماضي عائداً إلى بلاده بشكل مفاجئ.
وأشارت الصحيفة المغربية إلى أن السفير الإماراتي الذي لم يمض على تعيينه عام واحد غادر بناء على طلب سيادي مستعجل، دون توضيح الأسباب.
ولم يصدر تعليق رسمي سواء من قبل السلطات المغربية أو الإماراتية على هذه الأنباء.
وكان وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، قد أجرى في 8 أبريل الجاري جولة خليجية شملت الكويت والبحرين وقطر، دون الإمارات.
وفي 28 مارس الماضي، قال بوريطة، إن "التنسيق مع دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، يجب أن يكون برغبة من الجانبين وليس حسب الطلب".
تقرير لـ"العربية" سبب التوتر!
في فبراير الماضي، بثت قناة "العربية" المقرّبة من السلطات الحاكمة في السعودية تقريراً يتحدث عن الصحراء الغربية، حيث تبنّى التقرير "رواية غزو المغرب للصحراء سنة 1975 بعد خروج الاستعمار الإسباني منها".
ووصف التقرير جبهة "البوليساريو" (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة)، في تغيير واضح للمصطلحات الإعلامية التي دأب الإعلام السعودي على استعمالها للحديث عن قضية الصحراء شديدة الحساسية بالنسبة إلى المملكة المغربية.
قناة العربية تهاجم المغرب وتصفه بقوات الاحتلال
— كيمو الخرج (العنزي) (@kimo_alkharj) June 15, 2017
اتمنى ان لانتبع مبدأ إن لم تكن معي فأنت ضدي فنفيق بلا اصدقاء pic.twitter.com/uNihSzXDDg
تقول مصادر إن التقرير الذي تسبب بهذه الأزمة جاء رداً على تصريحات وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في برنامج "بلا حدود" الذي بثته قناة الجزيرة، في 23 يناير الماضي، والذي قال فيه: "إن المغرب أعاد تقييم مشاركته في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن؛ بسبب انتهاك حقوق الإنسان وقضايا أخرى".
قنوات تلفزيونية جديدة موجَّهة للمغرب
نشر موقع "مغرب إنتليجانس" خبراً حصرياً، بتاريخ 8 أبريل الجاري، قال فيه إن أبوظبي طلبت من ضابط مخابرات إماراتي سابق يُدعى أحمد آل ربيعة، الإشراف على إطلاق قناة "سكاي نيوز المغرب" لتكون فرعاً لقناة "سكاي نيوز" الرسمية التي تمولها أبوظبي.
وأضاف الموقع أن هدف القناة "تضخيم خطورة الحركات الاجتماعية في المغرب"، مشيراً إلى أن السعودية انخرطت هي أيضاً في الحرب الإعلامية على المغرب، حيث من المنتظر أن تطلق "شبكة MBC" محطة تلفزيونية جديدة موجهة للمغرب، تحمل اسم "MBC Morocco".
وأوضح أن تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه بالمملكة، كلّف شركة إنتاج لبنانية "بإطلاق النار على المغرب"؛ عبر إنتاج مسلسلات وبرامج تركز على "مواضيع الدعارة والمخدرات والسحر الأسود".
وأكدت صحف ومواقع إخبارية تونسية عديدة، في الرابع من أبريل الجاري، قرب افتتاح القناة الموجهة إلى المغرب العربي، والتي تبث من تونس، مشيرة إلى أنها ستنتج برامج ضخمة موجهة إلى جمهور دول المغرب، وتملك إمكانيات ضخمة بمقاييس عالمية وميزانية إنتاج كبرى.
تدخل في وسائل الإعلام المحلية
كما نشر ذات الموقع خبراً قال فيه إن موقع "هسبريس"، الأول والأكثر متابعة في المغرب، "أصبح تحت حماية الإمارات، وإن الموقع سُجّل تحت اسم نطاق "a.e" المدرج ضمن النطاق الوطني لأبوظبي.
وكان موقع "هسبريس" شهد أزمة غير مسبوقة، في يناير من العام الحالي؛ بعد استقالة خالد البرحيلي، أحد الصحفيين المؤسسين للموقع، والذي شن هجوماً عنيفاً على الشركة المصدرة للموقع ومدير التحرير المقيم في دبي.
البرحيلي كان قد وصف على صفحته في "فيسبوك" المسؤولين عن الموقع بـ"حراس الإمارات"، واتهمهم بمنع نشر أي مقال أو خبر أو تحقيق يتحدث بسوء عن الدولة الخليجية ذاتها.
وليست هذه المرة الأولى التي يُتحدث فيها عن تدخل إماراتي في الإعلام المكتوب في المغرب، فقد نشر موقع "كود" المغربي الناطق بالدارجة المغربية، في 27 فبراير الماضي، خبراً عن زيارة مريبة لعدد من مديري نشر صحف مغربية إلى الإمارات، في أواخر سنة 2017، بالتنسيق بين سفارة الإمارات في الرباط ووزارة الاتصال المغربية.
وبحسب موقع "كود" فإن الصحفيين المغاربة خضعوا للاستنطاق كلاً على حدة، في حين وُبّخ أحد مديري الصحف المغربية بسبب تدوينة دافع فيها عن رئيس الحكومة المغربي السابق، عبد الإله بن كيران".
قضية توفيق بوعشرين
في مارس من العام الماضي، كانت البعثة الدبلوماسية لدولة الإمارات في المغرب تقدمت بشكوى ضد الصحفي المغربي توفيق بوعشرين، مدير نشر ورئيس تحرير صحيفة "أخبار اليوم" المغربية؛ بسبب مقال نشرته الصحيفة المغربية تحت عنوان "بوعشرين والإمارات".
في هذا المقال اتهم بوعشرين الإمارات بالوقوف وراء الإجراءات القضائية التي يواجهها الصحفي المغربي الذي كان حينها يحاكَم إثر اتهامه بالاغتصاب والاتجار بالبشر، قبل أن تقضي محكمة الاستئناف المغربية في الدار البيضاء بسجنه مدة 12 سنة.
وحظيت محاكمة بوعشرين بتغطية إعلامية كبرى بوصفها قضية سياسية وقضية حرية تعبير، حسب أغلب المواقع الأوروبية.
بوعشرين كان قد أنكر طوال المحاكمة كل التهم المنسوبة إليه، مؤكداً أنه ذهب ضحية قلمه وانتقاداته الشديدة لشخصيات سياسية مغربية؛ مثل الملياردير عزيز أخنوش وزير الفلاحة، والأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، وانتقاده اللاذع لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
ونقلت صحف فرنسية عن محامي بوعشرين، عبد المولى المروري، قوله إن السعودية اشتكت إلى السلطات المغربية على الأقل في مناسبتين؛ إثر افتتاحيات لبوعشرين تنتقد سياسات المملكة.