إياد الدليمي- العربي الجديد-
مضى عامان على فرض الدول الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر ، حصارها على دولة قطر. حصار لا يبدو أن من فرضه وفكر به وقرّره كان يدرك حجم النتائج المترتبة عليه، فبعد عامين منه، خرج المحاصَر أكثر قوةً ومنعة، بينما غاص المحاصِرون في مزيدٍ من مستنقع، كانوا يعتقدون أنهم نصبوه لجارهم الخليجي. يقول الماضي القريب إن قطر دائماً كانت بالنسبة للسعودية والإمارات الجار المزعج، لا يقبل أن يكون تابعاً. وهنا لبّ الخلاف الذي كثيراً ما كان يظهر على السطح من وقت إلى آخر، ليبين مدى هشاشة العلاقة بين الأنظمة العربية المختلفة، بما فيها الخليجية التي كان يعتقد بعضهم أنها أكثر منعةً من غيرها.
من ذاك الماضي أن قطر كانت أول دولةٍ رفضت "المبادرة الخليجية" التي تقدّمت بها دول مجلس التعاون الخليحي، أو هكذا يفترض، لإنقاذ حليفها علي عبدالله صالح من قبضة شعبه اليمني بعد ثورة شعبية عام 2011. حينها يتذكّر من كان يتابع المشهد كيف أن السعودية سخّرت، في حينه، ذبابها الإلكتروني الذي لم يكن قد عُرف بهذا المصطلح بعد، من أجل الانتقاص من قطر، وإطلاق الهاشتاغ تلو الآخر، والتي تتحدث عن أن قطر تغرّد خارج السرب الخليجي.
وهكذا كانت، فقطر لا تريد أن تكون تبعاً لهذه الدولة أو تلك، فهي تؤمن أنها لا يمكن لها أن تحقق ما تخطط له من مستقبل وتنمية، من دون أن يكون لها قرارها السيادي المستقل. ولعلها الإشارة هنا أيضا إلى ما تحملته قطر في سبيل أن تبقى علاقاتها مع جيرانها طيبة، فلطالما خفضت جناحها للشقيقة الكبرى السعودية، ولطالما تصدّرت المشهد في دفاعها عنها، كلما تعرضت السعودية لانتقاد من هذا الطرف الدولي أو ذاك، هذا ناهيك عن تحمّل سياسات الشقيقة الكبرى التي كثيراً ما كانت عشوائية لا تنم عن وعي سياسي، أو إدراك لما تشهده المنطقة من تقلبات وتداعيات. من ذلك أن صالح الذي دافعت عنه السعودية بمبادرة بائسة رفضتها قطر، وحمته من غضبة شعبه، عاد ليتحالف مع الحوثيين، ويقف ضد السعوديين.
تقول الوقائع التي شهدتها المنطقة إن قطر كانت دائماً تحترم مصالح الجيران، حتى إنها كانت تقدّمها على مصالحها في بعض الأحيان، فمن ذلك أنها كثيراً ما أجلت مشاريع تنموية يمكن أن تحقق لها اكتفاءً ذاتياً، لا لشيءٍ سوى لأنها كانت لا تريد أن تضر جيرانها مثلما فعلت حين تنازلت في العام 2011 عن مجالها الجوي لصالح البحرين، دعما لاقتصاد الدولة الشقيقة.
لا يتسع المجال لذكر كل شيء في هذه العجالة، ولكن لا بأس من التذكير بعملية عاصفة الحزم التي أطلقها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مارس/آذار 2015، عندما فاجأ العالم بها، وعندما زجّ أسماء دول، من دون أن يعود إليها. وعندما طلب من قطر أن تمدّه بالقوات المسلحة لحماية حده الجنوبي مع اليمن، وهو ما لم ترفضه قطر، وسارعت إلى إرسال قواتها على أن تبقى داخل حدود المملكة قوات دفاع لا قوات هجوم، على الرغم من رفض قطر التام أي حرب في المنطقة والإقليم، قبل أن ينقلب هذا كله بين يوم وليلة، وتغادر القوات القطرية الاراضي السعودية عقب فرض الحصار الذي لم يكن هو ما تريده الدول الأربع لقطر، وإنما غزو قطر واحتلالها، كما سرّبت مصادر أميركية الكثير من تفاصيله للصحافة، غير أنها وبعد أن أدركت استحالة ذلك، قرّرت ألا تعود خالية الوفاض، وتفرض حصارا على قطر، منعت فيه دخول كل شيء في أيام رمضان، ناهيك عن إغلاق المجال الجوي، وما سببه ذلك من أضرار، يضاف إليها تقطيع أواصر القرابة بين الشعب القطري وأشقائه في السعودية والإمارات والبحرين.
كان الحصار في فقه الدول الأربع أفضل وسيلة لدفع قطر للتنازل عن سيادتها واستقلالها، وكان، كما اعتقد أصحابه، أفضل وسيلة من أجل دفع قطر إلى التوقيع على شروط تسلبها كثيرا من سيادتها واستقلالها، وكانوا يعتقدون أن ذلك ممكن، وأن الدوحة لن تصمد طويلا.
وها قد مر عامان، ماذا حصل فيهما؟ تمدّدت قطر دبلوماسياً في العالم، وتوسّع نفوذها السياسي، وزاد الاحترام الدولي لها، ناهيك عن أن قطر باتت اليوم أكثر منعة اقتصادية، بعد أن شرعت في تنفيذ مشاريع عديدة كانت مؤجلة، إكراما للشقيق والجار. وفي المقابل، السعودية والإمارات، قطبا الحصار، باتتا اليوم في أزمة تكبر وتتسع يوما بعد آخر. يكفي أن القمم الثلاث التي دعا لها الملك سلمان في مكة في رمضان الماضي لم تحقق حتى الحد الأدنى المطلوب منها.
يمكن القول إن قطر اليوم حققت استقلالها الثاني، وباتت أقرب إلى أن تكون قوة مؤثرة في المنطقة والشرق الأوسط، بحنكة قيادتها التي سلكت خطاً دبلوماسياً مميزاً، يعتمد على الشفافية والمرونة والاحترام المتبادل مع من يحترم مواثيقه وعهوده.