سايمون هندرسون- معهد واشنطن-
تعدّ الشراكة الوثيقة بين المملكة العربية السعودية وجارتها الأصغر في الخليج، الإمارات العربية المتحدة من "المسلمّات" في الشرق الأوسط الجديد الذي نشأ في السنوات الأربع الفائتة، وقد اتّسمت بشكل خاص بالعلاقة الشخصية الوثيقة بين قائديْها الفعلييْن، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من السعودية والشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، أغنى إمارة في دولة الإمارات.
يُعدّ محمد بن سلمان ومحمد بن زايد شخصيتين بارزتين في تداعيات الصراعات الإقليمية الحالية. وتتداخل وجهات نظرهما إلى حدّ كبير (وإن لم يكن كلياً) مع وجهات نظر البيت الأبيض بشأن قضايا تتراوح بين التهديد الإيراني واحتمالات إحلال السلام في الشرق الأوسط، وهذا الأمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى واشنطن.
ولكن الأمور قد تتغير نظراً للاختبارات التي تمرّ بها هذه العلاقة بينما تتابع جهات فاعلة كثيرة، ومراقبون، أيضاً الأمر عن كثب. ويحتمل أن تتأثر المنطقة من شواطئ ليبيا إلى مضيق هرمز بالتداعيات، لا سيّما وأن النفط يشكّل عاملاً مشتركاً.
تُسلّط الأضواء في هذا الأسبوع على اليمن، حيث يحاول الفريقان منذ أربعة أعوام إعادة تشكيل الحكومة المعترف بها دولياً. إنها مسألة معقدة: في الواقع، بسط المتمردون الحوثيون سيطرتهم على العاصمة صنعاء منذ عام 2015، في حين حاولت الحكومة تأدية مهامها من مدينة عدن الساحلية الجنوبية.
ولكن في نهاية الأسبوع الفائت، أرغم الانفصاليون في عدن ، بدعم ظاهري من الإمارات العربية المتحدة، من تبقى من أعضاء الحكومة على الفرار إلى العاصمة السعودية، الرياض. ويبدو واضحاً، من الناحية السياسية، أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لم تعودا في ملعب واحد أو ضمن الفريق ذاته... اختر التعبير الذي يناسبك.
وركّز العالم بالتالي أنظاره على الزيارة التي قام بها محمد بن زايد في الثاني عشر من آب/أغسطس الحالي إلى مكة المكرمة التي يتسضيف فيها الملك سلمان، والد محمد بن سلمان، كبار الشخصيات الذين يقومون بزيارة المدينة المقدسة لتأدية مناسك الحج السنوية. استقبل أمير تشريفات محمد بن زايد في المطار، وكان استقبالاً حاراً كما يبدو، ثم توجه للقاء العاهل السعودي. وأُفيد أيضاً بأن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد عقدا اجتماعاً منفصلاً.
يتمثل الموقف السعودي، في العلن على الأقل، بدعوة اليمنيين إلى الحوار بغية "نزع فتيل الأزمة". وننتظر معرفة التفاصيل حول ما المقصود قوله، ولكن يشير ذلك إلى حثّ الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي على التحاور مع أولئك الذين دحروا قواته للتو من اليمن. لا يبدو أن المقصود هو تحاور أي كان مع الحوثيين - فهم بالنسبة إلى الرياض وابو ظبي وكلاء لإيران. ومن المؤكد أن طهران تسند الحوثيين، لكن ما إذا كانوا "مدعومين" أو "مُزودين" من قبلها هي مسألة نقاش دبلوماسي وصحفي كبير.
كان من الصعب قراءة تعابير وجه محمد بن زايد في الصور الرسمية التي التقطت له في خلال الاجتماعيْن اللذيْن عقدهما مع الملك سلمان ومحمد بن سلمان، فقد أخفت الكوفية وجهه. ولعل الصورة المعبّرة التي تظهر على الصفحة الأولى من صحيفة "عرب نيوز" الصادرة في الثالث عشر من آب/أغسطس الحالي، وهي الصحيفة السعودية الرئيسية التي تصدر باللغة الإنجليزية، تعكس الواقع، إذ يظهر محمد بن زايد بوجهه الجادّ محاولاً إثبات وجهة نظر لمحمد بن سلمان الذي ينظر إلى الأسفل.
ليس واضحاً ما إذا كانت هذه الصورة قد التقطت يوم أمس أو في أثناء اجتماع سابق، ولكنها توضّح المسار الذي تسلكه الأزمة اليمنية. وتشير الوقائع إلى أنهما مختلفان على الأساليب، ما أدى حالياً إلى نكسة استراتيجية. أما الرواية التي دُعينا إلى تصديقها فهي أن العلاقة بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، وبين بلديهما، لا تزال وثيقة كما كانت دائماً.
شكّل محمد بن زايد الذي يتسم بالاعتدال والتحفّظ داعماً أساسياً لمحمد بن سلمان منذ تولّى الملك سلمان العرش السعودي في كانون الثاني/ يناير 2015 وبدأ محمد بن سلمان بالارتقاء السريع ليصبح وزير الدفاع ونائب ولي العهد وولي العهد والآن الملك في مهامه كلها إلا بالاسم. واعتُقل في غضون ذلك أمراء ورجال أعمال في فندق " ريتز-كارلتون" في الرياض، وكذلك قتل الصحفي المنشق، جمال خاشقجي. وازداد أيضاً إنفاق محمد بن سلمان، بما في ذلك الإنفاق على يخت وقصر، ووصل به الأمر إلى شراء لوحة "سلفاتور موندي"، للرسام ليوناردو دا فنشي، وتقديمها كهدية لمحمد بن زايد.
وفي مرحلة من المراحل، وصفت بضعة مقالات محمد بن زايد بأنه مستشار محمد بن سلمان، أو وصفت العلاقة التي تجمعهما بالـ"الصداقة الحميمة"، ولكن يبدو أن الأمير السعودي يرفض النصيحة والتوجيه على نحو متزايد. أما اليمن فلا يزال على الأرجح أمراً ثانوياً في أحداث الشرق الأوسط، ولكن حتى قبل الأحداث الأخيرة، بدأت الإمارات في التراجع عن مشاركتها في التخلص من نظام الحوثيين في صنعاء. ويُعتقد أن محمد بن زايد راض بإنشاء جنوب يمني منفصل. ولكن ما إذا كان هذا جزءاً من رؤية محمد بن سلمان أو ما إذا كان مستعداً لقبول وقائع جديدة... هذا هو السؤال المُلحّ الذي يُطرح.