الخليج أونلاين-
تسير السعودية منذ سنوات في تحالف وثيق مع الإمارات على عدة ملفات في قضايا المنطقة، تشمل الموقف الإقليمي تجاه عدة قضايا، حتى طفت على السطح بوادر تباين بين الطرفين وصل إلى حد تبادل السجالات الإعلامية.
وعلى الرغم من هذا التحالف البعيد الأمد، هناك هدف مشترك يهدد بتباين بينهما، وهو أن كليهما حريص على تقليل اعتماده على صادرات النفط والغاز من خلال تنويع الاقتصاد، وهذا ما يضعهما في مسار معاكس.
وتسببت الخلافات داخل منظمة أوبك مؤخراً حول الكمية المقدرة للسماح بإنتاج النفط، ببروز بعض القضايا المتراكمة بين أبوظبي والرياض، خصوصاً فيما يتعلق بأزمة الخليج والتطبيع مع "إسرائيل" وحرب اليمن، وقضايا أخرى، بحسب ما أشارت صحف غربية استناداً لوقائع على الأرض.
خلافات أوبك
وتقول صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، في تقرير لها نشرته في 4 يوليو، أن الجدل يدور في أبوظبي على أعلى المستويات في شركة النفط الوطنية حول ما إذا كان سيتم ترك "أوبك" وأن المغادرة ستسمح للإمارات بتمويل خطط لتنويع الاقتصاد.
وأضافت الصحيفة: "في الأيام القليلة الماضية ظهرت تصدعات في هذه الوحدة (مع السعودية) مع تباعد مصالح الرياض وأبوظبي مرة أخرى حول قضايا تتراوح بين إنتاج النفط، واليمن، والتطبيع مع "إسرائيل"، وطريقة التعامل مع الوباء".
وإلى جانب ذلك أشارت الصحيفة إلى أن الإمارات "بينما قبلت الجهود التي تقودها السعودية لإنهاء الحظر التجاري والسفر المفروض على قطر فإن أبوظبي تشعر بالقلق من سرعة المصالحة مع الدوحة، وبالمثل أثار احتضان الإمارات لإسرائيل في أعقاب تطبيع العلاقات العام الماضي دهشة السعودية".
وتشير أيضاً الصحيفة إلى أن ما أسمته بـ"تهديد المملكة العربية السعودية بقطع الشركات متعددة الجنسيات عن العقود الحكومية المربحة إذا لم تنقل مقرها الرئيسي إلى الرياض، هو هجوم ضمني على دبي، المركز التجاري للإمارات العربية المتحدة حيث يتمركز معظمها".
اتهامات سعودية
ويبدو أن السعودية ضاقت من بعض التصرفات الإماراتية، حينما خرج وزير الطاقة، الأمير عبد العزيز بن سلمان، معلناً رفض بلاده معارضة الحليفة الإمارات اتفاقاً يجري التفاوض حوله بين أعضاء تحالف "أوبك +" حول تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط الحالي.
ونقلت وسائل إعلام سعودية، في 5 يوليو، عن وزير الطاقة، الأمير عبد العزيز بن سلمان، دعوته الإمارات إلى "التنازل والعقلانية" للتوصل إلى اتفاق عندما يستأنف التحالف اجتماعه، اليوم الاثنين.
وأضاف: "اقتراحنا حظي بقبول الجميع ما عدا الإمارات، التي عبَّرت عن رأيها"، مؤكداً أن "شيئاً من التنازل وشيئاً من العقلانية هما المُخلّص الحقيقي لنا".
بدورها نقلت قناة "الشرق" السعودية عن مصدرٍ قوله إن موقف الإمارات بشأن زيادة إنتاج النفط وتمديد اتفاق "أوبك+" يهدد بانهيار الاتفاق بين الدول الأعضاء في المنظمة.
فيما انتقدت الإمارات، في ذات اليوم، اتفاقاً يجري التفاوض بشأنه بين أعضاء تحالف "أوبك +" (+OPEC) حول تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط الحالي، واعتبرت أن الاتفاق "غير عادل"، مطالبة بمراجعة نسب الإنتاج للقبول به.
قرار مثير للجدل
وبينما أظهرت أزمة أوبك تباينات عديدة بين الجانبين، اتخذت السعودية قراراً اعتبره البعض مثيراً للجدل بإعلانها تعليق الرحلات الجوية إلى ثلاث دول، بينها الإمارات، بسبب كورونا.
وأعلنت السلطات السعودية أيضاً إيقاف الرحلات الجوية بين الدول الممنوع السفر منها وإليها، وتطبيق الحجر المؤسسي على جميع القادمين منها مواطنين وغيرهم.
وعقب ذلك ضاعفت الخطوط الجوية السعودية رحلاتها إلى الإمارات لإعادة مواطنيها الموجودين هناك عقب قرار وزارة الداخلية الأخير بمنع سفر السعوديين إلى الدولة الجارة بسبب مستجدات الوضع الوبائي.
وبينما اعتبر بعض الإماراتيين أن القرار مرتبط بالخلافات الحالية بين الجانبين، علّق المحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي قائلاً: "ألم تعلن وزارة الصحة الإماراتية - مشكورة وبكل شفافية - أن المتحورات الثلاث (ألفا بيتا دلتا) متفشية بالبلاد؟ والكل يعرف أن الوضع عندكم خطير جداً خاصة في دبي"، مضيفاً: "عافية شعبنا مقدمة على تعافي سياحتكم".
فيما اعتبر عضو مجلس إدارة مؤسسة دبي للإعلام، جمال بن حويرب، أن القرارات التي اتخذتها السعودية "بعد الجهود الكبرى التي تقوم بها دولة الإمارات لمكافحة كورونا ومتحوراتها لن نصدق أن سبباً صحياً وراء حظر السفر، بل أسباب أخرى ولا بدّ!".
أما عبد الله بن عقيدة المهيري، الأمين العام لصندوق الزكاة بالإمارات، فقد أبدى استغرابه من "تسييس القرارات، وتراهم يتراشقون في الاتهامات وترتفع التوترات بين الشعوب العربية".
من جانب آخر، قالت وكالة "رويترز" إن المملكة العربية السعودية عدلت قواعدها الخاصة بالواردات من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، حيث استبعدت السلع المصنوعة في المناطق الحرة أو التي تضم مدخلات إسرائيلية، والتي قد تؤثر على الاقتصاد الإماراتي بشكل خاص.
وتعد المناطق الحرة المحرك الرئيسي لاقتصاد الإمارات العربية المتحدة، وهي المناطق التي يمكن للشركات الأجنبية العمل فيها في ظل تنظيم خفيف، وحيث يُسمح للمستثمرين الأجانب بالاستحواذ على ملكية الشركات بنسبة 100%.
أزمة مستترة
يتحدث الاستشاري الإعلامي والباحث في الشؤون الإعلامية، حسام شاكر، عن وجود تنافس بين الرياض وأبوظبي "قائم على التنافس والتنافر بين مواقفهما"، لافتاً إلى أن ما يحدث في أوبك "يشير إلى أزمة مستترة كان قد ظهر بعض منها في الخريف الماضي عندما كانت الرياض تضغط باتجاه تخفيض الإنتاج النفطي للحفاظ على الأسعار".
ويوضح لـ"الخليج أونلاين" بقوله: "كانت ثمة شكاوى من وزير النفط السعودي في ذلك الوقت بأن بعض الدول لا تلتزم بالتخفيض اللازم، وكانت الإشارة واضحة إلى الإمارات تحديداً، والآن يتجدد الموقف أو التأزيم مع المسعى الذي تقوده السعودية من أجل زيادة الإنتاج النفطي".
ويرى أن هذا الملف "يكشف عن تنافس غير معلن بين أبوظبي والرياض في عدد من الملفات وليس فقط في الملف النفطي، وفي مقدمتها اليمن الذي كان يوجد تحالف مشترك بينهما في الميدان، قبل أن تخرج الإمارات وتترك السعودية وحيدة وتجهز قوات موالية لها في جنوب البلاد من أجل السيطرة على الأرض".
وتابع: "هذا أيضاً مثال آخر على المأزق، والاستنتاج العام الذي يمكن أن نستخلصه هو أن العلاقات الإقليمية الخليجية أو الاصطفافات التي تبدو أنها متماسكة للوهلة الأولى هي في الواقع عملياً هشة إلى حد بعيد، ويمكن أن تنقلب إلى أزمات بشكل غير متوقع".
ويرجع ذلك إلى "تقليل إدارة الأزمات في المنطقة الخليجية بحيث إن الأزمات تندلع فجأة وتخبو أيضاً فجأة وهذا من صيغة العلاقات المتبادلة بين دول الخليج".
ويرى أيضاً أن تقاليد العلاقات في المنطقة الخليجية "تقوم على كثير من المستتر تحت السطح، والذي قد يفاجئ الشعوب والجماهير وحتى المراقبين، وكيف يمكن أن تتدهور سريعاً أو تتطور بما يعطل حتى القدرة الاستشرافية على رسم مآل العلاقات والاصطفاف في المنطقة عموماً".
ويضيف: "العلاقة السعودية الإماراتية بدت وثيقة خلال العقد الأخير ومشتركة على أكثر من صعيد، وخاصة فيما يتعلق بإدارة المواقف في دول الربيع العربي، وكان ثمة اصطفاف قائم في أكثر من ملف، وكانت الإمارات لها طابع المبادرة في عدد الملفات، والسعودية تأتي لاحقاً، وبعضها كانت فيه أبوظبي جريئة؛ كما حدث في التطبيع مع "إسرائيل".
ويعتقد أن هذه الاصطفافات "تبدو مهددة وتقوم في الواقع على معادلة اصطفاف هشة يمكن أن تنهار فجأة إلى درجة أن نشهد ما يشبه عقوبات معينة من الجانب السعودي على الإمارات؛ كما تجلى في مسألة وقف خطوط الطيران فالذريعة كانت التدابير الوقائية من كورونا، لكن السياق العام يشير إلى أنها تدابير عقابية، أو ما يبدو أنه مسعى لتحذير أبوظبي من اتجاهها إلى ما يمكن أن يكون تحدياً للموقف السعودي في منصات دولية مثل أوبك".
ويرى أن تلك العلاقات لا يمكن التنبؤ بها، وفي اتخاذ القرار في العواصم العربية عموماً والخليجية بشكل خاص "بحيث أنه لا يبدو أنها تنهض على أساس استراتيجي مستقر وإنما على حسابات قد تكون عارضة أحياناً أو فيها نوع من سلوك انفعالي وارتدادي سريع بشكل لا يمكن أن تنهض معه علاقات إقليمية متماسكة على المدى البعيد، خاصة بالنسبة لإقليم خليجي عربي يرفع شعارات مواجهة".
تباين سابق
على مدار العامين الماضيين فقط كانت هناك منافسة شديدة على الاستثمار بين دبي والسعودية، حيث قدمت الأخيرة سوقاً أكبر لتعويض نمط الحياة في الإمارات بحسب وكالة "بلومبيرغ".
وفي فبراير الماضي، قررت الحكومة السعودية الضغط على الشركات الدولية لتحويل مراكزها ومقارها في الشرق الأوسط إلى المملكة، بعدما أعلنت أنها ستتوقف، ابتداء من بداية عام 2024، عن توقيع العقود مع الشركات الأجنبية التي تتخذ مقارَّ إقليمية لها في أي دولة أخرى في منطقة الشرق الأوسط، ولا يوجد مقر لها في المملكة، في إشارة إلى تلك الموجودة في الإمارات.
ومع إعلان الإمارات انسحابها من اليمن عام 2019، تناقلت وسائل إعلام دولية عدم رضى السعودية من تلك الخطوة، بعدما تركت أبوظبي الرياض وحيدة في أزمة اليمن.
وفيما يتعلق بالأزمة الخليجية، تأخرت الإمارات أربعة أيام متجاهلة إعلان الكويت التوصل إلى نتائج إيجابية في جهود إنهاء الأزمة الخليجية، على عكس السعودية التي سارعت بعد ساعات فقط إلى الترحيب بذلك الإعلان، ما عده البعض رفضاً إماراتياً للخطوة السعودية نحو إنهاء الأزمة.
إشارات متناقضة
المحلل السياسي محمود علوش يعتقد أن المسار الذي تسلكه العلاقات السعودية الإماراتية في الآونة الأخيرة "يعطي إشارات متناقضة".
ويقول "علوش" في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "الوحدة التي كنا نراها في المواقف السياسية لم تعد تنسجم مع التباينات الواضحة التي بدأت تظهر بشكل أوضح بعد المصالحة السعودية مع قطر، والرغبة السعودية بإنهاء الأزمة مع تركيا، فضلاً عن عدم انسجام الموقف الإماراتي مع السعودية داخل أوبك وهو ما يزعج السعوديين على نحو كبير".
ويرى أن التحالف السعودي الإماراتي "له بعدان؛ الأول شخصي وارتبط بالعلاقة الوثيقة بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، والثاني ارتبط بالتقاء مصالح في عدة قضايا على رأسها حرب اليمن والموقف من قطر وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين".
ويعتقد أيضاً أنه بعد اندلاع الصراع بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي بدأ الشقاق يظهر في هذا التحالف، رغم سعي الجانبين إلى إدارة الأزمة بينهما والحفاظ على الشراكة، ولكن ذلك "لم يحل دون بروز خلافات بين البدين حول الوضع بجنوب اليمن".
ويلفت إلى أن هناك "تنافساً اقتصادياً واضحاً بين البلدين، يبرز من خلال خطوات السعودية لجذب الاستثمارات الخارجية والشركات الأجنبية بعيداً عن الإمارات".
خيارات متعارضة
ويؤكد المحلل المختص بالشؤون الإقليمية أن "التحولات الإقليمية والدولية تدفع أبوظبي والرياض إلى تبني خيارات متعارضة في قضايا خارجية، حتى على المستوى الخليجي".
ويكمل موضحاً: "باتت الرياض تولي أهمية مجدداً لوحدة مجلس التعاون الخليجي وإعادة تفعيل دوره الخليجي والإقليمي، في حين فضل الإماراتيون سابقاً الشراكة الثنائية مع السعودية على حساب دور المجلس".
وبشأن قضية النفط، يشير إلى أن الخلافات تبدو واضحة بين الجانبين؛ فالرفض الإماراتي للاتفاق السعودي الروسي حول زيادة الإنتاج "كشف تزايد الهوة بين الرياض وأبوظبي"، لافتاً إلى أن "السعوديين يعتبرون الموقف الإماراتي تهديداً لوحدة أوبك".
وفيما يتعلق بالمستوى الإقليمي يعتقد "علوش" أن المصالحة السعودية مع قطر تسببت بـ"ببرودة في العلاقة مع الإمارات"، مضيفاً أن الإشارات التصالحية التي أرسلتها الرياض لأنقرة زادت من هذه البرودة، وفق قوله.
وأكمل بقوله: إن "الاتجاه الإماراتي نحو إسرائيل بمعزل عن السعودية يعمق الهوة الآخذة في الاتساع"، قبل أن يخلص في ختام حديثه إلى أن "هناك شعوراً في الرياض بأن النفوذ السعودي في قضايا الإقليم يتراجع لحساب الإماراتيين".