هلال خاشان- جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة الخليج الجديد-
تبدو العلاقات بين السعودية والإمارات قوية ظاهريا فقد عمل كلا البلدين عن كثب لتقويض الثورات العربية. واشترك الجانبان في الإطاحة بالرئيس المصري الراحل "محمد مرسي"، كما شكلا تحالفا لشن الحرب ضد المتمردين الحوثيين في اليمن عام 2015، وفرضا حصارا صارما على قطر عام 2017 استمر لأكثر من 3 أعوام.
وكثيرا ما يقول زعماء البلدين إن ما يجمعهما يتجاوز ما يفرق بينهما. ومع ذلك، فإن علاقتهما في الواقع محفوفة بالتوتر وانعدام الثقة.
وتكشف نظرة متعمقة في تاريخ وأهداف كلا البلدين أن خلافاتهما عميقة الجذور ولن تتبدد في المستقبل القريب.
تاريخ مشحون
في الواقع، كانت العلاقة بين السعودية والإمارات مضطربة منذ عقود. وفي القرن الـ19، اندلع القتال بين السعوديين التوسعيين ومشيخات الساحل المتصالح بقيادة أبوظبي، والتي أصبحت حاليا دولة الإمارات.
وفي منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، اندلع الخلاف حول واحة "البريمي" بين السعوديين من جهة وأبوظبي وعُمان من جهة أخرى، وتم طرد السعوديين من المنطقة بدعم بريطاني.
وعندما تأسست دولة الإمارات عام 1971، رفضت الرياض ضم البحرين وقطر إلى الدولة الجديدة.
واحتلت القوات السعودية خليج "خور العديد" في أبوظبي، الذي يبلغ طوله 40 كيلومترا.
كما منعت الرياض قطر من بناء جسر يربطها بالإمارات عام 1974؛ حيث قررت أن تظل القوة المهيمنة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية.
ولم تعترف السعودية بالإمارات حتى عام 1974، عندما أجبر الملك "فيصل" الشيخ "زايد بن سلطان آل نهيان"، أول رئيس لدولة الإمارات، على توقيع معاهدة جدة.
لكن لأنها أعطت ملكية "خور العديد" للسعوديين، لم يصادق الإماراتيون على المعاهدة، وظلت مصدر توتر بين البلدين.
وكان مجلس التعاون الخليجي أيضا ساحة للاحتكاك بين الجانبين. وأقنع توقيع مصر على معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1978 وبدء الحرب الإيرانية العراقية عام 1980 الإمارات بالموافقة على إنشاء مجلس التعاون الخليجي تحت القيادة السعودية عام 1981، بالرغم من التردد الإماراتي السابق.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصيب المراقبون بالدهشة عندما رفضت الإمارات الموافقة على مقترح سعودي بشأن حصص إنتاج النفط خلال اجتماع "أوبك+".
إذ طالبت أبوظبي بحصة أكبر من الإنتاج، بينما أصرت الرياض، بدعم من موسكو، على الإبقاء على تخفيضات الإنتاج حتى نهاية عام 2022، بدلا من إنهائها في أبريل/نيسان 2022 كما تريد الإمارات.
ولا شك أن الإمارات بحاجة إلى زيادة السيولة للتخفيف من آثار جائحة "كورونا"، بما في ذلك انخفاض إنتاج النفط وفقدان عائدات السياحة.
ولن يكون من المستغرب أن تحذو الإمارات حذو قطر وتترك المنظمة. ويدرك كلا البلدان أن نهاية عصر النفط تقترب وتريدان الاستفادة من احتياطياتهما الهائلة قدر الإمكان.
ولا يعد الخلاف حول تخفيضات الإنتاج في وقت سابق من هذا الشهر سوى غيض من فيض.
وعلى عكس السعودية التي تصر على أن إنتاج أكتوبر/تشرين الأول 2018 يجب أن يكون خط الأساس لتخفيضات الإنتاج بنسبة 10% التي اتفق عليها أعضاء "أوبك"، تطالب الإمارات بنقل خط الأساس إلى أبريل/نيسان 2021، عندما زاد إنتاجها من 3.1 ملايين برميل يوميا إلى 3.84 ملايين برميل يوميا.
وتقول الإمارات إنه حتى عند خط الأساس الأعلى، سيظل ثلث طاقتها الإنتاجية على الأقل معطلا، بما يفوق أي منتج آخر داخل "أوبك+".
ومع ذلك، فإن الصراع غير المعلن بين الرياض وأبوظبي أعمق بكثير من حصص الإنتاج وأسعار النفط.
وفي سعيها لتحويل الاقتصاد السعودي بحلول عام 2030، تخطط السعودية لأن تحل محل دبي كمركز للأعمال والنقل والسياحة في الشرق الأوسط.
وفي الغرف المغلقة، يعرب مسؤولو أبوظبي عن استيائهم من المواقف السعودية تجاه الإمارات.
ويقولون أيضا إن البلدين اتفقا على تطبيع العلاقات مع إسرائيل في وقت واحد، لكن الملك "سلمان بن عبدالعزيز" رفض المضي قدما في الصفقة؛ ما جعل الإمارات تبدو وكأنها الشرير الذي تخلى عن القضية الفلسطينية.
نرحب بالمنافسة
ودفع تراجع النفط كمحرك للتنمية الاقتصادية أفراد العائلة المالكة السعودية للتنافس مع الإمارات في قطاعات الأعمال التي أمضت نصف قرن في تطويرها.
ويشعر ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بالغيرة من نجاح دبي المذهل في هذه المجالات، ويتوقع أن يتجاوز مشروع "نيوم" دبي باعتبارها المدينة الرائدة في مجال التكنولوجيا الفائقة في الشرق الأوسط.
وأبلغت السعودية مؤخرا الشركات الأجنبية الراغبة في المشاركة في مشاريع حكومية أنه يجب عليها نقل مكاتبها الإقليمية، الموجودة حاليا في دبي، إلى المملكة بحلول عام 2024.
وقبل أيام قليلة، عدلت السعودية قواعدها للواردات من دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء السلع المنتجة في المناطق الحرة من الإعفاءات الضريبية، بما يؤثر بشكل أساسي على مناطق جبل علي ودبي وأبوظبي المعفاة من الرسوم الجمركية في الإمارات.
ويشن ولي العهد السعودي مواجهة اقتصادية شرسة مع الإمارات، ويفتح الباب أمام تدابير مضادة من قبل حليفه الاسمي، ولي عهد أبوظبي.
وأعلنت السعودية هذا الشهر عن خطط لتأسيس شركة طيران جديدة للتنافس مع طيران الإمارات.
وقالت أيضا مؤخرا إنها ستوسع مرافق الشحن لتستوعب 40 مليون حاوية، لتقترب من طاقة ميناء دبي البالغة 43.3 مليون حاوية.
وأوقفت السعودية سفر المواطنين السعوديين إلى الإمارات، ظاهريا لحمايتهم من "كورونا"، لكن يبدو أن القرار جزء من تحرك لإقناع السعوديين بقضاء العطلة في المملكة بدلا من دبي.
واتخذت السعودية كذلك خطوات لعزل الإمارات عن باقي دول مجلس التعاون الخليجي.
وبعد توليه السلطة، في يناير/كانون الثاني 2020، سافر سلطان عمان "هيثم بن طارق آل سعيد" إلى السعودية هذا الأسبوع في أول زيارة خارجية له.
ووافق الطرفان على زيادة التعاون الاقتصادي الثنائي وفتح طريق صحراوي سريع مباشر يتجاوز أراضي الإمارات لتسهيل حركة البضائع بين البلدين.
ويؤكد عقد الاجتماعات في "نيوم" عزم الرياض على النأي بنفسها عن الإمارات وحاجتها لإيجاد طريق بديل لمضيق هرمز الذي تهدد إيران في كثير من الأحيان بإغلاقه.
ويقول الإماراتيون إنهم يرحبون بالمنافسة. وبينما ارتفع ترتيب السعودية في سهولة ممارسة الأعمال التجارية عالميا من المرتبة 92 إلى المرتبة 62 العام الماضي، إلا أنها ما تزال بعيدة عن تصنيف الإمارات التي تأتي في المرتبة 16 على مستوى العالم.
وبالرغم أن السعوديين في عجلة من أمرهم ليصبحوا مركز الأعمال في المنطقة، لكنهم فشلوا في تطوير مهارات الموظفين المحليين، وهو الأمر الذي يعد في صميم رؤية البلاد لعام 2030.
ومن المرجح أن تؤدي عدوانية الرياض إلى اتجاه أبوظبي إلى تبسيط متطلباتها البيروقراطية في المجال القتصادي لتحافظ على تفوقها وتعيق أي تقدم في خطط التنمية السعودية.
ومن الجدير بالذكر أن لدى دبي خطة خمسية لمضاعفة حجم قطاع السياحة والطاقة الاستيعابية للفنادق وزيادة الشحن والحركة الجوية بنسبة 50%.
في غضون ذلك، فإن الثقة تتلاشى بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
وفي الوقت الذي تنفتح فيه السعودية على قطر ومصر وسلطنة عمان، فإنها متشككة في نوايا أبوظبي، خاصة بعد أن عززت علاقاتها مع المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في اليمن وسحبت قواتها من اليمن عام 2019.
وعندما أخذت السعودية زمام المبادرة في تأسيس مجلس التعاون الخليجي فقد قدمته كوسيلة لتحقيق الأمن الجماعي وتعزيز الروابط الثقافية والتكامل الاقتصادي.
لكن الدول الأعضاء فشلت في بناء قوة عسكرية مشتركة، واختارت بدلا من ذلك تجنيد المرتزقة والاعتماد على الولايات المتحدة للحصول على الدعم العسكري.
وقد تم تقديم مجلس التعاون الخليجي كذلك على أنه معادل للاتحاد الأوروبي، لكن أعضاء المجلس لم يتمكنوا من الاتفاق على عملة مشتركة، وحالت الانقسامات القبلية دون مزيد من التكامل الاقتصادي.
وبالرغم أن السعودية اختارت البقاء خارج المنافسة على قطاع الخدمات بين الإمارات وقطر إلا أن انخفاض أسعار النفط دفعها إلى المنافسة بدلا من الاندماج.