مصطفى عبد السلام- العربي الجديد-
عقوبات اقتصادية وتجارية متبادلة بين القاهرة والخرطوم أضرت بالمستثمرين والمصدرين والمسافرين.
السعودية توقف استقبال الواردات اللبنانية كافة أو السماح بعبورها عبر أراضيها، وتضع قيودا على سفر مواطنيها لبيروت.
السعودية تجمد صفقة توريد منتجات بترولية لمصر في 2016 عقب حدوث خلافات سياسية بشأن تيران وصنافير وسورية.
على الحكومات تحييد الملفات الاقتصادية والتجارية عن النزاعات السياسية وتغليب لغة المصالح كما يفعل الغرب وإبعاد الشعوب عن خلافاتهم.
ينشب خلاف بين لبنان والخليج على خلفية تصريحات جورج قرداحي بشأن اليمن فتسارع بعض دول مجلس التعاون بالتضييق على اللبنانيين وملاحقتهم في أرزاقهم وأموالهم.
تارة بملاحقة العاملين منهم في دول الخليج وطرد بعضهم من عملهم وعدم تجديد إقاماتهم، وتارة أخرى بإعادة فرض القيود على الصادرات اللبنانية المتجهة لبعض تلك الدول. وأحدث مثال في هذا الشأن وقف السعودية استقبال الواردات اللبنانية كافة أو السماح بعبورها عبر أراضيها.
وتارة ثالثة عبر إغلاق الحدود أمام الشاحنات اللبنانية المتجهة إلى دول الخليج. وتمتد تلك المضايقات لتشمل مواطني دول مجلس التعاون أنفسهم عبر وضع قيود على السياحة الخليجية إلى لبنان.
وقبل الخلاف الأخير جددت وزارة الخارجية السعودية، الطلب من مواطنيها بعدم السفر إلى لبنان الذي لا يزال مدرجاً على قائمة المملكة للدول الممنوع السفر إليها من دون الحصول على إذن مسبق منذ منتصف مايو/ أيار الماضي.
وعندما حدث خلاف سعودي - إماراتي في بداية شهر يوليو/ تموز الماضي على خلفية نزاعات سياسية واقتصادية ونفطية تتعلق بملف المصالحة الخليجية واليمن و"أوبك" وغيرها كان أول المتضررين هو المواطن في البلدين.
إذ فرضت الرياض قيود على سفر السعوديين إلى الإمارات، واستبعدت السلع المنتجة بالمناطق الحرة في الإمارات أو التي تستخدم مكونات إسرائيلية، من الامتيازات الجمركية التفضيلية، وهو ما ألحق أضراراً بالمصدّر الإماراتي والمستورد السعودي.
تكرر المشهد مع وقوع خلافات ثنائية عربية عدة، قطر ودول الخليج، السعودية والأردن، والإمارات والأردن، والسعودية والسودان، ليبيا وتونس، مصر وليبيا، اليمن والسعودية، العراق والسعودية، العراق وسورية، سورية والأردن، لبنان وسورية حيث يكون مواطنو هذه الدول أول المتضررين من تلك النزاعات السياسية بين الحكومات.
كما امتدت التأثيرات للخلافات التي تنشب بين دول عربية والخارج، وأبرز مثال على ذلك الخلافات الخليجية التركية.
في عام 2016 نشبت خلافات بين السعودية ومصر على خلفية ملفات عدة، منها تأخر البرلمان المصري في الموافقة على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، والخلاف حول سورية، وتقارب القاهرة أكثر من روسيا، الداعم الأساسي لنظام بشار الأسد، الذي تعارضه السعودية.
هنا سارعت المملكة وأوقفت شحنات المشتقات البترولية التي كانت تصدرها لمصر بحسب اتفاق تقدر قيمته بـ23 مليار دولار، إلى أجل غير مسمى، وهو ما خلق أزمة وقود طارئة في مصر عانى منها رجل الشارع والمصانع وشركات إنتاج الكهرباء.
وأعادت السعودية تدفق الشحنات البترولية عقب حل تلك الخلافات ومنها تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير.
وعندما نشبت خلافات أخرى بين البلدين في سنوات لاحقة كانت العمالة والصادرات وشركات السياحة المصرية أبرز المتضررين، حيث يتم وضع عراقيل أمامها عند دخول المملكة والتعامل معها.
ولمرات عديدة نشبت خلافات مصرية سودانية على خلفية قضايا منها حلايب وشلاتين، واتهام الخرطوم القاهرة بدعم عمليات عسكرية نفذتها حركات تمرد مسلحة في دارفور وملف سد النهضة. هنا يسارع البلدان بفرض قيود على حركة التجارة والسفر والاستثمارات، وهو ما يضر بالمواطن.
في شهر مايو 2017 وفي خضم العلاقات المتوترة بين الخرطوم والقاهرة، حُظرت صادرات البلدين، وأصدر مجلس الوزراء السوداني قراراً بحظر استيراد المنتجات الزراعية والحيوانية من مصر.
وبعدها بشهر حظرت الخرطوم دخول السلع المصرية بشكل نهائي، مع إلزام القطاع الخاص باستيراد السلع مباشرة من بلد المنشأ، من دون عبورها بمصر. وفي سبتمبر/أيلول 2016 فرضت الخرطوم حظراً على الفواكه والخضروات والأسماك المصرية.
وعندما نشب خلاف بين المغرب والجزائر كانت النتيجة وقف تدفق الغاز الجزائري إلى الرباط وعدم تجديد العقد، وهو ما يمكن أن يؤثر سلباً على المواطن المغربي واحتياجات المملكة من الغاز لشبكات إنتاج الكهرباء.
وفي إبريل/ نيسان 2019 نشبت حرب استيراد بين الأردن وسورية توّجته المملكة بحظر دخول 194 سلعة إلى أراضيها في رد على رفض الجانب السوري دخول البضائع الأردنية، رغم افتتاح المعبر معبر جابر/ نصيب بين البلدين في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2018 بعد ثلاث سنوات من إغلاقه.
كانت حجة النظام السوري في حظر دخول السلع الأردنية هي تحقيق الاكتفاء الذاتي، لكنّ هذا الزعم كان غير صحيح، بل كانت أسباب الحظر تكمن في نشوب خلافات بين البلدين تتعلق بالحدود والمعتقلين.
وعندما ينشب خلاف بين دول الخليج وأنقرة تسارع الحكومات الخليجية إلى حظر دخول السلع التركية والتضييق على الاستثمارات المتجهة إلى تركيا، وكذا على الاستثمارات الخليجية في تركيا.
وهنا يكون المواطن الخليجي، سواء أكان سائحاً أو مستثمراً أو مستورداً، هو الخاسر إذ يفتقد المستهلك سلعة تركية بسعر منافس وجودة عالية، وهذا المشهد يتكرر كثيراً في ظل استمرار تلك الخلافات.
ببساطة، تعاقب الحكومات العربية الشعوب ولا تراعي مصلحة المواطن، عندما تفرض قيوداً على حركة السفر والعمالة والتجارة والسفر والتنقل في حال حدوث خلافات مع حكومة دولة أخرى.
وهنا على الحكومات تحييد الملفات الاقتصادية والتجارية عن النزاعات السياسية، وتغليب لغة المصالح كما يفعل الغرب، وإبعاد الشعوب عن خلافاتهم التي قد تطول، أو تصدر لأسباب تافهة وشخصية ولا علاقة لها بمصلحة الدولة واعتبارات الأمن القومي.