تشاتام هاوس- ترجمة شادي خليفة -
قدم «محمد بن سلمان» (31 عامًا)، ولي العهد السعودي الجديد، نفسه كإصلاحي ومحدث. ويعتبره أنصاره فرصة لجلب المملكة العربية السعودية حتى الآن للحداثة وتلبية احتياجات وتطلعات سكانها، الذين اعتادوا على أن يحكمها رجال يتجاوزون الـ 80 من العمر، رغم أنّ غالبية الشعب نفسه تحت سن الـ 30. لكن يرى منتقدوه أنّه متهور عديم الخبرة.
وأيًا كانت وجهة النظر، يعرقل «محمد بن سلمان» النموذج التقليدي للحكومة السعودية على عدد من الجبهات في وقتٍ واحد. فلقد تغيرت السياسة الخارجية بشكلٍ كبير، بدءًا بالحرب في اليمن، الحرب الأولى التي قادتها السعودية منذ تشكيل الدولة، وحتى قيادة الإمارات والبحرين ومصر لمقاطعة قطر. وعلاوةً على ذلك، يعد صعوده المفاجئ إلى منصب ولي العهد في يونيو/حزيران كسرًا للتقليد في العائلة التي اعتادت أن تكون السلطة منذ فترة طويلة بين الإخوة كبار السن من الأخوة، ولا يمر العرش من الأب إلى الابن.
ولكن في حين يغير «محمد بن سلمان» المملكة بطرقٍ عديدة، يعد أحد التغييرات الغائبة بشكلٍ واضح هو الإصلاح السياسي. ومع ذلك، لا يمكن إهمال هذا إلى الأبد، لأنّ كل التغييرات الأخرى تفضي إلى تغيير العقد الاجتماعي الذي ترسخ في المملكة على مدى عقود.
ونظرًا لاهتمامات الشباب السعودي، فقد ارتبط «بن سلمان» بشكلٍ وثيق مع رؤية 2030، ومجموعة من الإصلاحات الاقتصادية للحد من اعتماد البلاد على النفط، وخلق المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص، مع التغيير التدريجي بشأن التضييق الاجتماعي، بما في ذلك إنشاء وكالة حكومية جديدة للترفيه، تجلب حفلات البوب إلى السعودية.
واستنادًا إلى سلسلة كاملة من سياسات التنويع الاقتصادي طورتها المملكة على مر السنين، تعتزم رؤية 2030 تحويل السعودية لمركزٍ للأعمال والتجارة واللوجستيات والسياحة. كما يخطط «بن سلمان» لبيع حصة في أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، واستخدام العائد لإنشاء صندوق ثروة سيادية. والفكرة أن يحل القطاع الخاص المزدهر محل الدور التقليدي للقطاع العام في توفير فرص العمل وتحسين النمو.
وهذا أمرٌ ضروري، لأنّ اتجاهات أسعار النفط تؤكد أنّ الحكومة لا تستطيع تحمل استمرار توسيع الإنفاق العام إلى أجلٍ غير مسمى. لكن تكمن المشكلة في أنّ جذب الاستثمارات الخاصة أمرٌ صعب أيضًا عندما تكون أسعار النفط منخفضة، حيث لا يزال المستثمرون يحكمون على توقعات النمو في المملكة على أساس أسعار النفط. وهكذا، فإنّ الآثار السلبية للتقشف المالي قد شعر بها المواطنون على الفور، في حين أنّ فوائده الموعودة لم تتحقق بعد. وفي خطوة دراماتيكية، ألغت الحكومة نظامًا معقدًا من الفوائد في القطاع العام، والذي يستخدم ضعف عدد السعوديين الذين يستخدمهم القطاع الخاص، مما أدى إلى خفض أجور العديد من الناس بنسبة 20%.
وبشكلٍ غير مفاجئ، اشتكى الناس. ولتخفيف مشاعر السخط العام، ألغى الملك «سلمان»، والد ولي العهد، تلك التخفيضات في أبريل/نيسان، ووعد بأن يحصل الجميع على ستة أشهر من المزايا بأثرٍ رجعي للتعويض.
رد فعل متوقع
وأظهر هذا التحول صعوبة التغيير الاقتصادي في بلدٍ تم فيه تشكيل العقد الاجتماعي على مدى عقود من خلال قدرة الحكومة على صرف الإيرادات دون الحاجة إلى فرض ضريبة على الدخل. ولكن هذه قصة قديمة، تكررت عدة مرات في المملكة ودول الخليج الأخرى. وكان من الممكن أن تتنبأ القيادة الجديدة بردة الفعل العنيفة هذه، وأن تستعد لها على نحوٍ أفضل، من خلال إحداث التغييرات تدريجيًا، وإبلاغها للجمهور على نحوٍ أفضل، والعمل على إنشاء شبكات أمانٍ اجتماعي، قبل البدء في برنامج التقشف. وبالنظر إلى المستقبل، فمن المتوقع أن تكون الوظائف هي التحدي التالي.
وسيؤدي خفض الإنفاق الحكومي، وخصخصة الهيئات الحكومية، إلى فقدان الوظائف. وسيستغرق القطاع الخاص أعوامًا لكي يوفر الوظائف البديلة لتلك المفقودة في القطاع العام. وتشكل مخاطر عدم المساواة والفصل بين الجنسين عددًا من المخاطر في نظامٍ سياسيٍ يقوم على توفير الدولة للمنافع. ويدعو ذلك إلى الحاجة إلى معالجة الآثار المترتبة على العقد الاجتماعي طويل الأمد.
وقد عمل «بن سلمان» على إحداث تغييرٍ في السياسة الاقتصادية وقطاع الأعمال والسياسة الخارجية والمعايير الاجتماعية وطريقة تقاسم السلطة داخل الأسرة الحاكمة. وهذا يعني التغيير في كل مجالٍ تقريبًا، عدا الإصلاح السياسي. وفي حين أدخل الملك «عبد الله» الانتخابات البلدية وعين نساءً في مجلس الشورى الاستشاري للمرة الأولى، لم تضع القيادة الجديدة أي مقترحاتٍ لإصلاحاتٍ سياسية. وهم لا يشعرون بأي ضغط للقيام بذلك. وقد أدت التداعيات العنيفة للانتفاضات العربية إلى ردع معظم السعوديين عن الحشد السياسي. وقد أُلقي القبض على بعضهم، ويخشى الكثيرون ببساطة أن يؤدي التغيير السياسي السريع إلى جعل البلاد أسوأ مما هي عليه.
تحدي الجهاديين
ومع قمع المعتدلين، أصبح الجهاديون المتطرفون، مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، الذين جندوا الآلاف من السعوديين، هم التحدي الخطير الوحيد في الداخل، لكنّ أغلبية سكان البلاد لا يريدون الاضطرابات العنيفة. وفي حين كانت الولايات المتحدة تدعو إلى الإصلاح السياسي في المملكة، فإنّ القليل في الغرب لديهم الرغبة الحقيقية في القيام بذلك في الوقت الحاضر. وستكون الحجة حاضرة للقادة السعوديين، وسيقولون ببساطة أنّ الإصلاحات السياسية على النمط الغربي قد تمكن للمتطرفين.
لكن هذا هو بالتحديد هو ما يجب أن يدفع «محمد بن سلمان» إلى تمكين السعوديين من تطوير المزيد من الأفكار لأصلية من أجل التنمية السياسية والإصلاح، وتوفير بدائل للنماذج المستوردة، بل بدائل للنماذج المتطرفة. وبعد كل شيء، تُشير التغييرات المختلفة التي يتصورها إلى مستقبلٍ لم يعد فيه المواطنون السعوديون يضمنون وظائفهم، ولم يعد من المؤكد بالنسبة للمملكة الاعتماد دائمًا على الولايات المتحدة في قضية الأمن، في حين لم يعد رجال الدين والأمراء الأقوياء متأكدين من مكانتهم. وكل ذلك من شأنه أن يعرقل العقد الاجتماعي الضمني للبلاد، مع ما يترتب عليه من آثار سياسية كبيرة.
ولن تهدأ المعارضة في السعودية إلى الأبد، وينبغي أن لا يفوت «بن سلمان» الفرصة للمضي قدمًا في منحنى الإصلاح السياسي.