عزة السبيعي- الوطن السعودية-
الإفراط في الشكوك السيئة واستباق الشر وعدم توقع الخير هما من الأعراض التي يتشارك فيها نوعية من البشر غالبا لديهم ماض عريق مع المعاصي والذنوب أو مع مخالفة الأنظمة والقوانين لا أظن أنهم كانوا يسمون أنفسهم مجتمع الفضيلة أو حتى يحددون ماهيتهم بغير أنهم مجتمع مسلم، حيث يخبرهم رسولهم صلى الله عليه وسلم أن قيمة الإنسان هي أعظم من الكعبة نفسها، وأن أوامر الله عز وجل لا تلزم في الإكراه في تنفيذها لو كان الثمن روحك أو أذيتك لأنك أنت الأهم والكون كله مسخر لحفظ عرضك ودمك وإنسانيتك.
في هذا المجتمع زنت فتاة حرة من قبيلة معروفة أدركت الفتاة بعد فترة أنها حامل فتوجهت إلى حاكم المدينة وقائد المجتمع ومعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته فأشاح بوجهه عنها حتى أخبرته بأمر الحمل فالتفت نحوها وقال "أما الآن فاذهبي حتى تلدي". لقد أشاح ليس تعطيلا للحكم ولكن لأن الشرع يمنحها فرصة ستر نفسها والتوبة فالشرع لا ينتقم منها ولا يحمل عليها ضغينة انتهاكه، ورسول الشرع وجد في الحمل فرصة لعلها تذهب وتنسى وتكتفي بالتوبة ولم يجده مدخلا لاتهامها بعدم صدق نيتها في التطهير والتوبة، لأن الحمل كان سيكشف الزنى عاجلا أو آجلا فالدخول في نيات البشر ليس شيئا في قاموس القائد المحمدي، ما يهمه هو ما يراه وهو يرى فتاة لن تعود إلى جريمة الزنى أبدا وستستقيم حياتها دون إقامة الحد عليها. رأى حياة جديدة لمسلمة طاهرة.
يستوقفني في ذلك أيضا تساؤلات عن ردة فعل مجتمع المدينة فلم يورد الرواة شيئا عن انتهاك إنسانيتها أو قيام أحد أقربائها بقتلها لأنها أهانت شرف العائلة! بل إن الرواة لم يجدوا من المعيب أن يذكروا قبيلتها. وهنا أتساءل: هل كان أهل المدينة في الحضرة المحمدية مثلنا وتكون المرأة وخطأها ذنب لا يغتفر ليقول أخوها المراهق إذا أخطأت دعوني أغسل عاري ليمطرها برصاص رشاشه ويبارك له الناس فعله!
يبدو أنهم لم يكونوا مثلنا أبداً، لأن الفتاة صاحبة القصة عادت سليمة الأضلاع تحمل جنينا ولد متعافياً ولم تتعرض أمه للتعنيف أو الإيذاء، بل يبدو أنها نالت عناية ورعاية جعلتها في تلك الظروف الفقيرة صحيا وبدون أب يساعدها تنجب طفلا سليما، بل إن الطفل عاش معها في رحاب المدينة عامين حتى بلغ الفطام.. وتعرفون باقي القصة.
هل كان يقال للفتيات أنتن مثل البيضة إذا انكسرتن لن تصلحن أبدا! في الحقيقة لا أظن ذلك لسبب؛ لأن الفاروق رضي الله عنه رفض ما عرضه والد فتاة أصابت حدا -بمعنى زنت- وأقيم عليها الحد ويا للعجب جاء من يخطبها ولم ينتهك أحد سمعتها ولم يتبرأ منها أهلها ويتركوها في السجن (لم يكن هناك سجن) إلخ من العقوبات التي تفرض على كل فتاة تخطئ في مجتمعنا، قال والد الفتاة ويا للعجب مرة أخرى أن رجلا خطبها فهل يخبره عن إقامة الحد عليها! فالتفت إليه عمر وقال: لو أخبرته سأجلدك.
إنه مجتمع الفضيلة الحقيقية الذي يرى الناس بشراً لا ملائكة، من حقهم أن يذنبوا ومن حق الله عليهم أن يتوبوا ويبدؤوا من جديد، ولا أحد منهم بيضة ولا كأس من زجاج.
كما أن لديهم قاعدة أظنها لا تقتصر فقط على إقامة الحدود وهي "ادرأوا الحدود بالشبهات"، وتشبهها "التمس لأخيك سبعين عذرا".. إن عقول ذلك المجتمع مبرمجة على الظن الحسن والإيجابية، وليس الشك واستباق الشر وتوقع الإثم!
في الواقع، إن الإفراط في الشكوك السيئة وعدم توقع الخير هما من الأعراض التي يتشارك فيها نوعية من البشر غالبا لديهم ماض عريق مع المعاصي والذنوب أو مع مخالفة القوانين. كما أن بعض هؤلاء غالبا عندما يتبرؤون مما كانوا عليه ينتقلون ببساطة إلى التطرف في جهة أخرى يصاحبه غالبا كراهية لما كانوا عليه ولمن وقع في ما وقعوا هم فيه، ويترتب على ذلك إذلال كل من ينتمي لماضيهم!
السلوك العنيف هو أحد نتاجات هؤلاء، فتجد الرجل صاحب الماضي السيئ يشك في زوجته ويضربها ويعتدي على جيرانه ظانا أنهم يتجسسون على أسرته، بينما الرجل الذي لم يتسلق جدارا يوما ليكشف بيت جيرانه لا يتوقع ذلك من أحد، لأنه بالنسبة له سلوك غير مقبول لا يوجد من يفعله.
والمثل يقول "كل يرى الناس بعين طبعه" لذا كان مجتمع الفضيلة خاليا تقريبا من هذه العينات، فكان بذلك الجمال الذي قرأناه في الكتب الصحيحة والتي قطعا لم يؤلفها دجالو العصور المتأخرة والذين للأسف يجد بعض الناس غايتهم في كتبهم لإهانة الخلق وتجريمهم وإقناعهم أنك حتى تكون مسلما عليك أن تكون ملاكا! وهذا ما لم يأمر به الله.