عقل العقل- الحياة السعودية-
في فترة الصحوة أو الغفوة، التي أنتجت تياراً إسلاموياً سياسياً، كان قادة تلك المرحلة يشكون أن الإعلام، وبخاصة الصحف الورقية، ومن يقومون عليها هم رموز للحداثة.
ووصلت الاتهامات لمن يختلف معهم في تلك الفترة بأنهم من دعاة التغريب، وزوار السفارات، وكتبوا وألفوا مئات الكتب الصفراء التي تصب في هذا التوجه لكل من يختلف معهم، وكان الكاسيت أحد الأدوات الفعالة في الهجوم على كل من يختلف معهم، إضافة إلى توزيع المنشورات في المساجد والجامعات ضد كل من يقف ويفضح مشروعهم السياسي. ولكن الخطاب كان بلباس ديني، وكأنهم هم فقط من يدافع عن الإسلام، وهم وحدهم فقط من يمثل الإسلام، أما العداء فوصل إلى حد الفجور في الخصومة مع من يختلف معهم، وكلنا يتذكر ما قالوه من على منابر المساجد في تلك الحقبة على نساء من وطننا قمن بقيادة سيارتهن في العاصمة الرياض، فكيف قام هذا التيار مستغلاً منابر المساجد بالتشنيع بهن وبأقاربهن، وأصدروا قوائم بأسماء أزواجهن أو آبائهن، وأمام كل اسم توجهه الفكري، فهذا علماني وذاك شيوعي، وغير ذلك من التصنيفات الكاذبة، والمجتمع في تلك المرحلة صدقهم بسبب ظروف سياسية واجتماعية مررنا بها في تلك المرحلة، ولكن يبدو أن تلك الجماعات الإسلاموية نجحت في خلق حالة من قدسية رجل الدين لدينا، فهو فوق الأهواء ومعصوم من الأخطاء، وهو يتكلم باسم الدين وخلق حالة من التشويش الذهني من أن من ينتقد خطابهم أو رموزهم هو في حالة خصام وعداء مع الدين، وهذا بعيداً عن الحقيقة. فهؤلاء هم بالنهاية بشر مثل غيرهم يخطئون ويصيبون، وهم عرضة للنقد الموضوعي مع من يختلفون معهم داخل الخطاب الديني نفسه، أو مع التيارات الحداثية في تلك الفترة الزمنية، وبالمناسبة كلنا يتذكر الحملة التي شنت على الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- عندما فضح مشروعهم في كتابه (حتى لا تكون فتنة)، الذي تم منعه من التداول بعد الحملة التي شنوها على القصيبي، ولكن يحسب للدكتور غازي السبق في تعريتهم وفضح مخططاتهم الفكرية والسياسية، التي أثبتت الفترة اللاحقة صدق توقعاته ورؤاه.
في هذه الأيام نشهد تكراراً لما قاموا به في تلك المرحلة من الهجوم على من يختلف معهم، وأقصد ما يسمونه هذه الأيام «بالدعاء على الإعلاميين»، والخطورة أنهم يستغلون منابر المساجد، وخطب الجمع في هجمتهم على إعلاميي الوطن، فمن سمع بعض الخطب ودعواتهم على الإعلاميين يعتقد أنهم كفروا بالدين، وهذا غير صحيح، ولكن يأتي هذا الهجوم الفريد من نوعه مغلفاً بخطاب ديني؛ بسبب بعض النقد من الكتاب والإعلاميين لجهاز هيئة الأمر بالمعروف لبعض الحوادث التي تورط فيها بعض أفرادها في الآونة الاخيرة، وكلنا يعرف أن الهيئة جهاز حكومي رسمي يخطئ ويصيب وهو عرضة للنقد من الإعلام مثل أي جهاز حكومي آخر.
في هذه المرحلة المعلوماتية المفتوحة، نجد أن هذا التيار ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي يدشن «الوسوم» ضد الإعلاميين، ولكن في هذه القنوات نجد الإعلاميين يدافعون عن أنفسهم ومجتمعهم وحكومتهم بكل شراسة، ويفضحون مخططات هذه الجماعات، ولكن أن تنقل ساحة الحوار والنقاش وتختطف إلى منابر المساجد فهذا خطر جداً، فكأنما تخرج من يتخلف معك من الدين مستغلاً المنابر الدينية في خصومات فكرية، ولا أذهب بعيداً إذا قلت إن ما يقومون به الآن من حملة ضد الإعلاميين يدخل في خانة التحريض والتخويف، والدعوة إلى القتل لكل من يختلف معهم. لذا فعلى الجهات الرسمية إيقاف مثل هذه التجاوزات، وأنا أتحدث عن وزارة الشؤون الإسلامية في تحديد مواضيع خطب الجمع، ومنع هذه التجاوزات وتوجيهها إلى ما يخدم المجتمع.