عبد الرحمن اللاحم- الرياض السعودية-
في ندوة الأمن والإعلام والتي عقدت الأسبوع الماضي في كلية نايف للأمن الوطني طرحت إحدى الزميلات سؤالا مباشرا لمعالي الفريق عبدالعزيز الهويريني رئيس المباحث العامة عن سبب عدم قيام المباحث بتوقيف بعض الأكاديميين والمغردين الذين يؤازرون ويناصرون بعض الجماعات المحظورة. كانت إجابة معالي الفريق هي الأخرى مباشرة وصريحة بأن جهاز المباحث هو يجمع المعلومات ويقدمها للأجهزة المعنية، وأنه لا يمكن أن يمارس القضاء أو يمارس سلطات مؤسسات حكومية أخرى.
هذه الإجابة تختزل مفهوم العمل المؤسسي الذي ترتكز عليه الدولة بمفهومها الحديث القائم على أنظمة وقوانين تحكم عملها وليست مجرد أهواء أو اجتهادات شخصية خارجة عن القانون.
أهمية ذلك الكلام أنه جاء من مسؤول يعتلي رئاسة اكبر جهاز معني بملاحقة مرتكبي الجرائم الكبرى كالإرهاب والجرائم المنظمة الأخرى ومع هذا كان كلامه يدور في اطار الأنظمة التي تحكم عمله وعمل المنتمين إلى هذه المؤسسة الأمنية في المقابل نجد أن جهات ضبطية أخرى قد غيبت هذا المفهوم المؤسساتي لعمل أجهزة الضبط التي منحها المشرع سلطات خطيرة تمس بشكل أساسي حقوق الأفراد وحرياتهم فنجد التمرد المنظم من بعض أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على سبيل المثال، ومع ذلك نجد من يبرر لهذه الانتهاكات ويشرعن وجودها ويخون من ينتقد تلك المخالفات وهذا نقيض العمل المؤسسي ومخالف لفكرة ممارسة السلطات الممنوحة من قبل الدولة والتي يفترض أن تمارس استهدافا للصالح العام، ودفاعا عن أمن المجتمع والدولة، وليس تحقيقا لمصالح شخصية أو نزعات حزبية ضيقة، ومع هذا نجد تقديسا غير مبرر من قبل البعض لأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودفاعا مستميتا عن التجاوزات الخارجة عن القانون حتى وصل الأمر إلى الحكم بتكفير من ينتقدهم أو ينتقد سلوكهم وانبرت منابر الجمعة دفاعا عنهم ودعاءً على منتقديهم في بيت من بيوت جاء إليها عبّاد الخالق لسماع ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، إلا أنهم وجدوا أن المنبر قد اخطتف من جماعة جيّرته لأجندتها الضيقة الخاصة، في الوقت الذي نجد فيه عملا منظما ودؤوبا في شيطنة الأجهزة الأمنية والتحريض عليها خصوصا جهاز المباحث العامة الذي يضطلع بعمل بطولي في مكافحة الارهاب وتفكيك خلاياه ما عرض العشرات من افراده إلى الاستهداف من قبل الجماعات الإرهابية حتى وصل الأمر بأن اصبح امتداح اعمالهم والإشادة بتضحياتهم؛ مسبة ومعرة يتحاشاها الكثيرون حتى لا يصتدموا بجموع المتأدلجين الذين عُبئت رؤوسهم ضد هذا الجهاز وأفراده طوال عقود من زمن الصحوة، وبجولة سريعة على معرفات معروفة وتكتب باسمها الصريح تلحظ تلك الروح العدائية والتحريض ضدهم لا لشيء إلا لأنهم كانوا في الصفوف الأولى لمواجهة جماعات الغلو والتطرف ووأد أحلامهم بالسيطرة، ويكفي اطلالة سريعة على هاشتاق (فكوا العاني) الشهير لترى كيف استطاع الاسلامويون من تدنيس أهم جهاز أمني في البلد في أذهان ومخيلة الناس في غيبة من دعاة الوعي الذين يفترض ألا يغويهم تصفيق أو صيحات الجماهير، هذه الازدواجية المفضوحة تؤكد أننا مازلنا أسرى لثقافة القطيع حيث تصاغ أفكار الجماهير من قبل جماعات الإسلام السياسي ولا يجرؤ إلا القلة لمواجهة جبروتهم وكشف زيفهم؛ لأننا خائفون ان نجد أنفسنا يوما في مرمى سهامهم وسهام منابرهم التي اغتصبوها عنوة.