محمد العصيمي- عكاظ السعودية-
الدكتور الشيخ عوض القرني هو آخر من يمكن أن يستضيفه أي منتدى أو محفل ليتحدث عن ثقافة الاختلاف، كونه لا يعرف أصلا فلسفة الاختلاف وكيف يختلف أو يتحاور مع (المختلف). الدكتور نسف، على حد تعبير كثير من مريديه، العديد من التيارات والآراء في أكثر من جرة قلم. وأكبر جرات قلمه كتابه (الحداثة في ميزان الإسلام) الذي قَطّع فيه أوصال كل من لم يلتق مع رأيه أو مدرسته. وإليكم غيض من فيض ذلك الكتاب. يقول الدكتور: «وهذا المذهب أطلق عليه كهانه وسدنة أصنامه اسم الحداثة». وفي موضع آخر يقول: «ولا شك أن الحداثيين العرب حاولوا بشتى الطرق والوسائل أن يجدوا لحداثتهم جذورا في التاريخ الإسلامي، فما أسعفهم إلا من كان على شاكلتهم من كل ملحد أو فاسق أو ماجن». ولكي أزيدكم من شعره بيتا اقرأوا قوله: «هذه هي جذور الحداثة التاريخية والمياه العفنة التي سقت بذرتها الخبيثة فخرجت ثمرتها مُرَّة لا تساغ ولا تستساغ».
الآن تأملوا الألفاظ بين الأقواس: كهان، سدنة أصنام، ملحد، فاسق، ماجن، مياه عفنة، بذرة خبيثة إلى آخره، ثم أنصفوا في حكمكم، هل هذه الألفاظ تدل على رغبة، حتى لو كانت عابرة، في الاختلاف أم تدل على رغبة عارمة في الإقصاء والاستعداء وإرسال المختلفين إلى قبور الرأي وبئس المصير؟ من حق الدكتور أن يقول ما يشاء وقت يشاء لأن ليس لأحد سلطان على لسانه وقلمه، لكن من حق المجتمع ألا يقدم له من يقول هذا الكلام ويحمل هذه الألفاظ على أنه محاضر عتيد في فلسفة وثقافة الاختلاف. هذا فيه، من وجهة نظري، غش للناس وضحك على عقولهم.
لو استضافت تلك الجامعة الدكتور ليكرر ما قاله في ذاك الكتاب، وما يقوله كل يوم عن الآراء والتيارات الأخرى، لما استكثر أحد ذلك ولا اعترض عليه، باعتبار أن هذا موضوعه وهذه أدبياته في حق من يختلف معه وهو حر، رغم كل الاختلاف معه من حيث المبدأ، في صياغة ألفاظه وتوصيف من يعتبرهم، سلفا، خصومه. أقصد أنه كان يجب أن يستضاف الدكتور ليتحدث فيما يجيد ويتقن، تماما كما تستضيف فلكيا يتحدث عن الفلك وطبيبا يتحدث عن الطب حيث لا يمكن أن تستضيف مهندسا يتحدث عن الفلك أو الطب. ثقافة الاختلاف ليست من اختصاص دكتورنا الفاضل ولا يجيدها من قريب أو بعيد، وهو خطأ جسيم أن يستضاف ليخاطب طلبة جامعة عن هذه الثقافة. مبادئ الاختلاف شرق والدكتور غرب.