خالد السيف- الشرق السعودية-
* حين كان الخوارج محض: «فكر» ينضح ضلالةً توجّه إليهم: «الصحابة» رضوان الله عليهم بتقويض فكرهم بما يُقابله من: «فكر»، وليس بخافٍ عن أيّ أحدٍ ما كان من شأن حوار ابن عباس معهم.. وما إنْ قبض الخارجيُّ على: «السيف» بكلتا يديه الملتاثتين دماً حتى أعمل فيهم: «الإمام عليُّ» سيفه؛ إذ أنزلهم تطبيقا على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوصفهم: «شرار الخلق» إذ قال فيهم: «لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد» وقال: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم. باعتبارهم «شرار الخلق».
* لم ينشغل الصحابة إذ ذاك بالإدانةِ لنصوص: «الوحيين/ كتابٍ وسنة» ابتغاء تحميل دلالتهما: «أعمال الخوارج»، ذلك أنّ الصحابة قد فقهوا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «يخرج من ضئضئ هذا» إشارةً لـ: «ذي الخويصرة» ذلك أنّ فكراً (فهماً) يتوسّله الخارجيُّ لاعتساف الدلالات بغية توظيفها لمعتقداته المجافية للصّواب جملةً/ وتفصيلا، الأمر الذي يدفعنا هاهنا إلى أن نتساءل: هل أنّ ثمة امتداداً: «لذوي الخويصرة» تمثّل في أشخاصٍ ورثوا عنه منهج/ طريقة تعامله مع النصوص بالمعنى الذي يتوكّد من خلاله أنّ لداعش – وللقاعدة – من قبلها: «ذووا خويصرات» كُثر؛ إذ في تفاصيل جرائمهم/ وبشاعتها يكمن متأولٌ للنصوص دأب على أن يُعمل فيها فهماً/ وتنزيلاً أدوات جَده الأول: «ذي الخويصرة»!
* عطفاً على شيءٍ كبيرٍ من تباينٍ ظاهرٍ فيما بين الخوارج وبين: «داعش» يسعنا القول: إنّ كلّ داعشي هو خارجيٌّ بضرورات فقه النصوص الواردة في أمرِ الخوارج جملةً.. وليس كلّ خارجيٍّ داعشياً ذلك أنّ الأخير قد تجاوز بجرائمه/ وفجوره ما كان عليه الخوارج قبلا.! ولئن كان الأمر كذلك فلا بد إذن من رفع سقف الخطاب في معالجة أصحاب هذا الفكر وتفكيك بنيته دون وجلٍ أو مراعاةٍ لظروف آنيةٍ عسى أن نحول دون نخر سوسة هذا: «الفكر الضال» في حركة: «التدين» بمجموعها.!
* لا جرم أنّ ابن تيمية لو كان حيّاً بين أظهرنا لكان هو أول من يشتغلُ ديانةً على التحريض بإعمال: «السيف» دون تريّث في رقاب: «الداعشيين»؛ إذ إنّ من له أدنى عناية بقراءة – واعية – لابن تيمية سينأى بنفسه من أن ينسب جهل: «الدواعش» وجرائمهم غير المسبوقة لـ: «ابن تيمية» ولعلّ كثيرين ممن انساقوا دون أثارةٍ من علم إلى نسبة الفكر الداعشي إلى: «ابن تيمية» أو لـ: «ابن عبدالوهاب» لا يعلمون أنهم بسوقهم لهذه التهم الباطلة إنما كانوا – وبسخاءٍ – يمنحون: «داعش/ وأخواتها» غطاء شرعيّاً ينخدع به السّذج من أبنائنا الصغار؛ إذ يعتقدون بادي الرأي أنّ أفعال/ وفكر داعش تجري وفقَ تأصيل وعن علم!!
ولطالما ألفينا: «ابن تيمية» ضحية من محبيّه أشد من مبغضيه، ومن شاء منكم أن يتبيّن هذا القول فليرقبه جليّاً في من يدّعون اتباع منهج السلف زوراً وهم – في الغالب – الأشد تجزئية لـ: «نصوص ابن تيمية» عسى أن تأتي وفق مقاسات ما اعتقدوه قبلا؛ إذ وجدوا في بعض من نصوص ابن تيمية المجتزأة – والتاريخية – بعضا من دلالات التضمين لغاياتهم المنحرفة!! وعلى هذا النحو يقتات: «الداعشيون» الظاهرون منهم والأخفياء على مائدة ابن تيمية كثيراً من ضلالاتهم جراء قراءتهم المنقوصة لـ: (تراث ابن تيمية)!! وهو ليس استثناءً، ذلك أنّ له مراحل من حياته كان في أولها ليس هو: «ابن تيمية» في تمام نضجه، كما كان في آخرها.. وإنما العيب في الصدور عن: «ابن تيمية» يكمن في أنّ الغالب ممن يتعاملون مع كتب ابن تيمية يظنون أنها بمجموعها كانت منتج سنة واحدة!! وهي بالضرورة ليست كذلك.. ومن كانت له دربة في قراءة «تراث ابن تيمية» وخَبُر عن كثب نفسَ ابن تيمية التأليفي واستطاع تالياً تحقيب مؤلفاته تاريخياً فعرف منها ما كان متأخراً مما كان منها في بدء ذيوع شهرته.. وبأي حالٍ فإنّ من كانت له تلك الخبرة كان يمكنه أن يؤلف كتاباً بهذا النحو: «ابن تيمية يتعقّب ابن تيمية»! وقد أشرت من قبلُ إلى أنّ ابن تيمية تعتوره حدّة – غيرةً لدين الله – كثيراً ما كانت تأخذه بعيدا في «انفعالٍ» يخرجه عن جادة الصواب إبان مجادلته خصومه، ومن هنا لزم القول: إنّ من الخطأ الصدور عن ابن تيمية من خلال كتبه السجالية مع الخصوم على أنها القول الذي انتهى إليه (وقد كتبت مقالة في ذلك وسقت حينها نماذج ما يغني عن الإعادة هنا) وإني لعلى يقينٍ – كما ذكرتُ ذلك في مقابلة لي مع صحيفة الحياة منذ خمس سنوات أو يزيد – بأنّ في الفتاوي ما هو ليس لـ: «ابن تيمية» لا من قريبٍ ولا من بعيد، وليس ببعيدٍ أن تكون مدسوسةً (عن حسن قصد)!!! غفر الله لابن قاسم فلقد كان جامعا دون فحص.
* ما أحسب أنّ ثمة كتابا أُلِّف في تاريخ الخوارج مفرداً أو جاء عرَضاً على ذكرهم في كتب المتقدمين في سياق التأريخ لنحلتهم بوصفها حركةً وفرقةً ممتنعةٍ بالسيف (استحلالا للدماء المعصومة) إلا وقد اعتنيت به قراءة محقّقة ولم أجد للحظة هذه أن سيف – سلاح – الخوارج شُهر بوجه إخوانهم أو أبناء عمومتهم، وتلك سابقةُ في: «الدواعش» صدّقت فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ». قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ». قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ. قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْكُفَّارَ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ». قَالُوا: سُبْحَانَ اللهِ ومَعَنَا عُقُولُنَا؟ قَالَ: «لَا. إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكُم الزَّمَانِ حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ»، رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح.
* بقية القول: التأكيد على أنّ: «داعش» فيما تجترحه من: «جرائم» تأتي على نحوٍ غير مسبوقٍ بذات الأداء الشيطاني.. ومصيبٌ بالمرّة من يزعم جازماً بأنّ صنائع: «داعش/ وأخواتها» تُعدُّ أفعالاً من: «خارج النص» أتقن أداءها: «ممثلون» بحثوا عن: «الجنة» عبر طرق خاطئة.!
* ثمّة سؤال نقفل به المقالة:
هل إننا نحتاج إلى إهراق مزيد من الدماء – المحرمة – حتى نجد أنفسنا إزاء ضحايا بالآلاف من المواطنين لنؤمن حينئذ بأننا بحاجة لمراجعة خطاب التدين لدينا ويتأكد – للعلماء – حينها بوجوب المسارعة إلى إعمال: «السيف» فيمن ثبتت إدانته تلبساً بهذه الجرائم غير المسبوقة حتى تأريخياً.!!