دعوة » مواقف

الكراهية.. الحاجة إلى العار!

في 2016/03/04

حسن المصطفى- الرياض السعودية-

هنالك إصرار غريب من لدن رهط من الناس على "الكراهية"، فعلاً، قولاً، وشعوراً نفسانياً جوانياً، وكأنها قدرٌ لا مفر منه.

تراها وكأنها هي المحفز الأساس لحياتهم. والموجه الذي على أساسه تصدر أعمالهم. حتى تخالُ أن أصحابها سيكونون شيئاً منسياً دونها. أو أنها باتت معادلاً لوجودهم المادي والمعنوي، بحيث يفقدون دونها كينونتهم، ويتحولون إلى محض غبار!.

هذا الجموح نحو "الكراهية"، يذكرني بمقولة للفيلسوف الروماني إيميل سيوران، في كتابه "مثالب الولادة"، حين قال "بي حاجةٌ فيزيائية إلى العار. كان بودي أن أكون ابن جلاد".

سيوران، وفي تهكمه اللاذع، يستخدم "مطرقة نيتشه"، هو يتعاطي الفلسفة "قرعاً بالمطرقة". هو لا يعالج الضعف بالمسكنات والمهدئات والعقاقير المخدرة، وإنما عبر غرس مشرطه عميقاً في الجرح، متجاوزاً السطح، نحو تلك القاع السحيقة، المظلمة، والموجعة، في آن معا.

الربط الذي استحضرني بين "الكراهية" و"العار" و"الجلاد"، مرده تلك النزعة الداخلية التي تراها تتلبس أفراداً يفترض بهم الوعي والكياسة والفهم. إلا أنهم رغم ما يدعونه من علم، تراهم فحماً مسوداً من كثر ما اشتعل كراهية، وازدراء وشتما واقصاء وقتلا للآخر!.

الكراهية هي بالتالي تعبير فاقع عن "العار"، وهي فعلُ جلدٍ وممارسة عنيفة متواصلة ضد الآخر.

شتان بين "العار" الذي يتحدث عنه سيوران بنزعة فلسفية مغايرة، وبين "العار" الذي يتلبسه دعاة الكراهية ورعاتها.

إن ما يثير القلق أكثر، ليس فعل "الكراهية" وحده، بل الصمت عنه، أو البقاء على الحياد تجاهه، أو ممارسة الابتهاج الصامت به. وهو ما يشير إلى تساهل أو عدم جدية في مواجهتها، بل، هنالك من يحاول استثمارها سياسياً ودينياً واقتصادياً واجتماعياً، بحثاً عن مصالحة ضيقة، ومكاسب هشة.

عبدالرحمن الراشد، كتب في "الشرق الأوسط"، متسائلا: "الكراهية، من يريد مواجهتها؟". معتبرا أن المواجهة معها لن تكون سهلة، والحل لن يأتي طيعاً "ما دام لا أحد يعدها قضيته ويأخذ المبادرة".

هنالك هروب فردي وجماعي عن مواجهة "الكراهية"، لسبب بسيط كما أشار الراشد، وهي أنه لم تأخذ على محمل الجد. وهذا التعامل الناعم مع موضوع حساس، مرده هو تغلغل الكراهية في النفوس والعقول، ورفعها إلى درجة "التبجيل" و"القداسة". حتى وصلت إلى منزلة أن يتقرب بها البعض إلى بارئه زوراً وبهتاناً، وبات إبداء البغضاء والعداء لفريق هنا ومذهب هناك وطائفة ما، وكأنه سلوك يثاب عليه فاعله!.

إن الكراهية تشربت النسيج المجتمعي بشكل أفسده، وعطل منظومة القيم الأخلاقية، واستعاض عنها بأنانية فجة، وتدين كاذب، وادعاء خاوٍ من كل مضمون.

"هل أنت متفرج، أو واحد يضع يده فيما يُعمل؟. أم واحد يصرف نظره ويمر جانبا؟".

هذا التساؤل الذي يورده نيتشه، هو ما ينطبق على حال المجتمع ونخبه تجاه الكراهية المتفاقمة، والموقف منها، وعما إذا كانت لدينا النية في مواجهتها، والحد منها، وفق قانون مدني يجرم هذه الخطابات التي تهدم كيان الدولة الحديثة وتعتدي عليه.

الكراهية هي "العار" الذي يفوق كون أي واحد منا "ابن جلاد". هي أكثر نتانة من أي فعل آخر. لأنها الدافع نحو التكفير والاعتداء والقتل، ومختلف الممارسات العنيفة الأخرى. هي "العار" الذي سيبقى متلبساً فينا، ما لم نطهر أنفسنا منها، الآن، وليس بعد خراب الديار!.