دعوة » مواقف

خرافة الخلافة

في 2016/03/05

محمد أحمد بابا- مكة السعودية-

فَصَّل وشرح وأوضح الشيخ عادل الكلباني وهم الخلافة في مقاله بصحيفة الرياض الأسبوع الماضي مؤصلا ما استنتجه على استرجاعٍ ومراجعة للنص الشرعي والتاريخ الموروث فانتهى لوجهة نظر هي التي أعتقد بأنها المنجية من فتن هذا الزمان.

ومن حيث انتهى الشيخ عادل الكلباني أبدأ بعد أن (استأذنته شخصيا) بالقول: إننا لو أرجعنا مصطلح الخلافة للتفكيك اللغوي لوجدناه أحد مصادر (خلف) لا يعدو عن كون المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطلحوا على تسمية من اجتمعت عنده غالب كلمتهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمنصف إذ اطَّلع على تاريخ نُقِل لنا في سبب تسمية عمر بن الخطاب بأمير المؤمنين، يعلم بأن في ذلك حرصا على إيجاد لقب يقبل القسمة على عدد لا يتناهى قادم حتى قيام الساعة، ورغم أن واحد الأمراء بقيت تسميته خليفة ليُجمع على خلفاء عبر مرّ العصور، حتى بدأت الدول المدينية في الظهور بعد الحروب العالمية، إلا أن الأمر اصطلاحي غير ذي أثر.

وهذا المسار اللغوي التاريخي في مصطلح الخلافة ذو أهمية بمكان، لتكون وجهة نظري أن خرافة الخلافة التي يدعو لها مارقون وضالون بلسان عربيّ غير مبين هي التدليس والتلبيس على المخاطبين استعطافا بظواهر الحق للباطل وكأنّ الأمر دين، وما هو كذلك، إذْ كيف يُقال (إقامة دولة الخلافة) وقد فَصَّل التاريخ كيف هي الدولة المسلمة دون اعتبارٍ لاستخلاف.

المقصد التشريعي للإسلام هو الاجتماع وعدم الفُرقة وتحقيق الاجتماع في فئات أمر من صميم الشرع بعد كثرة سواد المسلمين، إذ ليس من المعقول عرفا ولا تاريخا تكبير الكتلة، وبقاء التماسك المادّي، والله هو القائل (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)، لنعلم بأن تماسك التكتلات في داخل كل كتلة مطلب شرعي، ثم تعاون المجموعات فيما بينها مطلب شرعي كذلك يأتي ثانيا لا أولا تأصيلا وبناء.

وحيث يُقر الشرعيون بأنه لا مُشاحة في الاصطلاح فلا ريب بأن لي عذري المنطقي حين أجزم بأن تداول لفظ الخلافة في مشاريع الباطل وميدان الترويع والإرهاب دون غيره من ألفاظ مستحدثة تزخر بها اللغة العربية إنما هو عزْف على وتر العاطفة المعوجّة المشوّهة.

كبير القوم أو المجموعة من الناس أو القائم على جزء من أرض الله سماه القرآن (ملكا)، كما في قصة طالوت وكما في قصص سليمان وداود، وعبّر على لسان المعارضين بلفظ (كبيرهم) حتى في مجال السحر والأصنام، والدراسات جاءتنا بأن لفظ (فرعون) دالّ على منصب لا اسم شخص، والعالم اليوم يسمي أقطاره بأسماء شتى، فهذه دولة وتلك جمهورية والثالثة مملكة وهناك سلطنة وتلك إمارة وإمارات وولاية وولايات واتحاد وتجمّع في قائمة طويلة يعتمد عليها اسم المنصب الأكبر تبعا لذلك الاصطلاح.

فلا مجال أبدا أن يستخِفّنا الذين لا يعلمون بخرافة تجديف نحو الرجعية الحضارية باستخدام مصطلح انتزعوه من بين سطور السرد التاريخي أو النصوص الشرعية وجعلوه حكما واجبا وما هو كذلك لمن قرأ مقال الشيخ عادل الكلباني بإنصاف.

دعوى الخلافة في هذا العصر خرافة ترويج نأسف والله لوجودها ونبرأ إلى الله منها وقد اجتمعت الكلمة من المسلمين على آحاد قادة وحكام ارتضوهم وهم في تصحيح حياتهم وتنقية عيشهم وعلاج إشكالياتهم سائرون أوطانا وشعوبا وسياسيين، والنَّاس في تكوين هياكل دولهم أحرار مخيّرون.

كيف تجرأت هذه الخرافة ليدعوا لخلافة أو خليفة وما من مُستخْلِفٍ لهم إلا انحراف فكرهم وضلال ادعاءاتهم زُيِّن لهم سوء عملهم فرآه المغرّر بهم حسنا، والعاقل المحقق يعلم بأن أبابكر الصديق رضي الله عنه وهو المنتخب من غير عهد استخلافٍ سُمّي خليفة لكونه خلف القائد مباشرة، ثم استخلف هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسُمّي أمير المؤمنين رغم كونه مستخلفا، وفسقة هذا الزمان جمعوا المصطلحيْنِ لإراقة دماء المسلمين، والخلافة منهم براء.

لن تقوم الحياة المجتمعية المسلمة باستخلاف الله لها في الأرض بالخرافة وادعاء الوصاية على عباد الله تعالى في أرضهم وديارهم وشؤونهم.