إبراهيم خليل البراهيم- مكة السعودية-
كثرت المقالات والآراء في الأيام والأسابيع القليلة الماضية حول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتواترت المطالبات بإلغائها أو حتى ضمها إلى وزارة الداخلية تحت مسمى شرطة الآداب وكأن الإشكالية إشكالية مسمى فقط!
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة وفضيلة في الدين الإسلامي الذي يحث على التراحم والتناصح ونشر الخير والمعروف بين المسلمين وكما يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} تخيل أن الله عز وجل ربط الخيرية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان به وكذلك قوله تعالى:
(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ). وفي ذلك حث مباشر على هذه الشعيرة والمحافظة عليها، بل حتى إنه ذكر في القرآن لعن بني إسرائيل، كونهم لم يكونوا يتناهون عن منكر فعلوه.
بحمد الله الدولة منذ بدايتها وتأسيسها اتخذت كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - نبراسا لها وهدى في كافة تعاملاتها وقراراتها؛ فالنظام الأساسي للحكم في مادته الثالثة والعشرين ينص على أن «تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله». فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساس للدولة، لكن للأسف أن البعض جهلا منهم يختزلون مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كونه فقط مكافحة الابتزاز أو الدجل والشعوذة، ولكنه في الحقيقة معنى أعمق وأوسع من ذلك بكثير، فكافة قطاعات الدولة وأجهزتها تقوم وتستند على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كافة أعمالها.
فوزارة التجارة مثلا في مكافحتها للغش التجاري والمنتجات المقلدة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ووزارة الداخلية حينما تعاقب من يتجاوز السرعة النظامية أو يتجاوز الإشارة الحمراء فهي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وقس على ذلك كافة أجهزة الدولة باختلاف وظائفها وأدوارها، بل حتى المواطنين في حث أبنائهم على أداء الصلوات وتجنب المنكرات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، إذ إنها شعيرة متأصلة يطبقها الكل، وهذه من نعم الله وفضله علينا كمسلمين.
كل عمل يقوم به البشر لا بد أن يعتريه النقص ويشوبه العيب والتقصير، إذ هي طبيعة بشرية، لكن الإنسان العاقل هو من يتعلم من أخطائه ويصوب نفسه بشكل مستمر.
يتضح مما سبق أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة متجذرة وراسخة في الدين الإسلامي وفي قوانين الدولة فلا أطالب بإلغاء الهيئة لما تقوم به من أدوار فعالة في الحد من حالات الابتزاز والشعوذة والدجل والعديد من الأدوار المهمة.
لكن من باب التطوير والتحسين والوصول إلى الإتقان الذي هو سمة إسلامية أصيلة أقترح أن تقوم الهيئة بالتعاون مع مجلس الشورى بوضع منهج وسن قوانين واضحة للعاملين في الميدان يحدد فيه المنكرات التي تتطلب التدخل من أعضاء الهيئة للقضاء على الاجتهادات وتضييق السلطة التقديرية التي قد ينشأ عنها بعض السلبيات والأخطاء، وأن تقوم كذلك بإقامة الدورات التأهيلية والتطويرية لمنسوبيها بهدف رفع كفاءة أفرادها ما يؤدي إلى رفع كفاءة الجهاز بطبيعة الحال لنصل إلى أمر بالمعروف بمعروف ونهي عن المنكر بلا منكر.