سعيد السريحي- عكاظ السعودية-

يومان قضيتهما متجولا في أروقة معرض الكتاب المقام في الرياض حملت إلى نفسي طمأنينة من ينتمي إلى شعب لا يزال يؤمن بأهمية القراءة ولا يزال يحمل في قرارة نفسه الثقة بالمستقبل ولا تؤثر فيه كل عوامل الإحباط التي تحيط بالعالم العربي والكوارث التي يمر بها والكوارث الأخطر التي تنتظره.

يومان ما تكشفا لي إلا عن كل ما يحمل لنفسي مزيدا من الثقة والطمأنينة وحين كنت أقف مع الشيخ سليمان بن علو رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محافظة جدة أعاد لنفسي طمأنينة للهيئة كادت تعصف بها تصرفات بعض المنتمين إليها فقد كان بما يتصف به من سماحة وتسامح وخلق نبيل أنموذجا لما ينبغي أن يكون عليه من ينتمي لهذا الجهاز، وهو الخلق الذي اتسمت به مهمة رجال الهيئة، فيما رأيت وفيما سمعت، خلال الأيام المنصرمة للمعرض، لا أكاد أستثني منها إلا حادثة واحدة أجد أن الأمانة تفرض عليّ أن أقف عليها عملا بمبدأ أن صديقك من صدَقك وليس من صدّقك، ولا ينبغي لأحد أن يشك أن لي من بين رجال الهيئة أصدقاء أخلصهم الصدق ويخلصونني الود ونتقاسم بيننا احتراما متبادلا.

تتصل تلك الحادثة التي تتنزل منزلة البقعة السوداء في الثوب الأبيض فيما حملت عليه الهيئة النساء ليلة الأمسية الشعرية من مقاعدهم الجانبية التي خصصت لهم في الصالة والتي هي بمعزل عن مقاعد الرجال وإكراههم بعد أن كانوا قد جلسوا على الانتقال لصالة علوية لم تكن قد خصصت لهم، والغريب أن أولئك النسوة كن يتجولن في أروقة المعرض ويقفن أمام معارض الكتب يسألن ويشترين ويحاسبن مع الرجال لا يفصلهن عنهم فاصل ولا يمنع احتكاكهن بهم خلال المرور في الأروقة إلا الخلق الفاضل والأدب والعفة المتبادلة بين الطرفين، فإذا كان ذلك ما يحدث في أروقة المعرض فلأي سبب حملن على مغادرة مقاعدهن ليلة الأمسية الشعرية رغم أنها معزلة وهن فيها مستقرات بينهن وبين الرجال مسافة لا يوفرها التنقل في أروقة المعرض نفسها؟

وإذا ما تذكرنا أن النساء كن يجلسن في نفس تلك المقاعد في معرض كتاب جدة قبل فترة قصيرة من الزمن ثم لم ينكر عليهن أحد ذلك أصبح من حقنا أن نتساءل عما إذا كان ما يجوز في جدة لا يجوز في الرياض.

لم يكن حمل النساء على مغادرة مقاعدهن أمرا موفقا أو قابلا للتفسير ما دام رجال الهيئة الذين أمروهن بالانتقال لقاعة أخرى يدركون أنهن سوف يختلطن ثانية بالرجال في أروقة المعرض فور الفراغ من الأمسية.