دعوة » مواقف

مهزلة الخطاب الديني المتطرف

في 2016/03/19

حسين التتان- الوطن البحرينية-

يبدو أن للخطاب الديني أثره البالغ في استقامة الشباب أو في انحرافهم، وهذا الأمر يرتكز بشكل كلي على نوعية الخطاب الموجه لشريحة الشباب، إذ إنهم الشريحة المستهدفة بشكل أساس في عملية التوجيه والنصح، كما أن الخطاب الديني هو الذي يحدد مسار عملية توجيه هذه الفئة نحو البناء أو نحو الهدم.
يطل اليوم علينا الكثير من المحسوبين على التيار الديني بخطابات شاذة وغريبة عن روح الشريعة الإسلامية السمحاء، ويدعمون خطاباتهم بفتاوى شاذة ويتسلحون بروايات أجنبية وغير متواترة إطلاقاً بين علماء المسلمين المعروفين، إضافة أن غالبية خطاباتهم وفتاواهم ورواياتهم التي يتمترسون خلفها تتعارض مع مفاهيم القرآن الكريم، ومع علمهم بذلك، إلا أنهم مازالوا يروِّجون لخطابهم الديني المتطرف في كل محفل وفي كل مناسبة.
ما هي حاجة الشباب العربي والمسلم اليوم في طرح خطابات دينية من طرف هؤلاء الذين يعدون أنفسهم من العلماء، خصوصاً حين يتكلمون عبر الإعلام المفتوح ولكل العالم عن خصوصيات المرأة والجنس، وعن كيفية الاستنجاء، وحول طبيعة دخول دورات المياه؟ وما هو الهدف من تحفيز عواطف الشباب واستغلال حماسهم من أجل دفعهم نحو الانخراط في مشاريع جهادية ضد دولهم وضد الآخر المختلف؟ ولماذا يستند خطابهم القاسي إلى لغة التخويف المفرط من العذابات الأخروية أو من تحسين أنماط السعادة في الجنة عبر إيحاءات جنسية صارخة لا تليق بالمستوى الحضاري والعلمي للإسلام والقرآن الكريم؟ والسؤال الأخير هو، من يقف خلف هذا الخطاب الديني الخطير في تمزيق وحدة المسلمين وتشتيت قيمهم في سبيل إذكاء روح الكراهية بين المسلمين وغيرهم عبر خطابات منفلتة وغير منتجة على الإطلاق؟
لقد وضعتنا الخطابات الدينية خلال الآونة الأخيرة في مواقع تافهة بين شعوب العالم قد لا نحسد عليها أبداً، فبفضل «الملتيميديا» الحديثة، استطاع الخطاب الديني المتطرف أن يفرض وجوده على الشباب المسلم بشكل مخيف، حتى من دون أن تتوجه المقرَّات والجامعات الإسلامية المعروفة باعتدالها ورصانتها العلمية في استنكار ذلك أو التحرك من أجل خلق خطابات علمية موازية للخطابات الدينية المنحرفة عن الفطرة والفكر، بل لم نجد أي تحرك رسمي من طرف حكوماتنا في محاصرة هذا الخطاب الديني المتشنج الذي أودى بحياة آلاف الشباب نحو محارق الكراهية وتنفيذ العمليات الإرهابية في كل العالم!
نحن اليوم في أمس الحاجة لخطابات دينية تنويرية وليست تضليلية، كما نحتاج للجم كل الأفواه التي تسرق شبابنا من بيوتهم ومن مقاعد دراستهم، لتزجهم في معارك إرهابية تطحنهم فيها طحناً، بينما الذين يوجِّهون هذا الخطاب المجنون ينعمون بالدِّعة والراحة في أفخر فنادق أوروبا.
لعل أفضل من عالج هذا الموضوع وناقش كل تفاصيله بموضوعية وحيادية علمية رائدة هو المفكر والأستاذ «فهمي هويدي» في كتابيه «التدين المنقوص»، و»حتى لا تكون فتنة»، محذراً فيهما شبابنا من الوقوع في فخ الخطابات التكفيرية والتدميرية التي لم نستفق منها إلا على أهوال انفجارات هنا ومفخخات ودماء هناك، ولهذا يجب أن تضع كل الدول العربية والإسلامية وكل منظمات المجتمع الديني والمدني حداً لمهزلة هذا الخطاب الذي لا علاقة له بالدين ولا بالإنسانية، وتقديم كل من ينتج هذا الخطاب الكريه للمحكمة العادلة التي تحفظ ما تبقى من وجودنا وكرامتنا بين كل الأمم، وحتى نحفظ شبابنا من المنزلقات الفكرية، يجب أن يصدح الخطاب الرشيد بصوته عالياً ومعتلياً آفاق الظلام الذي كرسه رجال التحريض والكراهية منذ ما يسمى بزمن الصحوة وحتى هذه اللحظة.