فهيد العديم- مكة السعودية-
لم يعد الاحتساب (خارج الهيئة الرسمية) أمرا يتم التعامل معه بأنه تصرف من مجموعة شباب متحمسين لا يمثلون إلا أنفسهم، ففي الأسبوع الماضي حدث تقدم نوعي لافت وجريء، أقول جريء لأن الأمر لم يعد مجرد مناكفة لأشخاص عاديين، بل تدخل المحتسبون لإيقاف برنامج «على الهواء» لإحدى القنوات التلفزيونية السعودية لأن ضيفة البرنامج امرأة كاشفة الوجه، ومن ثم محاولة إيقاف إحدى المسرحيات ضمن الفعالية المصاحبة لمعرض الكتاب.
الاحتساب في معرض الكتاب لم يكن عفويا ولا فرديا، بل لمجموعات منظمة أتت لغرض القيام بالعمل الجماعي، ووزعت أفرادها بشكل منظم في الممرات ودور النشر، وتصرفت بصفتها تقوم بحق أصيل لا يحق لأحد الاعتراض عليه، وهذا ما قاله - بثقة - أحد المحتسبين لصحيفة الوطن (16/3/2016)، وهو الدكتور مسفر البواردي عضو المجلس السابق لبلدي الرياض، وهو أيضا من ضمن المحتسبين الذين قبض عليهم في قضية الاحتساب التي أحدثت فوضى في الجنادرية عام 1433، ثم أفرج عنه بعد ساعات، وهذا يعني إما أنه أخذ عليه التعهد ولم يلتزم، أو أنه أقنع الجهات المختصة بأنه يقوم بواجب لا يحق لأحد أن يسأله أو يعترض عليه، والأخيرة تعني أن صلاحياته كـ(مواطن مسلم) تخوله بالقيام بالدور الرقابي والتنفيذي على مؤسسات الدولة، فالدكتور البواردي يقول: (نحن مواطنون ومن حق المواطن أن يأمر وينهى)، وعند سؤاله عن تداخل دورهم بدور الهيئة أجاب: (الهيئة تستطيع التغيير باليد، ونحن باللسان والقلب)، إجابات البواردي المقتضبة متهافتة، فالقول بأن من حق المواطن أن يأمر وينهى (هكذا دون ضوابط) يعلم هو قبل غيره من البسطاء عوار هذا القول، وأنه مدعاة للفوضى، أما تبريره بأن الهيئة تنكر باليد وهو وتنظيمه ينكرون باللسان والقلب فهذا قول مجاف للحقيقة، فالهيئة هي المخولة للإنكار بالقلب واللسان واليد.
وختم الدكتور البواردي قوله بجملة مهمة (إدارة المعرض لها معرفة بوجودنا وكذلك الجهات الأمنية ولم يعترض أحد منهم).
رغم أن صمت الآخرين أو تجاهلهم أو عدم اعتراضهم لا يعني أن ما تقوم به شيء صحيح، لكنه قول يستحق التوقف، ولا سيما أن الأمر لم يعد يحدث بطريقة فردية، كأن يحاول شخص محتسب مجهول إيقاف بث التلفزيون أو إلغاء مسرحية، بل بأشخاص معروفين وذوي مكانة علمية ونضج علمي، وليس كما جرت العادة بأنهم شباب يدفعهم الحماس فيجتهدون ويخطئون، ولم يكن الإنكار عارضا كأن يشاهد المسلم منكرا ظاهرا أثناء تجوله فيمتعض (ينكر بقلبه)، أو ينبه القائمين لهذا المنكر (ينكر بلسانه)، بل إن هؤلاء أتوا للمعرض للبحث عن المنكر، والأمر الأهم أنهم قدموا بقناعة أن ما يقومون به هو من واجباتهم كمسلمين، وأن كل من يعترض على عملهم هو كاره للدين.. إلى آخره من العبارات القمعية التي يرددها مشاهيرهم في مواقع التواصل الاجتماعي!
ويبقى السؤال ينتظر إجابة من الجهات الأمنية والشرعية: هل الاحتساب الجماعي المنظم حق أصيل لكل مواطن يريد الأجر؟
إن كان نعم فكلنا خادم للدين..