عبدالعزيز السماري- الجزيرة السعودية-
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورة لغلاف كتاب بعنوان «كليات القانون والحكم بغير ما أنزل الله» أصدره قاض وراجعه أحد كبار العلماء، و جاء في الكتاب المتداول أن الجامعات السعودية وعلى رأسها جامعة الملك سعود تدرس قوانين تنص على الكفر بواح، والطاغوتية، واستند الكاتب إلى قول أحدهم «بأنه يجب جهاد المتبعين للقوانين الوضعية وقتالهم.
هذا الخبر يختصر مشكلة الإرهاب الديني في سطور، ويعيد القضية المشتعلة إلى قواعدها الأساسية، وهي أن الإرهاب الديني والتفجيرات قضية فكر، وليس مجرد سلوك إجرامي فقط، فالخارجون إلى الشوارع بمتفجراتهم يستندون إلى هذا الفكر في تأصيل قتالهم للمجتمعات الآمنة، ولا يمكن الخروج من هذا النفق المظلم إلى بمواجهته بالعقل والتنوير من قبل المفكرين وعلماء الدين المتنورين والثقات..
يؤكد المؤلف أن القوانين التي تُدرَس في «كليات القانون» بالعالم الإسلامي كفر بواح، وهو بذلك يزيد مساحة الخروج على الأمن والاستقرار إلى مختلف المجتمعات الإسلامية، وتدل رؤيته كما نشرها في كتابه على فكر منغلق، ولا يجيد قراءة تطور الأحكام القانونية في التاريخ، فالإسلام كان ومازال في تاريخه يثري الرؤية القانونيه للمتغيرات، و لم يلغ اجتهاد المتخصصين في إصدار القوانين للجرائم والجنحات المستجدة.
كذلك لا يمكن إغفال تطور الجرائم بإختلاف الزمان والمكان ، فعلى سبيل المثال أصبح هناك جرائم سياسية واقتصادية و جنسية وأخلاقية وإدارية، وجرائم ضد حقوق الأطفال، وضد حقوق الملكية، كما أن اغتصاب الزوجة وإرغامها على الجنس بالضرب والإكراه يدخل في طور الجريمة في هذا العصر ، فما بالك إذن بمن يجيز اغتصاب الفتيات الصغيرات تحت مسميات السبي وغيرها.
كانت السرقة تنحصر في تعريف أخذ المال خفية، ولكنها في هذا العصر تجاوزت ذلك، وأصبحت تعني سرقة الحقوق الفكرية وسرقة المؤلفات والأفكار والمخترعات، وسؤالي للمؤلف عن كيفية التعامل مع هذه الجنح الجديدة على الشرع الإسلامي، وهل تُقطع أيديهم إذا ثبتت سرقتهم لكتاب مؤلف آخر، أم نجتهد ونضع نظام لتعويض الخاسر من السرقة الأدبية كالتعويض المادي والتشهير وغيرها.
هناك باب واسع في عالم الجريمة الحالي وهو أخلاقيات المهنة والإدارة الحديثة، فعالم الإدارة الحالي يجرم التسلط الإداري ويسحب رخص أصحاب المهن الذين يستغلون ثقة الناس ويتلاعبون بحقوقهم أو يخلون بها من الأطباء والمهندسين والإداريين وغيرهم، والفقه الإسلامي في تاريخه الطويل لم يطرح أي اجتهادات لإصدار عقوبات في حق الذين ستغلون سلطتهم في غير مكانها، أو الذي يخالفون أخلاقيات العمل في المؤسسات أو الأعمال الحرة.
في عالم حوادث السيارات والمرور ظهرت جرائم جديدة مثل قطع الإشارة الحمراء والتسبب في موت الآخرين، وذلك جرم كبير ويترتب عليه أحكام شديدة في الأنظمة الحديثة، بينما في الفقه الإسلامي المعاصر يدخلون هذا الجرم الشنيع في قضية القتل الخطأ أي بدون قصد، وكيف يكون بدون قصد وهو يعتبر مخالفاً للنظام ويتسبب في قتل شخص آخر بسبب مخالفته المرورية أو قيادته المتهورة..
في الفقه الإسلامي يتم تعريف القتل الخطأ هو أن يفعل ما لا يريد به المقتول، فيفضي إلى قتله أو يتسبب في قتله كأن يصدمه بسيارة دون قصد. والحكم الشرعي على القاتل «قتل خطأ « الدية والكفارة، والكفارة هي صيام شهرين متتابعين إن لم يجد الرقبة لقوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة)، بينما القتل شبه العمد: أن يقصد المكلف الجناية على إنسان معصوم الدم بما لا يقتل عادة، كأن يضربه بعصاً خفيفة، أو حجر صغير، أو يلكزه بيده، أو بسوط، أو نحو ذلك فيصيب منه مقتلاً فيموت من ذلك، والإشكالية الفقهية الحالية أن حكمهما في الفقه واحد على الرغم من اختلاف درجة الجريمة ، فهل من يقطع الإشارة ويقتل، مثل الذي يرمي صيداً، أو يقصد غرضاً، فيصيب إنساناً معصوم الدم فيقتله..
ما سردته أعلاه مجرد أمثلة لقصور تلك النظرة التي تضرب المجتمع في مقتل عندما تشيع بين العامة أحكام التكفير للجامعات التي تدرس القانون وتثريها بالأنظمة والقوانين الحديثة، والفتوى في حقيقة الأمر تعني بطريق غير مباشر تكفير الدولة، فالجامعات التي تدرس القانون و الأنظمه تشارك في تقديم خبراتها للدولة والمؤسسات الحكومية لإصدار الأنظمة والقوانين، وهذا هو بيت القصيد في مثل هذا الطرح، وتكفير الدولة مؤشر خطير على وصول هذا الفكر إلى حالة اللارجعة، و أنه تحول إلى خنجر مسموم في خاصرة الاستقرار والأمن في الأوطان، والله المستعان