عمان اليوم-
دعا سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة إلى الاهتمام بالشباب، بتنميتهم وتأهيلهم، وتحصينهم، فقال: إن مرحلة الشباب يجب أن تؤطر في الإطار الصحيح، بحيث يحسن استغلال هؤلاء الشباب، ليشعروا أنهم مصدر قوة الأمم، فالأمم تقاس بشبابها؛ تقدما وتأخرا، رقيا وانحطاطا، وقوة وضعفا. وبقدر ما يكون الشباب قويا طموحا متقدما راقيا في أخلاقه وتصوراته وأفكاره وثقافته وعلمه؛ تكون الأمة بخير».
وأضاف أن الناس يتفاوتون في استغلال مرحلة الشباب بين الخير والشر، غير أن أصحاب العقول الراجحة والآراء الحصيفة، والاتجاهات السليمة يستغلون هذه المرحلة في البناء والتعمير؛ بدل استعمالها في الهدم والتدمير.
وأوضح سماحته أن الخطاب الذي يوجه إلى الشباب ينبغي أن يكون خطابا مراعيا لبيئتهم وثقافتهم وفكرهم، مبينا أن الخطاب ليس مجرد اللغة فقط، وإنما يشمل الأعراف والثقافة بحيث يستطيع الإنسان أن يؤدي الخطاب مصبوغا بالصبغة الثقافية المعاصرة فقال: «إن اللسان في وقتنا هذا هو لسان العلم». جاء ذلك في برنامج سؤال أهل الذكر بتلفزيون سلطنة عمان، فإلى المزيد مما جاء في هذا اللقاء …
بداية قال سماحة الشيخ: إن مرحلة الشباب مرحلة تتميز عن بقية مراحل العمر بما فيها من الفتوة والقوة، وبما فيها من الطموح والقدرة على القيام بأعمال شتى، وهذا ما نجده من خلال رجوعنا إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بجانب كوننا ندرك هذا الأمر بالفطرة؛ ذلك أن مرحلة الشباب تتميز عن بقية المراحل بما تتميز به؛ فالشباب أقدر من غيره على أن يقوم بما لا يستطيع أن يقوم به الشيخ، وبما لا يستطيع أن يقوم به الطفل، وهذا الذي جعل الشعراء يبكون على الشباب، ويتمنون أن تستمر مرحلة الشباب، وأنى لهم ذلك ! لأن الشباب هو مجرد خيال عابر، ومن أمثلة ذلك قول الشاعر التهامي:
شيئان ينقشعان أول وهلة ***
ظل الشباب وخلة الأشرار
لا حبذا الشيب الوفي وحبذا ***
غصن الشباب الخائن الغدار
وطري من الدنيا الشباب وروقه ***
فإذا مضى فقد انقضت أوطاري
قصرت مسافته وما حسناته ***
عندي ولا آلاؤه بقصار
وأضاف سماحته موضحا: ونجد في كتاب الله ما يؤيد هذا، فالله سبحانه وتعالى عندما ذكر الذين قاموا بجهود كبيرة من أجل خدمة الدين، ومن أجل الدفاع عن العقيدة، ومن أجل دفع عجلة الدعوة إلى الأمام، ذكرهم بصفة الشباب، فالله سبحانه وتعالى يقول في قصة إبراهيم عليه السلام وما قام به من تحدي قومه وتحطيم أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، ذكر ما كان: « قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ، قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ» سمعنا «فتى»، أي أنه في مرحلة فتوة، وكذلك نجد مثل ذلك أن الله سبحانه وتعالى ذكر الذين دافعوا عن العقيدة، واستطاعوا أن يخرجوا عما كان عليه أقوامهم من عبادة غير الله، وصف هؤلاء بالفتية، كفتية أهل الكهف: «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى». والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اغتنم خمسا قبل خمس»، ومن بين هذه الخمس التي أمر باغتنامها، «وشبابك قبل هرمك» أي اغتنم فرصة الشباب، لأن الشباب لا يبقى، فلذلك كان جديرا بالإنسان أن يعتني بهذه الفرصة.
استغلال مرحلة الشباب
وقال سماحته: إن الناس يتفاوتون في استغلال مرحلة الشباب، إذ إنه بالإمكان استغلالها في مجالات شتى، في التعبير والتدبير معا، إلا أن أصحاب العقول الراجحة والآراء الحصيفة، والاتجاهات السليمة يستغلون هذه المرحلة في البناء والتعمير؛ بدل استعمالها في الهدم والتدمير، فلربما كان الشباب إن لم يحسن استغلاله ويوجه التوجيه البناء كان مصدرا للتدمير والعياذ بالله، عندما يكون الشباب شبابا طائشا، شباب شهوات، يريد أن يشبع شهواته ولو على حساب الآخرين، يريد أن يستكثر من المال من أجل استغلاله في الشهوات، فيبحث عن طرق تحصيل المال، غير مبال أن يكون ذلك بسفك دماء أو أن يكون بالبطش بالناس، أو أن يكون ذلك بفعل أي شيء مما يضر المجتمع ويثير الرعب والخوف في الناس.
وأضاف: إن مرحلة الشباب يجب أن تؤطر في الإطار الصحيح، بحيث يحسن استغلال هؤلاء الشباب، ليشعروا أنهم مصدر قوة الأمم، إذ إن الأمم تقاس بشبابها؛ تقدما وتأخرا، رقيا وانحطاطا، وقوة وضعفا، فبقدر ما يكون الشباب قويا طموحا متقدما راقيا في أخلاقه وتصوراته وأفكاره وثقافته وعلمه؛ تكون الأمة بخير، وتكون متقدمة.
لم خص الشباب بالسؤال ؟
وتحدث سماحته عن سبب تخصيص السؤال عن مرحلة الشباب عن بقية المراحل، فقال: لا ريب أن الإنسان من عادته إن شب على شيء شاب عليه، وإن لم يثن نفسه عن الشر في مرحلة الشباب صعب عليه أن يثنيها عنه في مرحلة الشيخوخة، الشباب قد ينثني من الخير إلى الشر والعياذ بالله، وقد ينثني من الشر إلى الخير، وإذا اعتاد الإنسان على الخير في مرحلة الشباب سهل عليه الاستمرار على هذا الخير في مرحلة الشيخوخة، وإذا فرّط في مرحلة الشباب كان مفرطا في مرحلة الشيخوخة، فلذلك كان الإنسان مسؤولا عن الشباب.
وأضاف موضحا: كل منن الله تعالى يسأل عنها العبد يوم القيامة، يسأل عن عمره فيما أفناه، ويسأل عن شبابه فيما أبلاه، ويسأل عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، ويسأل عن علمه ماذا عمل به، كل هذا مما يسأل عنه، يسأل عن العمر جميعا؛ لأن العمر كله هو هبة الله تعالى العظمى، وبقية المواهب إنما تترتب على هذه الهبة، فهذه الهبة هي الوعاء العام لمواهب الله تعالى للعبد، لأن كل موهبة، سواء كانت هذه الموهبة مادية أو كانت معنوية، سواء أكانت جسمية أو كانت روحية، سواء كانت هذه الموهبة تتعلق بالدين أو تتعلق بالدنيا، إنما هذه المواهب جميعا إنما تصب في هذا الوعاء، في هذا العمر الذي يعيشه الإنسان، فلذلك يُسال عن عمره فيما أفناه، ويسأل بجانب ذلك عن شبابه؛ لأن الذي يستطيع أن يؤديه في مرحلة الشباب لا يستطيع أن يؤديه في مرحلة الشيخوخة، قد يقوم بالبناء والتعمير في مرحلة الشباب من خلال عنايته بالخير، وهذا ما كان عليه السلف الصالح، فمن سارع إلى الإيمان بالنبي هم الشباب، وهم الذين حملوا لواء هذه الدعوة، وهم الذين كانوا ألسنة إعلامها، وهم الذين كانوا السواعد التي بنت هذا الدين الحنيف من خلال جهادهم ودفاعهم عن هذا الدين الحنيف، فبكل اعتبار الشباب يستطيع أن يؤدي ما لا يستطيع أن يؤديه الشيخ، فمن هنا كان السؤال عن مرحلة الشباب. فيم أبلى الإنسان هذا الشباب؟ هل أبلاه في الخير أو أبلاه في الشر؟ فلذلك كان جديرا بالإنسان أن يستغل هذه الفرصة ولا يفوتها، فإن فوتها فإنه لا يمكن أن يعوضها بشيء، لا يمكن أن تستعاض، فإن رحل الشباب رحل وانتهى! وكم من نماذج للشباب في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، في عهد الذين اتبعوهم بإحسان، هذه النماذج كانت حية تري الناس كيف تستغل القدرات في الخير، وكيف تتجه هذه القدرات إلى البناء والتعمير، بدلا من أن تكون معاول هدم وتدمير والعياذ بالله.
خطاب الشباب ..
وتطرق سماحة الشيخ إلى طبيعة الخطاب الذي ينبغي أن يوجه إلى الشباب، فقال: من المعلوم أن الخطاب ينبغي أن يكون خطابا مراعيا لبيئة هؤلاء الشباب وثقافتهم، وفكرهم، لأن سنة الله تعالى هكذا، إذ إن كل خطاب في كل الرسالات التي تأتي من عند الله يكون خطابها متكيفا مع وضع تلك البيئة ومع ظروف هذه البيئة، بحيث تراعى البيئة في هذا الخطاب، فالله سبحانه وتعالى يقول: « وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ» .. اللسان ليس مجرد اللغة فقط، فهو يشمل الأعراف، والثقافة، بحيث يستطيع الإنسان أن يؤدي الخطاب مصبوغا بالصبغة الثقافية المعاصرة، في العصر الذي هو فيه، فلو تحدث لإنسان في هذا العصر، عصر الذرة والكهرباء، وعصر شبكة المعلومات، ولكن كان حديثه مؤطرا في إطار ما قبل ثلاثة أو أربعة قرون، فإن الناس بطبيعة الحال لا يتكيفون مع طبيعة هذا الخطاب، ولا يتفاعلون معه؛ فإذن على الداعية الذي يدعو هؤلاء الشباب إلى رسوخ الإيمان، ويدعوهم إلى قوة اليقين، ويدعوهم إلى الصلة بالله، عليه أن يخاطبهم باللسان الذي هم فيه. وأضاف موضحا: إن اللسان في وقتنا هذا هو لسان العلم من خلال هذه الاكتشافات العلمية الكثيرة، فنقيم الحجة عليهم بما هو في كتاب الله عز وجل، من دلائل وحقائق كونية كانت غامضة عن الناس، ونقيم الحجة من خلال الآيات التي تجلت للناس في الكون كله وفي الأنفس أيضا، هذه الآيات التي تبصرنا بحاجتنا إلى الرب سبحانه وتعالى إلى الخالق العظيم، إلى عنايته ورحمته ولطفه بنا، إلى نعمته التي يغدقها علينا، إلى كل ما نحن نحتاج إليه، إلى هدايته وإرشاده وتبصيره لنا بهذه الحياة، فكل ذرة كما يقول الشيخ ناصر بن أبي نبهان، وهو ما قاله نحو قرنين من الزمان، حيث قال: كل ذرة من ذرات الوجود كلمة من كلمات الله، الناطقة بمعرفته سبحانه وتعالى، وما عداها فهو كالشرح لتلك الكلمات.
ونحن نقول الآن ليست الذرة مجرد كلمة، وإنما نقول كل ذرة من ذرات الكون هي سفر حافل بآيات الله تعالى، هذه الآيات التي تبصرنا بعظمة الله سبحانه وتعالى، وتدلنا على لطف الله تعالى بنا، ونعمته التي يغدقها علينا فإذا علينا أن نستبصر من خلال هذه الحقائق ونتدبرها بأنفسنا، ونثير نفوس الشباب لتدبرها، وتأملها، ليعرفوا حاجتهم إلى الله سبحانه وتعالى، وحاجتهم إلى الإيمان بالله والاتصال به، والتعويل عليه في كل أمر، هذه الأمور لا بد منها.
أمة دعوة
وتحدث سماحة الشيخ عن أهمية دعوة الشباب إلى الله، وإلى الإيمان به والقرب منه، وتحصينهم من الانحرافات الفكرية والأخلاقية، فقال: نحن مطالبون – من ناحية – بأن نحصن أنفسنا، وبأن نحصن شبابنا، وأن نحرص على أن يكون هذا الشباب شبابا إيمانيا يترعرع في محيط الإيمان، ويتشبع بتعاليمه، ويسير على نور الإيمان، يعرف كيف يضع أقدامه في طريق هذه الحياة، حتى تكون جميع خطواته خطوات بناءة تصل به إلى خير الدنيا، وسعادة العقبى، هذا مما يجب.
وأضاف سماحته: بجانب ذلك نحن أمة دعوة إلى الله، ولا يمكن أن تعيش هذه الأمة إلا بالدعوة، « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ»، فعندما تكون الأمة مستمسكة بهذا الأمر تكون حقيقة بأن تصبح خير أمة أخرجت للناس، أما عندما تتخلى عن هذه المقومات فإنها تتخلى عن خيريتها، وتصبح أمة غير خيّرة بين الأمم، مع هذا نجد أن الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نكون أمة هذا شأنها، «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، فكلنا مطالبون بأن نكون كلنا أمة دعوة إلى الله سبحانه، أمة أمر بالمعروف، أمة نهي عن المنكر، وهذا مما يجعلنا نترابط، بحيث يشد بعضنا أزر بعض، ويحب بعضنا بعضا، هذه الولاية التي تكون بين المؤمنين والمؤمنات، قوامها ما ذكره الله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ». كيف تكون هذه الولاية؟ وما قوامها؟ قال: «يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، فلو تخلت الأمة – والعياذ بالله – عن إقامة الصلاة، وعن إيتاء الزكاة أو عن الأمر بالمعروف أو عن طاعة الله ورسوله لتخلت عن مقومات حياتها، ولأصبحت أمة هزيلة ضعيفة.
وأضاف سماحته قائلا: نحن مطالبون أن نوصل هذه الدعوة إلى الأمم، مطالبون أن نوصل هذه الدعوة إلى الملاحدة، لأن هذه الدعوة لا تنقطع في أي وقت من الأوقات، ومن الضرورة بمكان أن يقوم بها الدعاة في أي عصر من العصور، وعليهم أن ينظروا إلى ما يلائم هذه العصور من أساليب الدعوة، فالحقائق التي يدعون إليها هي نفسها لا تتغير، دعوة إلى الخير والحق، ولكن مع ذلك هناك أساليب لإبلاغ الدعوة، والنبي صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرأ سمع مني مقالة فوعاها فبلغها كما سمعها» أو كما قال رسول الله. وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: « بلغوا عني ولو آية» فنحن على أي حال مطالبون أن نبلغ هذه الدعوة، والدعوة تسلسلت بعد النبي صلى الله عليه وسلم في الأعقاب حتى وصلت إلينا، وعلينا أن لا نفرط في هذه الدعوة، فبالنسبة إلى هذا العالم الملحد، العالم الغربي؛ علينا أن نبصره بحقيقة الإيمان، وبحاجته إلى الإيمان وما أحوجه إلى الإيمان بسبب أنه أصبح عالما ضائعا تائها على رغم التقدم في المجالات العلمية، ولكن بسبب فقدان الإيمان فقد عنصر الحياة، فقد الروح التي يحيا بها، ونحن علينا أن نكوم مؤثرين لا أن نكون متأثرين، إذا كان من حولنا إلحاد ؛ فنحن علينا أن لا نتبع الإلحاد، بل علينا أن نؤثر في الإلحاد، وإن أهملنا هذا الأمر كنا متأثرين وإن لم نكن مؤثرين أصبحنا متأثرين، والله سبحانه وتعالى يأبى ذلك، لأنه فرض علينا أن نكون أمة دعوة، وجعل العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فعلينا أن لا نضيع في خضم هذه الأفكار التي تعصف بهذه التيارات الإلحادية.