دعوة » مواقف

الحزيمي: رموز الإسلام السياسي يشبهون جهيمان

في 2016/04/02

عكاظ السعودية-

لا يرى الباحث ناصر الحزيمي كبير فرق بين جهيمان العتيبي وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري من حيث تعاملهم مع النصوص. إذ أوضح الحزيمي لـ «عكاظ» أنه برغم أن بن لادن درس إدارة واقتصاد. والظواهري طبيب. وجهيمان لم يحصل على الابتدائية. إلا أنهم يعانون جميعهم ومن شاكلهم إشكالات الجمود على ظواهر النصوص وعدم الالتفات لمقاصد الشريعة. ويحاربون كتب الفقه المعتمدة. وأصول الفقه كونه يتقاطع مع منطق اليونان. ويقفون موقفا سلبيا من العلماء الربانيين. ويفتقدون فقه الوسطية. الحزيمي أصدر كتابا وثق فيه تجربته «أيام مع جهيمان: كنت مع الجماعة السلفية المحتسبة» عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر 1432. وأثار جدلا في الأوساط الثقافية محليا وعربيا ذلك أن الحزيمي عاش وعايش تجربة حركية لمدة عقد من الزمان ودفع ثمن الانتماء لها إلا أنه وظف سياقات التجربة في التنوير وكتب ولا يزال كتبا ومقالات أشبه ما تكون بلقاح لكل الشباب المتحمس للحزبية والحركية الإسلاموية الطامحة لتأسيس خلافة كما يزعمون وهنا نص الحوار مع الحزيمي:

بماذا يمكن وصف كتابك أيام مع جهيمان العنوان ونوع الكتابة ؟

يعد الكتاب شهادة تاريخية لمرحلة من المهم توفر شهادات عنها خصوصا ممن عاش الحقبة وتأثر بها وأثر فيها. هذه الشهادة تضمنت سيرة فرد انضوى تحت لواء الجماعة المحتسبة، وعايش مسار تشكلها، ورأى وسمع الانشقاقات في داخلها، ووثق أثر جهيمان في الجماعة منذ تأسيسها حتى انتهائها باحتلال الحرم شهر محرم 1400. والعنوان فرضه المضمون. والكتابة شهادة اعتمدت فيها على الذاكرة ويمكن أن توصف بالمذكرات كونها وثقت يوميات الجماعة. وليعذرني القارئ كوني كتبت بعد ربع قرن على حادثة الحرم. وبعد 18 عاما من خروجي من السجن إذ قضيت فيها ستة أعوام.

كم استغرقت منك الكتابة. وما منهجك وهل قلت كل شيء؟

أشعر أني لم أقل كل شيء وأثناء الحوارات المباشرة تستثير بعض الأسئلة الذاكرة فأقول شيئا ما سبق قوله. وظللت أكتب وأراجع لمدة عام كامل حتى خرج الكتاب. والكتاب نقدي توثيقي فيه جوانب احتاجت للنقد كاعتماد المنامات والملاحم والاتكاء عليها في تبرير ما تقوم به الجماعة. وهناك جانب توثيقي إذ لم أغفل الأحداث الموازية لتشكل الجماعة المحتسبة في تلك الفترة، ولم أتجاهل وصف ملامح المدن والأمكنة التي مرت بها الجماعة، ومناطق تجمعهم وما تحويه من أسواق ومساجد. مع رصد بعض الحوادث الموازية ذات الدلالة، منها حادثة تكسير الصور في المدينة المنورة قبيل نشأة الجماعة المحتسبة، والمشاكسات بين العلماء في الحرم المكي. وطرد بعض أفراد الجماعة بسبب اختلافات فقهية حول الصلاة والتطويل فيها إذ أن أحدهم من شمال أفريقيا صلى بالناس صلاة طويلة تسببت في طرده.

ما سبب نشوء مثل هذه الجماعات من خلال تجربتك؟

أعتقد أن انحسار مد القوى التقدمية (اليسار عموما) وضعف التيار القومي. وغياب الطرح التنويري. وتصاعد أسعار النفط. وتنامي الخشية من الكتلة الشيوعية. وتبني تمويل كل ما يضادها ويجابهها فعلا صوت اليمين. واعتمد البعض الصمت أو السكوت على ممارسات الجماعات الدينية المسيسة حتى وإن خرجت عن المألوف.

على ماذا تقوم هذه الجماعات وبماذا تصفها؟

هي جماعات خلاصية ظهرت في كل الحقب التاريخية وتقوم على تأزيم المجتمع ثم تدخله في التوتر لتظهر للناس أن لديها الحلول لهذه الأزمات. مثل رفع شعارات الإسلام هو الحل.

هل تضع الجماعة المحتسبة ضمن جماعات الإسلام السياسي؟

الجماعة المحتسبة لا تصنف في جماعات الإسلام السياسي. ليس هدفها إقامة دولة ولا إنشاء مؤسسات بل هي حركة خلاص ملحمي. اعتمدت الرؤى والمنامات من جهة وأحاديث وروايات ملاحم آخر الزمان وتبنتها.

ما القلق الذي ساورك أثناء الكتابة؟

لم أقلق وأنا أكتب. كوني أوثق شهادة تخصني وأكتب سيرة سردية متعلقة بي أكثر من تعلقها بالآخرين. لكن القلق انتابني بعد الانتهاء في ما يتعلق بالنشر والتوزيع وردود الأفعال

ما أبرز ردود الأفعال؟

الغالب على ردود الأفعال الرضا عما كتبت وربما الاستحسان. والكتاب تلقته النخب بالقبول لأن الجميع كان يتعطش للقراءة عن تلك المرحلة التي لا يعرف عنها المجتمع الكثير.

هل ندمت على ما كتبت؟

بالعكس. كنت سأندم لو لم أكتب. والكتابة تتيح لآخرين أن يضيفوا وأن يستدركوا وهذا يسعدني جدا.

كيف يمكننا الحد من جماعات التطرف والإرهاب؟

لو اجتمعت الأصوات الواعية وقوى المجتمع المدنية على الالتفاف حول الوطن وحماية مقدراته لأمكن تحجيم ظواهر التطرف وجماعات الإرهاب. مع الأسف الحزبية والتطرف والإرهاب تظهر في مجتمعات مريضة. وقوى الشر قابلة للكسر فيما لو تمت محاربتها أولا بأول.

كيف تقرأ التجربة منطقيا؟

إذا كنا نقيس الأمور بالمنطق فكثير مما يحدث وحدث ليس منطقيا. لا يمكن فهم حركات الإسلام السياسي من خلال حسابات عقلية. الراديكالية تبحث عن سند شرعي أو قانوني لقيامها وتبرير خروجها على المجتمعات. ومن هذه المبررات (الرؤى والأحلام. وأحاديث الملاحم).

بماذا يمكن وصف جهيمان؟

رجل كاريزمي. ونجح في صنع هالة حول نفسه. حتى أنني كنت أتشوق للقائه من كثرة ما سمعت عنه. وعندما التقيته رأيت رجلا حادا لا يقبل النقاش ولا المراجعة. وكان يكتب رسائل عادية ولا يمكن وصفها بالفكر. ولم يعتمد الرسائل إلا للممايزة عن باقي الجماعات.

هل تمثل جماعة جهيمان امتدادا لجماعة سبقتها؟

لا شك أن جماعة جهيمان بحكم طبيعتها وأفكارها نسخة محدثة من جماعة (إخوان من طاع الله) إلا أنهم يعتنون بالتوحيد كثيرا. وبتخريج الأحاديث. وينبذون التمذهب. وهذه لم تكن من أدبيات إخوان من طاع الله.

ماذا تقول لناصر الحزيمي بعد خوضه التجربة؟

أقول هذا قدري. مررت بهذه التجربة بكامل وعيي بحثا عن الحق وعن العلم الشرعي. ولست راضيا عن هذه التجربة إلا أنها مرحلة من مراحل حياتي. أحاول دوما قراءتها والاستفادة منها. وتمرير التجربة لأجيال لاحقة لتستفيد ولتدرك أن الطريق إلى جهنم محفوفة بالنوايا الحسنة.

كيف تقرأ اليوم منهج جماعات الإسلام السياسي؟

جماعات الإسلام السياسي انتهازية. حولت الإسلام السامي النبيل إلى ركوبة للوصول إلى غايات غير سامية وغير نبيلة. ولا زالت لديهم أهداف ومطامع كبرى. ولو سألتهم ما هو الحل سيجيبون جميعا بأن الإسلام هو الحل. بالطبع هذا مدعاة للدور كما يقول الأصوليون كون الإسلام بحسب تعريفاتهم وتصنيفهم انقسم إلى إسلامات كثيرة ولا حصر لها فأيها هو الحل نحن نسأل أيضا.

أين تجد التقاطع الواضح بين جماعات التطرف والحقب التاريخية؟

ربما أواخر العصر العباسي. وقبل سقوط الدولة العباسية. إذ انتشر مؤولو الأحلام. وعابرو الرؤى. ومفسرو المنامات. حتى أن الخليفة كان يصدر فرمانات بمنعهم من الجلوس في المساجد أو التصدي للناس في الطرقات.

هل من تلازم بين حادثة الحرم والخميني والصحوة؟

لا أرى تلازما بين حادثة الحرم وسواها. أما الصحوة والخميني فبينهما تلازم كونهما نتاج الحرب الباردة. وبروز الخميني والصحوة كان هدفه عدم وصول التيارات التقدمية إلى المياه الدافئة. فحضورهما سياسي لتعزيز جبهة اليمين المتطرف في وجه اليسار.

متى ازدهرت مصطلحات الحاكمية. اللامذهبية؟

في بدايات السبعينات تقريبا من القرن الماضي ازدهر المصطلحان، وكان لهما تأثير على أفكار الجماعات الإسلامية. مصطلح الحاكمية تبنته وقتها تيارات منتسبة لسيد قطب هذا المصطلح كان له دور فعال في تكفير الأفراد والمجتمعات والحكومات ولم يسلم منه حتى العلماء، و(اللامذهبية) تبناه تيار أهل الحديث المنتسبين للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ويطلقون على أنفسهم السلفيين وبعضهم أطلق على نفسه المحتسبة كما هو حال الجماعة التي نشأت وقتها في الحرة الشرقية في المدينة المنورة وهي دعوة للأخذ بالكتاب والسنة من مصادرها الأصلية ونبذ التمذهب الفقهي ومحاربته وأستطيع الجزم أنه لا يوجد لدى هذه الجماعة أي أدوات توصل إلى فهم النص كونهم لا يدرسون اللغة العربية نحوا وصرفا وغريبا ولا يدرسون أصول الفقه ولا يتعاطون مع فقه الخلاف بشكل علمي لقد كانت هذه الجماعة دعاواها عريضة واطلاعها محدود جدا.

من تبنى مثل هذه المصطلحات لاحقا؟

تبنى هذين المصطلحين تيار عريض من شباب الصحوة وقتها وبارتفاع وتيرة هذين القولين أدى القول باللامذهبية مثلا إلى الجرأة على العلماء بل أصبح العلم الشرعي شعبيا بامتياز وأصبح صغار الطلبة يجادلون ويتخذون الموقف ضد الشيخ فلان أو غيره وأصبح شرط العلوم الشرعية أكثر يسرا مما كان عليه سابقا فتجد من لم يحفظ القرآن والسنن أصبح يشار له بالبنان على أنه طالب علم وفقيه متميز. أما مصطلح الحاكمية فقد جرُؤ قطاع عريض من شباب الصحوة على ولاة الأمر والمؤسسة الدينية الرسمية وقتها وأصبح الولاء للوسطية عند بعض شباب الصحوة تخاذلا.

هل لا يزال لهذين المصطلحين حضور؟

بالطبع إذ تمت المزاوجة بينهما في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي من خلال فكر محمد سرور زين العابدين الذي تبناه تيار البعض من شباب الصحوة خصوصا في مرحلة ما بعد وصول الخميني للحكم في إيران وتأييد الإخوان المسلمين التنظيم الدولي لها. ولا يزال لهذا التوجه دوره الفعال في التطرف الذي نشهده هذه الأيام.