عيسى الغيث- الوطن السعودية-
من الصعوبة بمكان أن أفرد فكرتي في هذه الزاوية الضيّقة، ولكن حسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق، وكما قيل الخط ما قُرء والباقي صنعة، ونقيس عليه قولنا الصوت ما سُمع والباقي إزعاج، وبالتالي فسأوصل فكرة هذا المقال بشكل مختصر، وأترك التفاصيل لسعة أفق القارئ الكريم.
مما لاحظته في مجتمعنا السعودي وحتى الخليجي وربما العربي هوس البعض ولاسيما الإسلاميين بالصراعات والمؤامرات، فترى خطابهم ومقالهم وتغريدهم عن وجود صراع دائم وقوي تجاه الدين بزعمهم، وهم لا يكتفون بكونه صراعاً من عدو خارجي، أو حتى من بعض الداخل بشكل محدود، وإنما يهولون ويبالغون ويعطون الانطباع أن كل حياتنا صراع من فئة منافقة أو كافرة ضدهم، ولذا يكثرون من جملة "الصراع بين الحق والباطل"، مما يجعلهم بهذا الخطاب الموجه التحريضي التعبوي يحصلون على أمرين، أولهما شيطنة الخصم وتبرير الهجوم عليه باعتباره من الباطل ولو كان مسلماً مؤمناً محسناً لمجرد كونه وسطياً تجديدياً مستقلاً عنهم، وثانيهما تبرير تشددهم وتقليديتهم وتحزبهم، ومن ذلك شيطنة الإعلام والإعلاميين لمجرد أنه ليس تحت أيديهم كبقية المنابر، ناهيك عن أنه ينقدهم ويبين غلوهم واعتداءهم على أعراض العباد وتنمية البلاد، فتجدهم يقدمون أنفسهم كبديل إسلامي عن الإعلام الموجود وكأنه كفري، وكأن الإعلاميين السعوديين المسلمين المؤمنين المحسنين المجاهدين لخدمة وطنهم والمحتسبين لمكافحة التطرف والإرهاب ليسوا سوى منافقين ومتصهينين، وكأننا لسنا في بلاد الحرمين حين يكفرون الإعلاميين بوصف النفاق والعلمنة واللبرلة والتغريب ويزايدون على تدينهم وحتى وطنيتهم حين يخونونهم لمجرد أنهم خارج صندوقهم وينقدون تحزبهم وتطرفهم وعنفهم، وما رأيناه في تغريدات وهاشتاقات تويتر ضد الإعلام والإعلاميين ليس إلا نموذجاً على تطرفهم وإرهابهم الفكري الذي قد يتطور باعتباره تحريضاً إلى إرهاب فعلي من شبابهم المتهور الذين تم شحنهم وتعبئتهم، فتراهم في ذلك الهاشتاق (#إعلاميون_يخدمون_أعداءنا) كنموذج على التحريض والذي ظهر أثره بسيل من المنساقين بالهجوم على الإعلاميين وسبهم وشتمهم واستباحة حقوقهم الشرعية والقانونية وتكفيرهم عبر وصفهم بالنفاق، وهذا نوع من الهوس في الصراعات بدافع حزبي لاسيما من تنظيم الإخوان السعودي وتنظيم السرورية السعودي فضلاً عن القاعدة وداعش، كما تراه يعتبر كل شيء مؤامرة من الداخل فضلاً عن الخارج، وهي (فوبيا المؤامرات الخارجية) فضلاً عن (هوس الصراعات الداخلية)، فأي فكر ينطلق من هذا الفهم، وأيّ مدخلات أخرجت لنا مثل هذا الفكر والخطاب الذي يعيش على روح الصراع، في حين أن صحفنا ومجلاتنا يقوم عليها إخوتنا في الإسلام والعروبة والوطن، وبأي حق نزايد على تدينهم ورسالة وسائلهم الإعلامية.
وهذا الفكر ليس جديدًا علينا؛ لأننا نراه في كل يوم عبر الإنترنت عمومًا، ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصًا، وتويتر على وجه أخص، فكم رأينا من الدعاة مَن يغرد عن مواطنينا وكأنهم ضالون، وهو الوحيد المهتدي، وهذا الفكر النكد لم يخرج علينا في يوم وليلة، وإنما هو نتاج فكر متطرف نما خلال عقود، وغلا حتى وصل إلى أفكار تكفيرية وتفجيرية، والذي يزيد الطين بلة أننا لا نرى مَن يتصدّى لهذا الفكر الذي يعيش في روح الصراع مع القريب، ويتجاهل العدو الحقيقي البعيد، في حين أننا نجد أن وطننا هو الأكثر في عدد المساجد عبر العالم، وبلادنا قدوة المسلمين في المحافظة على ثوابتها الدينية والأخلاقية وتطبيقها للشريعة الإسلامية، وجميع سكانها 100 % مسلمون والحمد لله، ومع ذلك لا يزال هؤلاء القوم يشعروننا في كل يوم أننا نعيش مع الفئة الضالة من نوع اليسار العلماني، أو الاشتراكي، وقد بالغوا، وهوّلوا، وأرجفوا، وأهلكوا الناس! ومَن قال هلك الناس فهو أهلكَهم وأهلكُهم، والصحيح أن الذين نشكو منهم هم الفئة الضالة من نوع اليمين الغالي الإرهابي الذي منح نفسه صكوك الهداية والغفران والجنة، وحكم على خصومه بالضلال والمقت والنار، وربما كفرهم واستباح أعراضهم وأرواحهم.
ومن هذا المنبر أوجه خطابي لوزارة الشؤون الإسلامية بصفتها المسؤولة عن المساجد والدعوة والإرشاد، فنحن نرى أن المساجد ينطلق من بعض منابرها بعض هؤلاء المتيمين بهوس الصراع فضلاً عن القنوت والدعاء على خصومهم، ومن بعض حلقات مساجدها يخرج بعض الفتيان الذين نراهم في تويتر يحملون نفس الفكر، فضلاً عن الدعوة وواجبها تجاه مواجهة هذا التطرف الفكري، والتصور الغالي تجاه الآخرين من إخوتنا المواطنين، وأخص بالذكر مهنة (الإرشاد) التي أراها غائبة عن أجندة الوزارة، فأين الإرشاد في دروس مساجدنا، وخطب جوامعنا بتوعية الناس وتوجيههم نحو الوسطية، وترشيدهم نحو الاعتدال في الفكر والسلوك.
كما أوجه خطابي إلى المسؤولين عن التعليم العام والعالي والإعلام، لأنهم مقصرون في حسن مخرجاتهم، وتحت أيديهم مناهج وخطط يجب تفعيلها لتخريج المواطن الصالح فكريًّا وسلوكيًّا تجاه نفسه وتجاه غيره من المواطنين، وليس بأن يحسب نفسه من المبشرين بالجنة وغيره من المخلدين بالنار.
وأخيرًا أحمل المسؤولية على الجهات الراصدة والمختصة بالضبط الجنائي حيث يجب عليها متابعة الواقع الإلكتروني وتحريك الدعاوى على المعتدين، وفرض النظام العام واستتباب الأمن والسلم الوطنيين، لأن السكوت عن فكر وهوس الصراع، وفوبيا المؤامرة وسوء الظن بالإخوة سينتهي بنا إلى ما لا يحمد عقباه، اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد