المدينة السعودية-
اعتادت بعض المجتمعات العربية الاحتفال في شهر مارس من كل عام بيوم أطلقوا عليه عيد الأم وهو اليوم الذي أثار جدلا شديدا بين العلماء في كل المجتمعات التي تحتفل به بلا استثناء.. وفي الوقت الذي رأى فيه البعض أهمية الاحتفال لأنه ليس بدعة، رأى المعارضون أن الاحتفال يفجر أحزان الأيتام ويشجع على عقوق الآباء وأن البر بهما يجب أن يكون على مدار العام.. الرسالة من خلال التحقيق التالي ترصد الآراء المؤيدة والآراء المعارضة لهذا الاحتفال، وكل رأي يقدم حججه وأسانيده التي استند عليها.
ومن جهته شدَّد عضو هيئة كبار العلماء الدكتور علي عباس الحكمي، على أهمية معرفة جذور وأصل هذه المناسبات العالمية كيوم الأم وغيرها فإن كان منشأها من عادات لغير المسلمين فالأحوط تجنبها لأن فيها تشبها بالكفار والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهانا عن التشبه بهم مؤكدًا أن الأم لها مكانة كبيرة في ديننا الإسلامي، ويجب أن نحترمها ونعتني بها في كل دقيقة، بل في كل ثانية.. وقال الدكتور الحكمي: إن الأحوط تجنب المشاركة في مثل هذه المناسبات فليس عندنا في الإسلام سوى عيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى.
قال مفتي الديار المصرية، شوقى علام، إن الاحتفال بعيد الأم وتقديم الهدايا فيه جائز، وقال: «الأم كرمها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – كما كرم الأب، لافتا إلى وجود كثير من الآيات التي توجب طاعة الوالدين والرحمة والود لهما، إلا أن للأم المنزلة الكبيرة في علاقتها بأبنائها، ولذا يجب أن تكرم ليس في يوم واحد وإنما في كل ساعة وكلما رآها الإنسان وسلم عليها والتقى بها».
وأضاف علام: «الأم هى الأساس والأصل في وجود الإنسان هى والأب، ومن ثم ليس هناك يوم مخصص يمكن أن يقال تجب فيه طاعة الأم فقط، وإنما تكريمها يكون على الدوام، وأشار إلى أنه إذا كان المقصود بحمل الناس على تذكر الأم ورعايتها وأن يحتفل بها في يوم واحد من أيام السنة فهذا لا مانع منه، والاحتفال بالأم لا صلة له بمسألة البدعة، التي يقول بها بعض الناس، مشددا على أن البدعة المردودة هي ما أُحدث على خلاف الشرع؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» متفق عليه من حديث أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-، ومفهومه أن من أَحدث فيه ما هو منه فهو مقبول غير مردود، وأشار إلى أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أقر العرب على احتفالاتهم بذكرياتهم الوطنية وانتصاراتهم القومية، التي كانوا يَتَغَنَّوْنَ فيها بمآثر قبائلهم وأيام انتصاراتهم، كما في حديث الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها- «أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان بغناء يوم بُعاث»، وجاء في السنة «أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- زار قبر أمه السيدة آمنة في أَلْفَيْ مُقَنَّع، فما رُؤِيَ أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ». رواه الحاكم وصححه وأصله في مسلم.
وبيَّن وكيل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى الدكتور محمد مطر السهلي أننا نسمع بين وقت وآخر عن بعض المناسبات مثل يوم الأم ولا نشك في معتقد القائمين على مثل هذه المناسبات ولا خير في من لا يعرف حق أمه إلا في يوم واحد من السنة، مؤكدا أن المشاركة في هذه المناسبات كأنها اعتراف ضمني بهذا الأمر في حين أن ديننا الحنيف كرم الأم وجعل البر بالوالدين طريق المسلم إلى الجنة بعد توحيد الله وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : [ الزمها فإن الجنة ثم ] مشيرًا إلى أن ما يفعله بعض المسلمين من خلال المشاركة في مثل هذه المناسبات يأتي مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم : «لتتبعن سنن من قال قبلكم حذو القذة بالقذة «.
وحذر الدكتور السهلي من هذه التبعية المقيتة والإمعيَّة المذمومة لأن الغرب انشغلوا بأمورهم المادية وانصرفوا عن الواجبات فنادوا بما يسمى يوم الأم لعلهم يتذكرونها يوما في السنة وتقليدهم في هذا الأمر مرفوض شرعًا وسلوكًا؛ فشرعا يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَد»، ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رَد».
وقال ومن الناحية السلوكية لا خير فيمن لا يذكر أمه إلا في وقت محدد مناشدًا أهل النخوة والكرامة والخلق الحسن بأن لا ينساقوا لمثل هذه العادات المذمومة لأن ديننا الحنيف حثَّ على مكارم الأخلاق وبر الوالدين والإحسان إليهما وقال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله : من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أبوك « وقال الله تعالى على لسان نبيه عيسى : «وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا».
قال الشيخ زين العابدين كامل، الداعية الإسلامي: إن عدم تخصيص يوم للاحتفال بالأم أمر أفضل لسلامة عقيدة الإنسان المسلم، خاصة أن ذلك يؤلم اليتامى ويدخل الحزن على صدورهم، وهو ما أكده وقاله عدد ليس بقليل من علماء الدين، كما أن الأعياد في الإسلام واضحة ومعلومة، ولهذا فلا يجوز أن يأتي المسلمون اليوم ويجعلون من أيام معينة أعيادا بما يخالف أحكام الدين الإسلامي، وأشار إلى أن الثابت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أنه لا يوجد في الإسلام إلا عيدان فقط، والدليل على هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة، وجد أهلها يحتفلون بأيام لها ذكر عندهم، فقال لهم قد أبدلكم الله بخير منهما يوم الفطر ويوم الأضحى، أما القول بأننا نحتفل بالأم فإن تعاليم الإسلام تحثنا على بر الأم والأب في كل وقت، ولابد أن نعي جيدا أن هناك أياما ابتدعها غير المسلمين وأرادوا أن يشغلوا العالم الإسلامي بها ومن تلك الأيام ما يسمونه يوم الأم فهو عادة غربية والمسلمون لهم معتقداتهم، وديانتهم، وأعيادهم الخاصة، التي لا ينبغي أن تكون تقليدا لعادات الغرب.
ويقول الدكتور حامد سالم الحربي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى: يروي البزار أن رجلًا كان بالطواف حاملًا أمه يطوف بها، فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل أديت حقها؟ « قال: لا، ولا بزفرة واحدة «.. لقد كرم الإسلام الأم وجعل الجنة جزاء برها فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك، فقال: «هل لك من أم؟» قال: نعم، قال: «فالزمها فإن الجنة عند رجليها»و لا يعرف الإسلام تخصيص يوم كعيد للأم لأن البر وصلة الرحم ليس له وقت معين من العام وما يعز على النفس أن في الوقت الذي تتراجع فيه الوشائج العائلية وصلة الأرحام ينهض تيارا موازيا من المجتمع للتمسك بهذه البدع ويعتبرها مظهرا من مظاهر البر؟! وقول العلماء إن تحديد يوم كعيد للأم بدعة وليس من الدين في شيء ليس تضييقا، وإنما من باب السعة والرحمة لأن أيام السنة كلها يجب أن تكون لبر الأم والإحسان إليها ووصلها بالمعروف.
وتقول عفت خضر: أنا لا أرى مشكلة أو حساسية في الاحتفال بيوم عيد الأم، ومع أني لست متخصصة في العلوم الشرعية، لكن هناك توجها لدى فئة من العلماء إلى حظر كل شيء بدعوى الأحوط أو سد الذريعة؟! والتوسع في هذا الأمر لم يقتصر فقط على يوم الأم وإنما شمل الاحتفال باليوم الوطني! مع أننا نحتفل سنويا باليوم الوطني في المملكة، كما أنني بصراحة أنتظر هذا اليوم ولو تأخر عني أحد الأبناء في الاتصال وإذا لم يأتني أحد منهم أو على الأقل يتصل بي أشعر بحزن شديد لأني اعتدت من أولادي أن يتواصلوا معي ويكونوا معي في هذا اليوم مؤكدة أن الإسلام أعطى الأم حقها ورفع قدرها ومكانتها وعلينا أن نفرق بين الأعياد الدينية والمناسبات أو الأعياد التي يمكن أن توصف بالمدنية والتي تفرضها تطورات العصر ومن هذا عيد الأم واليوم الوطني فنحن في المملكة نعتبر الاحتفال باليوم الوطني مناسبة عزيزة على قلوبنا جميعا ثم أين التشبه فيه بالكفار؟ نحن نحتفل بذكرى تأسيس هذا الكيان الشامخ على يد المؤسس، رحمه الله تعالى، الملك عبدالعزيز بن سعود ونأخذ منها العبر، كما نستلهم آفاق المستقبل وإنني أناشد العلماء أن يكثفوا جهودهم في محاربة مظاهر العقوق، التي أصبحت متفشية في مجتمعاتنا الإسلامية، ولماذا في تزايد وانتشار؟ مضيفة أن الإحتفال بعيد الأم سنة حسنة .
وعلى الجانب الآخر تقول هديل دغريري ـ سيدة أعمال ـ لا أعترف بهذه الأعياد لأننا بصراحة كمسلمين عندنا عيدان فقط، وأما الاحتفال بيوم للأم لوصلها وودها فهذا لا يتوقف على يوم واحد في السنة؟!
وتقول المربية ميعاد شقرة: الأم هي قسيمة الحياة، وموطن الشكوى، وعماد الأمر وعتاد البيت ومهبط النجاة وهي آية الله ومنته ورحمته لقوم يتفكرون والأم أحق من أن يحتفى بها يومًا واحدًا في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله في كل زمان ومكان».. عن أبي هربوه رضي الله عنه قال: «جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أبوك).
وقال سكرتير جمعية حقوق الإنسان بمكة المكرمة الشريف شاكر العبدلي: أعتقد أنها ظاهرة إيجابية تحث على بر الوالدين وتتعلم منها الأجيال الوفاء للأم، وهي تأتي كرد للجميل الذي تقوم به الأم التي لاينكر دورها في التربية أحد.