أحمد التيهاني- الوطن السعودية-
ملحوظة استباقية: هذا المقال ليس موجهاً لرقيق الأفكار الحزبية المتطرفة المستترة بالمقدّس، سواء أكانوا عبيداً يقودون قطعان ذلك الرقيق، أم عبيداً لأولئك القادة بالأصالة، أم عبيداً مخدوعين "بمزاجهم" لاعتيادهم على التبعية، أم عبيداً جاهلين يسيرون بلا وعي "مع الخيل يا شقرا"، وإنما هو موجه إلى المسلمين المؤمنين الأحرار، والأحرار فقط.
أقول مستعيناً بالله: دون خلاف بين أهل الفطر السليمة، والعقول المنعتقة من قيود الآيديولوجيا، وعبودية التبعية، فإن أي فكرٍ يصل بأتْباعه، إلى حدود استسهال وشرْعنة شتْم أموات المسلمين، والشماتة عند موتهم، والدعاء عليهم بالعذاب، عوضا عن الدعاء لهم بالرحمة، هو فكر منحرف خطير، وخطورته على جوهر الدين أولا، ثم على الإنسانية، والسلام، والسلم الاجتماعي، والأمن الوطني، وأسباب الاستخلاف في الأرض كلها.
وفوق تلك الأخطار، فإن هذا الفكر لا يمكن أن يُحسب على دين – أيِّ دين - مهما تدثّر صاحبُه بالدين ليواري تحته نفسه الأمّارة بالأحقاد والشرور والبذاءات والتفرقة والعداوات، والمملوءة بالعُقد والأمراض، فما بالكم حين يكون الدثارُ دينَ الإسلام العظيم بكل ما عرفنا عنه - في مبادئه الأخلاقية الأصيلة النقية من شوائب التسييس والتحزب - من: تسامحٍ، ويسْرٍ، وإحسانِ ظن، وبكل ما تحتوي عليه أوامره من صفات حسن الخُلق المرتبطة بقوة الإيمان، وما حفظناه عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، من النهي عن التمادي في العدائية المفضية إلى النفاق، ومنها: الفجور عند الخصومة.
لا يوجد مسلم ذو عقل حر، يشك في أن الانحدار إلى حضيض شتْم المسلم الميت، والشماتة والتشفي عند موته، انحدار لا يتشكل من فراغ، وإنما هو مبني على فكرٍ ذي أدبيات قوامها تعزيز أسباب كراهية الآخر كائنا من كان، والمقصود بالآخر هنا: كل من لا ينتمي إلى فكر تلك الفئة أو ذلك الحزب، سواء اختلف مع المنتمين إليه، أم لم يختلف، فالمهم – عندهم – أنه ليس منهم، وما دام كذلك فهو عدو، حتى ولو لم يظهر لهم عداوة.
وعليه؛ فالعدو عند هؤلاء هو: كل مسلم ليس منهم بوصفهم كتلة أو حزبا، وكل غربي أو شرقي على الإطلاق، وكل دعاة التحديث وممارسي المراجعة والنقد والتحليل والتفكير؛ وذلك يعني أنهم أعداء البشرية كلها، وتلك أقصى درجات الكراهية الناجمة عن "فكر" منحرف بالمعنى الحقيقي للانحراف. أقولها جازما معتقدا، لا زاعما متردِّدا.
قد يقول قائل: لا ضير، فهذه النماذج البشرية الهائجة، مرفوضة من قطاع مجتمعي عريض، وهو قطاع واع ومؤمن برسالة دينه العظيم، ومدرك لخطر الشاذين فكراً وفطرةً، فأقول: إن مجرد وجود هذه النماذج الحاقدة على الأحياء والأموات، هو الباب الواسع الذي يدلف منه الحمقى أفواجاً إلى القتل والتدمير وكل ما يندرج تحت مصطلح: "إرهاب"؛ ذلك أن فكرها قائم على التدليس والتلبيس، لكونها تُخفي تحت عباءة الدين هياجاً حزبياً خفيّاً بغيضاً ومُبغِضاً، مما يخلق ذرائع استخدام العنف، ويشرْعن الإرهاب المباشر لفرض الرأي السياسي، ويرفع وتيرة الإرهاب الفكري لقمع المتحاورين حول المسائل الخلافية التي يرفض هؤلاء الهائجون الحوار حول جزئياتها أو كلياتها؛ لأن ذلك يتعارض مع مصالح وامتيازات الذين يقودون قطيع الرقيق، وربما لأنه يتعارض مع الاستراتيجيات الحالمة بقيام دولة الخلافة التي قطع الدواعش عليها الطريق من منتصفه.
أعادنا الله إلى جادّة ديننا العظيم، وهي جادّة السلام.